قضايا وآراء

فلسطين كبوصلة ثورية

هاني بشر
1300x600
1300x600
في كتاب "الربيع العربي ونهاية ما بعد الاستعمار" يرى البروفيسور حميد دباشي الأستاذ بجامعة كولومبيا الأميركية أن الانتفاضة الفلسطينية التي انطلقت عام 1987 هي البداية الحقيقية للربيع العربي لكونها المحاولة الأحدث لتمرد الإنسان العربي على الظلم المحلي والمدعوم من الطغيان الدولي. فهي تمت في إطار متجاوز للأيدلوجيات السائدة في تلك الحقبة واستخدمت الحجارة كقطعة من الأرض كأداة مقاومة في مواجهة أسلحة ثقيلة متطورة. وهي نظرة تحليلية صحيحة إلى حد بعيد، خاصة إذا أضفنا إليها أن فلسطين وقضيتها كانت في قلب كل الثورات التي قامت قبل 1987 وبعدها في العالم العربي. فهي جزء من المشروع الناصري العروبي في مصر ومشروع الثورة الجزائرية وأخيرا مشروع الثورات الشعبية في 2011.

إن الثورة الفلسطينية بتاريخها وحيويتها تعتبر أم الثورات العربية، فتاريخ نضال الشعب الفلسطيني يمكن أن يؤرخ له بالثورات. هو في الحقيقة سلسلة من الثورات النبيلة اندلعت منذ عشرينيات القرن الماضي مرورا بثورة البراق 1929 والثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 وحتى الانتفاضات الأولى والثانية. ومع كل ثورة كان المجتمع الدولي والأنظمة العربية في الدول المحيطة تنحني لهذه العاصفة الثورة عبر تحقيق جزئي لبعض المطالب الفلسطينية منذ تقارير لجان عصبة الأمم وحتى اتفاقيات أوسلو. فما بدا وكأنه محاولات دولية وعربية لحل القضية الفلسطينية لم يكن في حقيقته سوى استجابة متواضعة جدا لهبات ثورية فلسطينية. 

الحركات الفلسطينية أيضا هي الأخرى نشأت من رحم الثورات الفلسطينية من فتح والجهاد وحماس والجبهة الشعبية وغيرها. وبغض النظر عن التقييم السياسي والعسكري لكل منها، فإن معظمها ينص صراحة في مبادئه الرئيسية على أن حركته تعبير عن حالة ثورية ستظل وفية لها. وهذا ينطبق على المواثيق المؤسسة لحركات فتح والجهاد والجبهة الشعبية مثلا. 

وحين تتوه معالم السياسة في العالم العربي وتختلط الأوراق تظهر القضية الفلسطينية كبوصلة واضحة المعالم يستطيع أي إنسان أن يضبط اتجاهه الثوري عليها. إنها قضية إنسانية عادلة في المقام الأول، الأمر الذي دفع تيارا عريضا في العالم يتضامن معها وهو ينمو يوما بعد آخر رغم التأثير الإسرائيلي في دوائر الإعلام الغربي والأحزاب السياسية والبرلمانات. وهي أيضا قضية تحرر واستقلال مؤجل بقيت شاهدة على ما فعله الاحتلال الغربي في العالم العربي. كما أنها شاهدة على هشاشة الاستقلال الصوري الذي حصلت عليه بقيت الدول العربية وهي مرتبطة سياسيا وعسكريا وماليا بالمحتلين السابقين. وصدق من قال إن الزمن سيبرهن كيف أن إسرائيل احتلت معظم العالم العربي، لكنها لا تزال تحاول احتلال فلسطين.

لقدت أتت أنباء الصمود الفلسطيني في أحداث القدس الحالية لتعيد بعض الأمل في جدوى النضال العربي من أجل الحرية بعد أن نجحت الثورات المضادة في توجيه ضربات مؤلمة لأحلام الشباب العربي عبر ست سنوات منذ عام 2011 ولتعري المهرولين الجدد من العرب نحو إسرائيل. فقد كان كل تطبيع عربي رسمي يتم بحجة حماية الفلسطينيين وتحقيق السلام. وها هي إسرائيل ترد بصلف على المحاولات العربية الجديدة للتقارب معها ولتثبت للجميع أنه تطبيع بعيد عن مصالح الفلسطينيين والعرب وأنها لن تقدم شيئا ولو صوريا لتحفظ به ماء وجه هؤلاء الذين يريدون مد الجسور معها. 

ربما من غير المفيد أن ننعى الجامعة العربية ودورها، لكن من المهم أن نشير إلى أن جزءا مهما من شرعية هذه الجامعة ينطلق من القضية الفلسطينية. ولولا الانتفاضة الفلسطينية الثانية لم يكن لقمة العربية أن تعقد دوريا كل عام. الأمر نفسه ينطبق على منظمة المؤتمر الإسلامي التي أنشأت كرد فعل على حريق الأقصى عام 1969. ماذا تبقى إذن من حمرة خجل عربية وإسلامية لترد على ما يحدث في القدس بعد أن استنفذت المسكنات الدبلوماسية في الماضي؟ عزاؤنا أن الثورة عادت لبيتها الفلسطيني، وللثورة والقدس والشعوب العربية رب يحميها. 
0
التعليقات (0)