مقالات مختارة

سر ثقة وجبروت الحكومة

عماد الدين حسين
1300x600
1300x600
ما هو مغزى إعلان الحكومة لقرارات رفع أسعار الوقود وبنسبة عالية قبل ساعات من حلول الذكرى الرابعة لثورة 30 يونيو 2013؟!

هذا سؤال مهم للغاية، لأن المنطق السهل والبسيط هو تأجيل القرار، حتى ولو ليوم واحد بعد انتهاء الذكرى؟!

من المنطقي أن يكون هناك العديد من المستشارين والمسؤولين قد اقترحوا على رئيس الجمهورية أن يؤجل إعلان قرار الزيادة حتى تمر ذكرى 30 يونيو، التي دعت صفحات وقوى إخوانية إلى التظاهر يومها، ثم حاولت استغلال قرار رفع أسعار الوقود لتأييد التظاهر، لكننا لم نر شيئا على أرض الواقع.

من المنطقي أيض، بل من المعروف أن أصواتا كثيرة قد اقترحت تأجيل هذه الزيادات ليس فقط إلى ما بعد 30 يونيو، ولكن إلى ما بعد عيد الأضحى الذي يفترض أن يحل في أوائل شهر سبتمبر المقبل.

قبل ذلك اقترح أحد أعضاء مجلس النواب على الرئيس السيسي إلغاء زيادة الأسعار من الأساس بسبب المشكلة الاقتصادية الناتجة عن تعويم الجنيه، ويومها قال له الرئيس عبارته المشهورة «من أنت»؟!

السؤال مرة أخرى: إذا كانت تلك هي المطالبات، فما الذي يدعو الحكومة إلى اتخاذ القرار قبل لحظات من ذكرى 30 يونيو، التي كان محتملا أن تشهد تظاهرات واحتجاجات؟!

الإجابة المبدئية أنه لا يمكن تصور اتخاذ هذا القرار في نفس التوقيت، إلا إذا كانت الحكومة، بل وكل أجهزتها أو معظمها وبمشاركة كل صناع القرار، واثقين تريليون في المائة من أنه لا توجد أ ميخاطر أو مخاوف آنية من أي نوع، إذا تم اتخاذ هذا القرار المهم.

يضاعف من أهمية التوقيت أن قرار الزيادة لم يكن هينا أو هامشيا، بل كانت الزيادة كبيرة وربما غير متوقعة. كانت التوقعات تتحدث عن زيادات تتراوح بين 15% و25% لكنها وصلت إلى 62% في بعض المواد البترولية، وبمتوسط زيادة بلغ 55% لكل الأصناف مجتمعة.

يمكن طرح السؤال بصيغة أخرى هي: ألم يكن من الخطورة اتخاذ القرار بعد أيام فقط من التصديق على اتفاق تسليم جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية؟!

أي حسابات بسيطة كانت تحتم تأجيل اتخاذ مثل هذا القرار في هذه الأجواء والظروف والتوقيت، وبالتالي، حينما يتم اتخاذ القرار، فالمؤكد أن صانع القرار كان أمامه كل ذلك، وعلى الرغم من ذلك اتخذ القرار، وبالتالي يحق لنا الاستنتاج أن الحكومة وأجهزتها صارت واثقة تماما من عدم وجود أي تهديدات أمنية أو اجتماعية في الوقت الراهن.

في هذه الحالة، يحق لنا أن نسأل: إذا كانت هناك أزمة اقتصادية صعبة جدا وارتفاع في معظم أسعار السلع الرئيسية، خصوصا بعد تعويم الجنيه ورفع أسعار الوقود وضريبة القيمة المضافة في نوفمبر الماضي، فما الذي يجعل الحكومة شديدة الثقة لهذه الدرجة، بحيث تقوم برفع أسعار الوقود للمرة الثانية في أقل من سبعة شهور وبنسبة كبيرة؟!

لو كنت مكان الحكومة لقلت إن السبب هو تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، وإن الأوضاع لا تحتمل أن نستمر بالطريقة القديمة، وإلا تعرضت البلد للإفلاس وتفاقمت الأزمة أكثر فأكثر، وإنه لا يوجد بديل لما تم اتخاذه.

كل ما سبق هو التفسير الاقتصادي، لكن نحن هنا نبحث عن التفسير الأمني والسياسي والاجتماعي.

والإجابة مرة أخرى هي أن الحكومة صارت واثقة بأكثر مما ينبغي، بأنه على الرغم من هذه الخطوة الصعبة، فإن المواطنين لن يتحركوا؛ لأنهم في فترة أعياد أعقبت شهر رمضان، ثم إنهم منهكون ومتعبون و«طالع عينيهم»، وبالتالي فلا خوف من أي حراك احتجاجي.

حتى لو كان هذا المنطق سليما، وحتى لو فكرت الحكومة بهذا الشكل، فظني أن عليها أن تكون أكثر حذرا، لأن أنين الناس صار مسموعا، «لدرجة أن بعض الناس صارت تكلم نفسها في الشوارع»!!.

الشروق المصرية
0
التعليقات (0)