كتاب عربي 21

جدلية السياسي والثوري

شريف أيمن
1300x600
1300x600
ثارت نقاشات مصرية كثيرة حول مسألة تغيير الوضع العام بالبلاد، وستظل هذه المناقشات مستمرة مع الاقتراب من موعد الانتخابات الرئاسية في 2018؛ لما تمثله من أمل في إحداث تغيير هادئ في الأوضاع المتردية في كل المجالات.

النقاشات الدائرة تتلاقى تحت وجهتيْ نظر رئيسيتين: الدفع نحو المشاركة في الانتخابات، أو تغيير الوضع بحركة شعبية ثالثة، وهناك وجهة نظر أخرى ترى الأفضلية في الكمون إلى حين وجود فرصة تسمح إما بخروج جماهيري أو سماح من النظام بالانتقال السياسي الهادئ عبر الانتخابات.

في مقال سابق تمت مناقشة فكرة المقاطعة والمشاركة وما هي الضمانات اللازمة للعملية الانتخابية، لكن المناقشة هنا متعلقة بجدلية "السياسي والثوري في التغيير"، فالتجربة المصرية بها شخصيات وطنية انخرطت في الأحزاب الحاكمة بدافع التغيير من الداخل، رغم اعتراضهم على الممارسات التي كانت تقوم بها تلك النظم ممثلة في حزبها الحاكم، كما جرت مشاركات سابقة من المعارضة في الانتخابات على كافة المستويات الانتخابية بدءا من الاتحادات والنقابات وانتهاء بالرئاسة، ومن جهة أخرى دخل مؤخرا على التجربة المصرية مفهوم التغيير بالشارع منذ 2011، والتجربة الفعلية لا مجرد التنظير أحدثت ثنائية السياسي والثوري في عملية التغيير.

المصرّون على فكرة الثوري مقابل السياسي يرون أن مجرد قبول المشاركة يمثّل إعطاء شرعية للنظام الحالي، وهو رأي له وجاهته من حيث المبدأ، لكنه لم يعد الأنسب في تلك المرحلة التي تجاوزنا فيها "نزع شرعية" حازها النظام من الناحية الدولية، وحازها داخليا كذلك لدى المؤسسات الفاعلة وقطاعات مجتمعية واسعة تتعامل معه باعتباره نظاما حائزا للحكم دون نزاع في حيازته وإن كانت ترفض استمراره لدورة جديدة.

في مقابل تلك الرؤية يرى آخرون أن الاشتباك السياسي لم يعد ترفا، إذ نجح النظام في إخماد الحراك بالشارع ورفع تكلفته لأقصى درجة، فلا بد من تحريك الوضع بوسيلة أخرى، ويتم تبرير ذلك بما فعله الإخوان منذ منتصف الثمانينيات بالمشاركة البرلمانية، مما زاد من خبرتهم التي أهلتهم لاكتساح نتائج الانتخابات عقب الثورة، وأيضا تجربة أيمن نور في انتخابات 2005، فالاشتباك السياسي مع النظم المستبدة يفتح المجالات بتكلفة ربما تكون أقل، ويبني أيضا كوادر سياسية لا كوادر شارع "دون التقليل من أهمية أحدهما".

ما سبق يمكن سرده في إطار المناقشات وطرح الآراء المختلفة، لكن على المستوى العملي يترجح الظن بأنه لن يتأخر أغلب المعارضين -بتنوع أفكارهم- عن المشاركة لو بدا أن هناك أملا ولو كان ضعيفا في إحداث تغيير، بل يمكن القول بأن من يحجم عن المشاركة السياسية الآن لن يتردد في دعم مرشح "عسكري" إذا كان انتخابه سيسمح بتخفيف الاحتقان السياسي والاجتماعي، ووقف التدهور الاقتصادي الذي بلغ درجات غير مسبوقة من الانحدار وأصبح قنبلة موقوتة غير معلوم لحظة انفجارها.

هناك فارق بين اختيار مسار واحد وبين تنويع المسارات لتتكامل مع بعضها، أما اعتبار أحد المسارات هو المناسب "على طول المدى" فهذا مؤشر قصور في التعامل مع الحالة، فالتظاهرات وحدها كانت مناسبة في وقت مبكر، لكن قادة الحراك أضاعوا فاعليتها بمرور الوقت وسوء التخطيط، ومن اعتزلوا التظاهر أخطأوا في تلك المرحلة المبكرة، رغم أهميتها وقتها في إبقاء حالة احتجاج ضد السلطة المغتصِبة وربما لو تشارك الجميع حينها لما وصلت الأمور لحالتها الحالية، وأصبح تنويع مسارات الحراك الآن مطلوبا أكثر من ذي قبل فلا السياسية ستجدي دون ظهير في الشارع، كما سيصعب تحريك الشارع بعد نجاح النظام في شلِّ حركته، فتكامل مسار الشارع مع الاشتباك السياسي سيسهم في تعزيز مكتسبات المعارضين للسلطة.

إن الآفة التي تعانيها الحالة المصرية تتجسد في رموزها السياسية، بما فيها الشباب الذي دخل على خط الاستقطاب السياسي والتعنت مع المخالفين، وأصبح كل طرف من أطراف المعارضة يتحرك بمعزل عن الباقين ودون الاكتراث بأهمية بناء تكتل أمام النظام الذي أطاح بكل الأطراف السياسية والاجتماعية، ولو اتفقت تلك المعارضة على آلية واحدة لبدء تحرك ضده فستُقطع مسافات كبيرة في أوقات أقل، وستنخفض التكلفة بالضرورة لاتساع النوعية الاجتماعية والسياسية للمشاركين، فالتنوع السياسي سيجتذب قطاعات مجتمعية لا بأس بها، ولا فرق بين الموقف الجماعي الإيجابي كالمشاركة السياسية أو الموقف الجماعي السلبي كالمقاطعة، بل مجرد الاتفاق على موقف موحد سيحدث فرقا وأثرا لا يقارنان بالحركات الفردية المنعزلة عن محيطها.

0
التعليقات (0)