كتاب عربي 21

هل نجحت قطر في تجاوز أزمة الرباعي؟

مصطفى النجار
1300x600
1300x600
بتوقيع قطر اتفاقية ومذكرة تفاهم بشأن مكافحة تمويل الإرهاب مع الولايات المتحدة الأمريكية الثلاثاء الماضي أثناء زيارة وزير الخارجية الأمريكي للدوحة، يسدل الستار تقريبا على الأحداث الساخنة التي خلقها التصعيد الرباعي من السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد النظام القطري مؤخرا.

وتلقت الدول الأربع أنباء هذه الاتفاقية بكثير من الصدمة عبر عنها البيان المشترك الذي نُشر بالإعلام وفيه قالت السعودية والإمارات والبحرين ومصر إنها تقدر جهود الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب لكنها ستراقب عن كثب سلوك قطر، وأن عقوباتها ستظل قائمة إلى أن تلبي مطالبها وإنها ستواصل مراقبة جهود قطر في مكافحة تمويل الإرهاب.  

بتوقيع هذه الاتفاقية سقطت أيضا شروط الرباعي التي وضعتها الدول الأربع لإنهاء الأزمة مع قطر والتي شملت بنودا مثيرة كغلق قناة الجزيرة وإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر وتسليم مطلوبين على أرضها وقطع علاقاتها مع تنظيمات إسلامية كجماعة الاخوان وغيرها.

يُرجع البعض السبب في تغير الموقف الأمريكي إلى أن قطر قامت بإرضاء الجانب الأمريكي باتفاقات اقتصادية ومشتريات سلاح تشبه الإتاوة التي تأخرت في دفعها لنيل رضا إدارة ترامب الذي يمارس السياسة بروح التاجر وقوانين البيزنس، بينما يرى آخرون أن هناك أسبابا أخرى وعوامل متداخلة ساعدت النظام القطري على الاستمرار وتحدي الدول الأربع وتصويرها بمشهد العاجز الذي هدد بما لا يستطيع فعله!

لكن أيا كان السبب المباشر لهذه الخطوة الجذرية في هذه الأزمة فنحن أمام دبلوماسية قطرية شديدة الدهاء والذكاء والانتهازية السياسية استطاعت أن تتحرك على مدار شهر لتقلب موازين المعادلة رأسا على عقب وتنتقل لمربع الفعل وليس رد الفعل.

اعتمدت الدول الأربع على البروباجندا للانتصار في معركتها بينما لعبت قطر سياسة ومارست دبلوماسية مركزة أخرجتها من شرنقة الحصار الذي وُضعت فيه، لو كانت دول الرباعي أثبتت بالدلائل والبراهين القطعية تمويل قطر وتورطها في العمليات الإرهابية ودعم تنظيماتها لكان الملف القطري الآن بين يدي المحكمة الجنائية الدولية ولكان رؤوس سلطتها في موقع مجرمي الحرب.

لكن ما حدث هو العكس فقد تحركت قطر إلى روسيا على الفور لتصنع التوازن في بداية الأزمة بعد أن ظهر في البداية أن ثمة ضوءا أخضر أمريكيا لدول الرباعي للتصعيد ثم استغلت علاقتها المتوطدة مع الأتراك في إظهار الدعم العسكري التركي الذي كان أحد أهم أوراق الضغط وصناعة فرملة لخطوات التصعيد الذي تخيل البعض أنه سيتحول لتدخل عسكري مباشر يتم فيه تغيير النظام القطري.

ولم تدخر جهدا في مغازلة الإيرانيين نكاية في الجانب السعودي الإماراتي ثم تدشين حملة علاقات عامة موسعة في أوروبا خاصة في بريطانيا التي تحولت سيارات التاكسي فيها لإعلانات تدعو العالم لفك الحصار عن الناس في قطر! تزامنا مع جلسة وزير الخارجية القطري في معهد تشاتام هاوس (المعهد الملكي للشؤون الدولية) وشرح موقف بلاده بدبلوماسية أكسبته الكثير من التعاطف في ساحة مكان يخرج منه توصيات لحكومات الدول الكبرى في أهم الملفات والقضايا العالمية.

بينما كان ممثل الخارجية القطرية في تشاتام هاوس يفند كل اتهام دول الرباعي لبلده كانت صحيفة مصرية موالية للسلطة تدير المعركة بهذا الأسلوب في تقرير نشرته جاء فيه (تجمع قطر بين جميع الموبقات والجرائم والشرور المنتشرة في العالم على أراضيها، فبجانب دعمها وتمويلها للإرهاب ماديًا ومعنويًا وإعلاميًا، وبجانب تجارتها أيضًا في المخدرات والسموم تعمل دولة الخيانة في تجارة البشر و"الدعارة"، ضمن أجندتها الصهيونية التي تطبقها لتدمير الشعوب العربية) ونشرت تحقيقا آخر بعنوان (صراع الحريم على عرش تميم)!

هل أدركت الفارق في قيادة معركة بهذا الحجم؟ هل أدركت كيف تكون النتائج حين يكون لك جنود على درجة عالية من الوعى والدهاء مقابل أتباع بضاعتهم الردح والاسفاف والتفاهة التي تفش الغل فقط لأسيادهم دون أن تصنع نتائج إيجابية ملموسة في تطور المعركة ونجاح معسكرهم؟

نجحت قطر لا شك في ذلك في امتصاص الصدمة وتخفيف أثارها بل والترويج لنفسها في مربع المظلومية ليس على مستوى المنطقة العربية فقط بل على المستوى العالمي الذي صار يسمع كثيرا اسم هذه الدولة الصغيرة التي ستنظم كأس العالم لكرة القدم بعد عدة سنوات ولن تفلح شكايات جيرانها العرب في إلغاء استضافتها لهذه البطولة كأول دولة عربية في التاريخ تنظم هذه البطولة الكبرى.

من المحزن أن مساحة قطر وعدد سكانها أصغر من مساحة حي كبير في القاهرة، لكن دورها الإقليمي والدولي صار يسبق دولا عربية كبرى ما زالت تتمسك بأساليب الماضي وتعتقد أنها يمكنها تغيير المعادلات الإقليمية والدولية ببعض الردح الإعلامي والاتهامات المرسلة دون بذل الجهد في إثباتها.

كمواطن مصري أنا ضد أي شخص وأي تنظيم وأي دولة تضر بمصالح ببلدي وتشارك في قتل أبنائه، لكن يكون حكمي قائما على منطق وحقائق ووقائع ثابتة يطمئن لها القلب وتقتنع بها العقول، السياسة لا تجامل أحدا، ومن جد .. وجد!
0
التعليقات (0)

خبر عاجل