مقالات مختارة

المعارضة السورية تدفع الثمن

الياس حرفوش
1300x600
1300x600
لم تكن المعارضة السورية في حاجة إلى القرار الأمريكي الأخير بوقف تمويلها وتسليحها لتدرك المصير السيئ الذي ينتظرها. فالحقيقة أن الأجواء التي تعيش المعارضة تحت وطأتها تعود إلى مناخ دولي أخذ يتصف بالتخلي عن المبادئ والأسس الأخلاقية والإنسانية التي كان البعض واهما أن العلاقات الدولية ترتكز على شيء منها، مناخ يطلق عليه أصحابه صفة «الواقعية» وتدفع المعارضة ثمنه.

وفي ظل هذا المناخ يتجه العالم إلى التراجع عما كان مطلبا أساسيا لحل الأزمة السورية، تمثل ذات يوم بالمطالبة بتخلي بشار الأسد عن الحكم. ألم يكرر المسؤولون الغربيون، وفي أكثر من مناسبة، أن رئيسا ارتكب بحق شعبه ما ارتكبه الأسد لا يجوز أن يكافأ بقبول بقائه في السلطة لمجرد أنه تمكن من القضاء على قسم كبير من هذا الشعب؟

إبعاد الأسد الذي كان الرئيس دونالد ترامب أحد الذين طالبوا به، يبدو الآن أنه تم التراجع عنه بفضل تلك «الواقعية».

فالتقارب بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، والموقف الجديد الذي اتخذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعدم اعتبار تنحي الأسد شرطا مسبقا لأي تسوية، والذي يشكل انقلابا على مواقف سلفيه نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، ثم التباعد الأمريكي - التركي، نتيجة دعم واشنطن القوات ذات الأكثرية الكردية في الشمال السوري، (قوات سورية الديموقراطية)، كلها عوامل لا بد أن تقرأ فيها المعارضة السورية تخليا عنها، وبحثا عن مخارج وحلول أخرى لأزمة بلغت من العمر سبع سنوات، أي ما يعادل عمر الحربين العالميتين.

هكذا، تدفع المعارضة السورية مرة جديدة ثمن الالتفاف الدولي حول رقبتها. وإذا كانت هذه المعارضة قد راهنت على أن الضمير العالمي لا بد أن يفيق أمام مشاهد القتل والدمار والخراب التي لحقت بالسوريين وببلدهم، وأن يحاسب المسؤولين عن ارتكاب هذه الفظاعات، فها هي تكتشف الآن أنها متروكة، أو ما بقي منها، لتقتلع شوكها بيديها.

قرار وقف تمويل المعارضة المعتدلة لم يكن مفاجئا إذا. ففي ظل التفاهمات الأمريكية - الروسية التي أنجبت الهدنة الجنوبية في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، والتي تعد بإنجاب تفاهمات في مناطق أخرى، يمكن أن تشمل حمص وريف دمشق، كان طبيعيا أن يتقارب موقفا الدولتين المسمّاتين عظميين. هكذا، رحبت موسكو بالقرار الأمريكي وقف تسليح المعارضة، فيما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين في إدارة ترامب أن هذا القرار يعكس الاهتمام الأمريكي بإيجاد سبل للعمل المشترك مع روسيا.

لقرار وقف تسليح المعارضة السورية أسباب سياسية أمريكية، لا يصح تحميل إدارة ترامب وحدها المسؤولية عنها. فالتخلي عن المعارضة والإساءة إلى مطالبها المشروعة يعودان في الواقع إلى عهد باراك أوباما الذي كان بليغا ومفرطا في الخطب، وعاجزا ومشلولا عندما يأتي وقت الفعل. أوباما هو الذي قال أنه لا توجد معارضة معتدلة داخل سورية قادرة على هزيمة بشار الأسد والمجموعات الجهادية. ووصف المعارضين بأنهم مجموعة من المزارعين وأطباء الأسنان والمدرسين الذين لم يسبق لهم أن حاربوا. وإدارة أوباما هي التي مارست ضغوطا على حلفائها لتحول دون دعمهم وتمويلهم المعارضةَ.

للقرار الأمريكي أيضا أسبابه الموضوعية على الأرض. فتشتّت المعارضة إلى معارضات، ووصول أسلحة أمريكية إلى أيدي تنظيمات إرهابية مثل «داعش» و «النصرة»، نتيجة الحروب المتنقلة بين الفصائل، انتهيا إلى قناعة أمريكية بأن أموال دافع الضرائب الأمريكي تذهب سدى، بعد أن أنفقت الولايات المتحدة ما يقارب نصف بليون دولار على برنامج دعم المعارضة الذي كانت تشرف عليه وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي). وكانت النتيجة الواضحة على الأرض، تقاسم الجغرافيا السورية بين الإرهابيين من جانب ونظام بشار الأسد من جانب آخر، فضلا عن التناحر التركي - الكردي الذي يضيف لونا آخر إلى هذه الخريطة المهشمة.

الحياة اللندنية

0
التعليقات (0)