مقالات مختارة

خصومات وتنافسات عائلية قديمة تقف وراء أزمة قطر

رانديب راميش
1300x600
1300x600
(يقول دبلوماسيون في الشرق الأوسط إن المشاكل لن يسهل حلها وذلك، ولو جزئيا، بسبب ما فيها من بعد شخصي إضافة إلى البعد السياسي).

إنه نزاع يكاد يعصف بالشرق الأوسط، أثار المشيخات العربية الأكثر ثراء والأكثر نفوذا بعضها ضد بعض، وأطلق أسابيع من الحراك الدبلوماسي المكوكي. إلا أن الحصار الذي تتزعمه المملكة العربية السعودية ضد قطر ونجم عنه فرض حظر على مطاراتها وموانئها ومنافذها البرية، يعود إلى خلاف عائلي قديم.

في الشهر الماضي، قامت كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، الدولة الخليجية الثرية، التي تشترك في ملكية أضخم حقل للغاز الطبيعي في العالم مع إيران، الخصم الذي تكن له الرياض كل الكراهية. تتهم هذه الكتلة دولة قطر بدعم الإرهاب، وهي التهمة التي ما فتئت قطر تنفيها.

يسعى الحصار إلى عزل قطر عن بقية العالم: فقد أغلق المعبر البري معها، وحظر على الخطوط القطرية العبور من أجواء هذه الدول، وأغلقت في وجه قطر الخطوط البحرية. ثم أصدر التحالف الذي تتزعمه المملكة العربية السعودية قائمة من ثلاثة عشر مطلبا لرفع الحصار، ومنها طلب إغلاق قناة الجزيرة، صوت الربيع العربي التلفزيوني، والتخلي عن دعم جماعة الإخوان المسلمين. ورغم تدخل الولايات المتحدة، إلا أن المشكلة بقيت بلا حل.

يقول الدبلوماسيون العاملون في المنطقة، إن القضايا الخلافية لن يتسنى حلها جزئيا؛ لأنها ليست سياسية فحسب، بل شخصية أيضا.

يقول مصدر على اطلاع جيد في المنطقة: "توجد بين الحكام علاقات عائلية، وروابط القرابة بين السعوديين والإماراتيين والقطريين وثيقة جدا جدا فيما بينهم. وهذا يعني أن القضايا السياسية الكبيرة هي قضايا عائلية أيضا. وهذه يصبح حلها في غاية الصعوبة، خاصة عندما يضع السعوديون والإماراتيون نصب أعينهم تغيير النظام."

في عالم السياسة المشاكس في الشرق الأوسط، حيث يرتكز حكام الممالك المطلقة في شرعية أنظمتهم على السلالة والدين، ويتم في العادة الحد من الانشقاقات العائلية من خلال إغداق المال والمناصب، إلا أن العالم العربي يمر بأوقات شديدة الاضطراب، الأمر الذي يجعل نزاع "لعبة العروش" أكثر خطورة.

في هذه الظروف، تتورط الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في حرب مكلفة ومفتوحة في اليمن، وكلاهما يتكبد الاقتصاد فيهما خسائر باهظة بسبب تراجع أسعار النفط. وأما قطر، التي تعتمد بشكل أكبر على الغاز، فهي أيضا تشد الحزام، ولكن تعداد سكانها أقل بكثير ومعدل نصيب الفرد من الثراء فيها أعلى بكثير مما هو عليه في جارتيها الأكبر.

حاكم قطر الحالي هو الأمير تميم بن حمد آل ثاني، الذي يبلغ من العمر سبعة وثلاثين عاما، وهو ابن الشيخ حمد الذي تنازل عن الحكم رسميا لصالح تميم في عام 2013.

إلا أن سايمون هندرسون، المحلل السياسي البارز في معهد واشنطن، كتب مؤخرا يقول إن حمد، والمعروف أيضا بلقب "الأمير الوالد"، مازال يمارس دورا محوريا  – وهي وجهة نظر متبناة على نطاق واسع في الشرق الأوسط.

بطرق كثيرة، يعتبر حمد مؤسس الهوية القطرية الجديدة بما تتسم به من حزم. وقد وقع اختياره على مدخل للحرب مع السعوديين للمرة الأولى في أرض المعركة، عندما قاد كتيبة من القطريين ضد صدام حسين في حرب الخليج قبل ما يقرب من ثلاثين عاما.

كان جنود كتيبة حمد من طلائع قوات التحالف الدولي وأول من اشتبك مع القوات العراقية في معركة الخفجي في شباط /فبراير1991. ولكن عندما انضمت القوات السعودية إلى المعركة، انتهى المطاف بجنود البحرية الأمريكيين يتصدون لحماية القوات السعودية؛ لأن حلفاءهم العرب من قطر أمطروهم بوابل من النيران الصديقة من باب الخطأ.

تم إصلاح الأمور بشكل سريع بعد الحرب، إلا أن مشاعر القلق لم تتبدد، وخاصة أن حمد عاد ليصبح القائد العسكري الأعلى وبطل الحرب الذي عاد لتوه لينال التكريم ويحظى بالأوسمة. واستمر يسبب الإزعاج للرياض، ويقول للسعوديين الذين دخل معهم في نزاع حدودي في عام 1992 إنهم سيواجهون "فوهة البندقية".

تحققت المخاوف عندما أقدم الشيخ الشاب على خلع والده، خليفة، الذي كان قد غادر البلاد إلى جنيف، حيث كان حسبما زُعم في حينه يتلقى العلاج الطبي. أرسل حمد الدبابات إلى الديوان الأميري، الذي ما لبث أن استسلم بهدوء ودون مقاومة.

منذ ذلك الوقت، وهو يشكل عامل إزعاج في المنطقة؛ فقد أسس الشيخ حمد قناة الجزيرة، التي ساهمت خلال السنوات الأخيرة إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي في إثارة الرأي العام، على نحو لم يعجب الحكومات العربية، وبشكل خاص السعوديون.

كثيرون يعتقدون بأن الصراع الحالي تعود جذوره إلى خصومات قديمة. وهذا ما يوافق عليه المصدر الذي أخبر الغارديان بما يلي: "قال السعوديون والإماراتيون للأمير الحالي: قل لأبيك يخضع لنا. وتحركوا بعدوانية بالغة ضد الأب. وكيف يمكن للابن أن يفعل ذلك؟".

طالما مارس السعوديون نفوذهم داخل قطر من خلال عائلات بارزة، ومنهم بشكل خاص العطية، الذين يرتبطون بهم عائليا. لم ينشأ حمد في أوساط عائلة آل ثاني، وإنما في كنف خاله، الذي ينتسب إلى آل عطية.

ولكن، بدلا من أن يتزوج من آل عطية ليعزز الروابط بآل سعود، اختار حمد تعزيز سلطة آل ثاني من خلال التزوج بفتاتين من بنات اثنين من أعمامه المتنفذين.

إلا أن زوجته المفضلة ووالدة الأمير الحالي هي الشيخة موزة، وهي الزوجة الوحيدة التي تظهر معه في المحافل العامة التي تنحدر من تقليد عائلي راديكالي، فوالدها، وهو رجل من العامة، كان قد سجنه والد حمد بعد أن طالب علانية بتوزيع عادل للثروة في البلاد.

لم يكن مستشار حمد الأبرز من آل عطية، وذلك خلاف ما جرت عليه العادة، وإنما من آل ثاني، وهو حمد بن جاسم، الذي راهن على أن شراء النفوذ داخل القوى الصاعدة للإسلام السياسي، سوف توفر استقرارا بعيد المدى لهذه الدويلة، في مخالفة صارخة لتوجهات دول الخليج الأخرى.

لسياسة دولة قطر الخارجية نقادها، ومنهم فواز العطية، الدبلوماسي القطري السابق، الذي يقول إنه بالنسبة له "وللآخرين الذين فرض عليهم التراجع إلى الخلف أو وقع تهميشهم، من الواضح أن أهداف السياسة الظرفية والاستراتيجيات المتهورة للدوحة، كان محكوما عليها بالفشل."

تلك هي خلفية الخصومات والتنافسات ما بين آل سعود وآل ثاني، حسبما يقول شخص قطري على اطلاع جيد بالطرفين، اللذين تجمع بينهما روابط النسب والدين. فآل ثاني وآل سعود كلاهما ينحدران من منطقة نجد في العمق من شبه الجزيرة، وهي المنطقة التي نشأ فيها المذهب الوهابي شديد الصرامة. كلا الطرفين يدعيان انتهاج الطريق الصحيح للوهابية.

يسمح للنساء في قطر بقيادة السيارات بينما يحظر ذلك عليهن في المملكة العربية السعودية. ولا يوجد في قطر شرطة دينية تفرض على الشركات والمؤسسات إغلاق أبوابها وقت الصلاة. وذهب حمد إلى حد ادعاء أنه من أقرباء محمد بن عبد الوهاب، الأمر الذي اعتبره السعوديون مسيئا إليهم حيث يدعون التمثيل الحصري لهذا النموذج المتشدد من الإسلام.

يقول ألان فرومهيرز، الأكاديمي ومؤلف كتاب "قطر: الصعود إلى السلطة والنفوذ": "في الواقع تدعي قطر النسبة إلى وهابية البحر، وهي وهابية أكثر انفتاحا وأكثر مرونة من وهابية الصحراء. قد يكون ادعاء الشيخ حمد الانتساب إلى سلالة محمد بن عبد الوهاب طريقة للحصول على مشروعية لهذه الرؤية البديلة من الوهابية، ووسيلة لنزع سلاح أولئك الذين يزعمون أن القطريين ليسوا وهابيين أصلاء. ما يسعى إليه الشيخ حمد من حيث المبدأ، هو وضع قدميه على الطريق السريع والانطلاق بسرعة يتجاوز من خلالها السعوديين."

والعامل الآخر هو دعم حمد للديمقراطية بشكل علني؛ فقد قال في مقابلة مع التلفزيون الأمريكي في عام 2003 إن "أي شعب يرغب في تنمية بلده فعليه أن يمارس الديمقراطية. هذا ما أؤمن به." ورغم أنه لم يف بوعد كان قد قطعه على نفسه بأن ينشئ برلمانا قطريا منتخبا بحلول عام 2013، إلا أن دعمه لصناديق الاقتراع أزعج العائلات الحاكمة في الجوار.

أحد الذين أغضبهم مثل هذا الكلام هو ولي عهد الإمارات العربية المتحدة وحاكمها بحكم الأمر الواقع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي طالما راودته شكوك تجاه قطر. تظهر البرقيات التي حصلت عليها ويكيليكس أنه كان يشتاط غضبا في عام 2009 حينما قال إن قطر ما هي سوى "جزء من الإخوان المسلمين."

والحقيقة أن الإمارات العربية المتحدة ما فتئت باستمرار تتدخل في شؤون العائلة الحاكمة، داعمة أطرافا متباينة من فروع قبيلة آل ثاني. ولقد بدأ ذلك بمجرد إعلان بريطانيا أنها ستغادر الخليج في عام 1968 والبدء في وضع خطط لضم قطر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.

إلا أن الخطة ما لبثت أن وئدت في مهدها في عام 1972 على إثر الإطاحة بأمير قطر الشيخ أحمد، الذي كان قد اقترح إقامة فيدرالية عظمى بين الإمارات العربية في الخليج، وكان يحكم بكل استرخاء من مقر إقامته في إحدى فلل سويسرا. وكان حينما أطاح به ابن عمه الشيخ خليفة يمضي رحلة صيد في إيران. انتهى المطاف بالشيخ أحمد في دبي حيث تزوج بابنة أمير المدينة ذي الثراء الواسع.

منذ ذلك الحين والإمارات العربية المتحدة تتبنى موقفا منحازا إزاء الخلافات العائلية، وكان أبرزها خلال الأعوام التي سمح لوالد حمد فيها بأن يقيم على أراضي الإمارات، والتي خطط فيها لانقلاب معاكس، إلا أنه مني بالفشل.

تلك هي خلفية ما جرى في الأول من حزيران/ يونيو حين نشرت صحيفة موالية للسعوديين خبرا مثيرا، ادعت فيه أن ذرية الشيخ أحمد "اعتذروا" عما يقوم به حكام قطر الحاليين، الذين ادعت الصحيفة أنهم أعلنوا تبرؤهم منهم.

إلا أن قطريا على تواصل مع الديوان الأميري صرح لصحيفة الغارديان بأنها كانت "أخبارا ملفقة من صنع المخابرات الإماراتية." ولقد نفت الإمارات العربية المتحدة أنها هي التي قامت بقرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية لنشر تصريحات ملفقة مثيرة للشقاق، أو أنها تسعى للإطاحة بالنظام الحالي في الدوحة.

يقول المصدر القطري إن عددا قليلا من الشيوخ أو من أفراد العائلة يرغبون في أن يوجدوا في الجانب الخطأ من لعبة السلطة في الدوحة، مشيرا إلى أن المنشقين من آل ثاني الذين أيدوا المحاولات الانقلابية واجهوا عواقب وخيمة في الماضي. وكان قد حُكم في عام 2001 على بعض أفراد عائلة آل ثاني بالإعدام لتآمرهم على حمد، وتورطهم في محاولة الانقلاب عليه.

وأضاف المصدر: "يُبقي أفراد عائلة الشيخ أحمد رؤوسهم منخفضة، ولا ينطق أحد منهم ببنت شفة."

(عن صحيفة الغارديان، مترجم خصيصا لـ"عربي21").
التعليقات (0)