كتاب عربي 21

"العميل السري" في جزيرة الوراق!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
قديما قالت العرب: "الشيطان يكمن في التفاصيل"!

ومنذ "غزوة الوراق"، وسلطة الانقلاب تحاول الابتعاد عن التفاصيل، ليس فقط لأن الشيطان كامن فيها، ولكن لأن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس!

ولأن ما حدث وضع "أهل الحكم" في دائرة التجريم الوطني، بعد أن تبين أن التفريط في "الوراق" هو امتداد للتفريط في جزيرتي "تيران وصنافير"، فقد وقعوا في "حيص بيص"، وأصبحوا كالذي يتخبطه الشيطان من المس، فيقدمون تبريرات مضحكة لتبرير هذه "الغزوة"، التي راح ضحيتها أحد المواطنين وأصيب فيها عدد لا يستهان به، من الجانبين، سواء جانب القوات الغازية، أو جانب المواطنين الذين تصدوا لها!

لم يعد الحديث عن دولة القانون، ينطلي على أحد، فالجنين في بطن أمه لا يصدق أن السلطة في غزوتها إنما كانت تنتصر للقانون، وأي صريخ ابن يومين في طول القطر المصري وعرضه، أصبح على يقين بأن الهدف هو نزع الجزيرة من سكانها، وتسليمها لمحمد بن زايد، لبناء أبراج عليها، كأبراج دبي، وعلى النيل المصري، كثمن لما أنفقه على السيسي وانقلابه.

فلم يكن الانقلاب العسكري عنده سوى استثمار، وما "الوراق" إلا بداية لاستثمار كبير، يسترد من خلاله ما دفعه لتحقيق الانقلاب، وزيادة!

قيل أن هدف القوات هو إزالة التعديات على أراضي الدولة، وأظهر الأهالي عقود ملكيتهم لهذه الأرض، وحكما قضائيا بات بأحقيتهم في البقاء فيها!

فقال "أهل الحكم" إن لهم (60) فدانا في الجزيرة، هي ما وقع التعدي عليها، فأضحكوا الثكالى، لأن مساحة جزيرة الوراق (1800) فدانا، وتعدّ الستون فدانا مجرد نقطة على خريطتها.

وقال أحد الأهالي إن أراضي الأوقاف هي (30) فدانا فقط، وقع التعدي على (5) أفدنة منها، فهل نصدق أن المستهدف من "الغزوة الأمنية" التي شاركت فيها الشرطة جنبا إلى جنب مع الجيش، هي التعديات التي وقعت على الخمسة أفدنة فقط، وهل يستدعي هذا تحالف قوات الشرطة مع قوات الجيش؟..

وهل يعقل أن يكون خروج أهالي الوراق جميعهم لصد العدوان هو من أجل هذا التعدي فقط؟!

لأن الأمر صار مفضوحا، فقد قيل إن الهدف من "الغزوة" وإن استهدف إجلاء كل الأهالي فلأن الوراق محمية طبيعية، وقد تحدث عنها عبد الفتاح السيسي، وطالب الأجهزة المعنية بالقيام بمهمتها تنفيذاً للقانون.. وهكذا صار القانون هو قميص عثمان، وهو الحق الذي يراد به باطل!

فقد تبين أنه بمقتضى قرار صادر من رئيس الوزراء في 15 حزيران/ يونيو الماضي، أن "الوراق" بجانب جزر أخرى لم تعد محمية طبيعية، إذ جرى استثناؤها من ذلك، وبدا واضحا أن هذا الاستثناء، هو استعداد، لتسليمها لأصحاب "القسمة والنصيب"، وسيأخذ بن زايد نصيبه منها، ثم يترك ما تبقى للسيسي لكي يقوم ببيعه لصالحه!

وهذه الجزر بنص القرار هي "وردان الكبرى، ووردان الصغرى، وأبو غالب، وأبو عوض، والدهب، والقرصاى، والوراق، وكفر بركات، والزقة، وحلوان البلد، والشوبك البحرية، والعياط، والديسمي، والكريمات، وكفر الرفاعي، وأم دينار، والفيراطين"!

حتى نعلم على من سيحل الدور، إذا نجحت "غزوة الوراق" في مهمتها!

لقد سقط إذن مبرر تنفيذ القانون بإخلاء جزيرة الوراق من السكان، على أساس أنها محمية طبيعية، وتبدى بقرار الاستثناء أن الهدف هو التفريط فيها لصالح الإمارات، وهو الأمر الذي أدركه السكان مبكرا!

وإذا كان ما سبق من مبررات أوكل أمره للأذرع الإعلامية، فقد وجدت السلطة نفسها في حرج بالغ وهي تتحسس بطحتها، لاسيما بعد أن تبين أن شركة هندسية تعمل في الإمارات، قد أعدت تصميم مشروع تطوير جزيرة الوراق.

وشاهد الجميع "ماكيت المدينة" الجديدة، على كامل الأرض، وبما يؤكد أننا سنكون أمام "دبي جديدة"، لا يليق بالفقراء أن يتواجدوا فيها، فكان لابد من إجلائهم بالكامل، قوة واقتدراً، وبدون توفير منازل بديلة لهم.

والحال كذلك، والفضيحة صارت على كل لسان، انبعث أشقاها، وكان هذا الشقي هو وزير الري، الذي قال إن الهدف مما جرى هو حماية أهالي الوراق من الغرق إذا حدث فيضان النيل، دون أي مقدمات سابقة عن فيضان محتمل، ولماذا لم تغرق الجزيرة خلال السنوات الماضية، مع أي ارتفاع لمنسوب النيل، لتصبح مهددة الآن، وبعد أيام من إعلان وزير الري نفسه أن مصر ستتعرض لخطر الجفاف؟

وفي اليوم ذاته الذي أذيع فيه تصريح وزير الري، كانت الشركة الهندسية إياها تعلن أن تصميم مشروع تطوير جزيرة الوراق هو لصالح أحد العملاء، وقد رفضت ذكر اسمه، ليطرح هذا ظلالا من الشكوك، ليس فقط لتحفظها على اسم هذا العميل.

ولكن لأن هذا يمثل جريمة من جرائم أهل الحكم، الذين قرروا أمر جزيرة الوراق، بالتفريط فيها لصالح "عميل"، يرفضون كما ترفض الشركة الهندسية الإفصاح عن اسمه، ليتبين أن الحديث عن إفشال الأهالي لمشروع تنمية الجزيرة، هو أحد الذرائع لمحاولة لفت الأنظار بعيدا.

وإذا كنت قد تساءلت من قبل عن حقيقة مشروع تنمية الوراق، ولماذا لم يتم الإعلان عنه، ولماذا التستر على تفاصيله، فقد تبين أنه لا مشروع تنمية هناك ولا يحزنون، إنما تفريط لصالح "عميل" وجد الجميع أن اسمه عورة ينبغي أن تستر ولو بطرف الثياب!

فمن هذا العميل؟!.. الذي يبدو واضحا أنه حصل على جزيرة الوراق، وهو ما دفعه للذهاب إلى الشركة الهندسية لتضع تصميمها، ويدفع ثمن هذا التصميم؟

فلا يمكن أن يقدم على هذه الخطوة المكلفة ماديا، وهو يشتري سمكا في ماء، فمن المؤكد أن لديه وعدا حقيقيا بتملك الجزيرة، فمن الذي وعده؟ ولماذا يحاط الأمر بالسرية؟ ولماذا حصل على الجزيرة بالأمر المباشر؟ ولم يعرض الأمر لمناقصة أو مزايدة، لاختيار الأعلى سعرا؟!

وهل الأمر مجرد وعد، ممن يملك سلطة التنفيذ، أم أن الصفقة قد تمت، والعقود قد أبرمت، ليتحرك "العميل" بأريحية ويقوم في سنة 2013، بالطلب من الشركة الهندسية هذه وضع تصميم مشروع تطوير جزيرة الوراق؟ أي منذ اليوم الأول للانقلاب العسكري، وهو التاريخ الذي انتهت فيه الشركة من وضع تصميمها!

لم يُذكر اليوم، والشهر، الذي انتهت فيه الشركة الهندسية من وضع تصميمها لصالح "العميل السري"، لكنها أعلنت أنه تم في سنة 2013، وإذا كان الانقلاب العسكري قد وقع في يوليو 2013، فالمعنى أن الوعد الشفوي ممن يملكه، أو الاتفاق المسجل، لابد أن يكون سابقا على تنفيذ التصميم، فهل كان الاتفاق على التفريط بعد الانقلاب أم سابقا عليه ليضمن "العميل"، ماله الذي مول الانقلاب به؟!

فلا يمكن لمثلي أن يشطح به الخيال حد تصوره أن "العميل" هو مستثمر عادي، ومع ذلك يتم التستر على اسمه، ومن المفترض أن الرجل نيته خير فهو يستهدف تطوير الجزيرة ليستفيد ويفيد، كأي مستثمر طبيعي!

ومثلي لا يمكن أن يتصور أن صاحب الوعد، أو الاتفاق، هو وزير التنمية المحلية في مصر، مثلاً، أو وزير البيئة، فكما أن هذا "العميل" ليس أقل من محمد بن زايد، أو من ينوب عنه، فإن ممثل الطرف الأول في هذا الاتفاق لن يكون أقل من عبد الفتاح السيسي، أو من يمثله!

فعلا، إن الشيطان يكمن في التفاصيل!
التعليقات (0)