هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انطلقت على إيقاع حرب غزة نقاشات كثيرة حول ما يصطلح عليه إسرائيليا بـ"اليوم التالي"، أي ما بعد حرب غزة، والسيناريو الذي يتم إعداده قبل وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي..
لما بدأت الفلسفة تؤسس نظرية التاريخ بتردد بين ما بعد الأخلاق الروحية (هيغل) وما بعد الطبيعة المادية (ماركس) نكصت الفلسفة بالتخلي عن رؤية كنط النقدية (إلغاء مفهوم الشيء في ذاته بوصفه مفهوما حدا لقدرات العلم) التي ألغت إبستمولوجية المطابقة بين العلم الإنساني والأشياء في ذاتها فاقتضت وجود ما وراء الظاهرات التي لا يستطيع العلم تجاوزها وذلك لتأسيس الإيمان بالمسلمات وتأسيس شروط الأخلاق..
الميتافزيقا وظيفتها تحديد بنية الفنون العلمية وتأسيسها. والدين وخاصة من منظور القرآن يؤدي نفس الوظيفة تماما لكن بكيف مغاير هو ما أطلقت عليه اسم ما بعد الأخلاق. فموضوعه الرئيس هو العلاقة بين التاريخي بوصفه عمل الإنسان الخلقي السياسي والديني بوصفه تأسيسا للقيم التي ينبغي أن تحكم هذا العمل الإنساني..
ما المشروع القرآني أو البعد المؤسس لإصلاحات حياة الإنسانية السياسية والخلقية كلها (إذ إن اسم المسلمين يطلق على كل من يستجيب للرسالات النبوية الواحدة) (7) في علاقة التعاكس بين العالم وما بعده؟ إن هذا المشروع يحدد ما يعده القرآن مصدر الديني الكوني الذي هو المقياس الذي يمكن من التطور الروحي والخلقي في تاريخ البشرية السياسي والاجتماعي.
إن الوضعيات النموذجية للعلاقة بين الديني والتاريخي مع كونها تمثل اللحظات الأساسية في التاريخ الكوني تتخذ شكل مقاومة ما هو اجتماعي ثقافي لما هو مضمون الرسالات النبوية كما يتبين ذلك في الوضعية التاريخية التي تتميز بيها حقبة من حقب التاريخ وهي تعرف بمن يصادم الرسالة النبوية ذات الصلة بالحقبة المعنية.
استنادا إلى مطلوبي الذي حددته في الفصل الأول سأقتصر على العائق الإبستمولوجي أي أنني لن أتكلم على الموقف الإيديولوجي الذي يدفع أصحاب هذا النوع من النقد إلى اعتبار القرآن مصنفا تلفيقيا شكله الظرف الاجتماعي والتاريخي لينتحل ما انتحله من النصوص السابقة عليه فغلب عليه التناص مثل أي نص مرتهن بظرفياته.
الإسلاميون، وفي مقدمتهم حزب العدالة والتنمية، استثمر هذين الموقفين وخرج بتصريحات نارية تنتقد قيادة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بجر المغرب إلى الفوضى، مهددا بتنظيم مسيرة مليوينة إن تم الاستجابة هذا المقترحات، وخرجت بذلك مدونة تعاند أحكام الشريعة الإسلامية.
النزعة الأيديولوجية رغم الدور الذي تؤديه في هذه الخصومات ليست ما يعنيني كثيرا في هذه المحاولة. فلعلها ليست إلا من آثار خصومات القرون الوسطى بين أصحاب الأديان الكتابية المتنافسة بل ما أهتم به هو بالأساس انبعاث الخصومات التي تستند إلى رؤية ما بعد هيجلية وماركسية ضد الدين عامة وعندنا خاصة ضد الإسلام ونص القرآن..
يبدو أن العلاج الفلسفي لمسائل الدين مما لا يطيقه في الغالب أغلب البشر سواء كانوا مؤمنين أو خاصة ملحدين. وفعلا فهو علاج قد يقع فيه خلط بين الفنون عسير القبول. وذلك ما قد يجعل الورقة التي أنوي تلخيصها عرضة للاتهام لأنها مناقضة لما يسمى بالمناهج الحديثة في الأدبيات العربية حول ما يسمى الإسلامولوجيا (الإسلاميات)..
الآن، وبعد انهيار التجربة الديمقراطية في تونس، وضياع مكاسب ثورة الحرية والكرامة، صُنعت مُناخات الخوف، وعاد الترهيب أداةً للحكم، وفُتحت أبواب السجون للمغضوب عليهم، وعادت تونس إلى وراءِ الوراء. لقد أضحت حركة النهضة في مرمى التهديد الوجودي مجدّدا..