قضايا وآراء

قرار بالإجماع على إنهاء المجلس التشريعي الفلسطيني

طارق حمود
1300x600
1300x600
حالة الإرباك لاتزال تخيم على المشهد في غزة حول حقيقة دور محمد دحلان القادم في القطاع، فهناك شك كبير في أن الشق الأهم من اتفاق "حماس-دحلان" هو الذي لم يحتمل أحد الإعلان عنه بعد. لقاء "السنوار-دحلان" وكما نقلت بعض وسائل الإعلام تم بدون قرار مركزي في "حماس"، وهو ما أحدث أزمة داخلية حول صوابية السلوك من ناحية التوقيت المتزامن مع الأزمة الخليجية، أو من ناحيته الاستراتيجية التي قد تفضي إلى إعادة تموضع "حماس" وقطاع غزة على مستوى الإقليم ككل. لكن يبدو أن المعروض في القاهرة هو ما لايمكن رفضه، وهو الفخ الذي نصبته المخابرات المصرية وحلفاء دحلان بإحكام للقيادة الصاعدة في غزة. هذا ربما يفسر جزءا من مشهد الإبهام الذي يسيطر على القضية اليوم، إذ إن بوادر وتسريبات الشق السياسي من الاتفاق مع دحلان تبدو صادقة، أو على الأقل لم يظهر لها تكذيب فعلي على الأرض، خصوصا مع تصريحات دحلان في الأسوشيتد برس قبل أيام حول اتفاق تقاسم السلطة بينه وبين "حماس" في القطاع التي لم ينفها أو يعترض عليها أحد.

اليوم يظهر دحلان بصورة الشريك القانوني عبر نافذة "الفيديو كونفرنس" في قاعة المجلس التشريعي الفلسطيني (هل تذكرونه؟) في غزة. وهي صورة أقل حدة من تلك التي أراد الاتفاق المذكور أن يظهر فيها الرجل بمظهر العميل الإقليمي، والذي يفرض أجنداته عبر خيار القوة التي يمتلكها سواء مالياً أو أمنياً أو سياسياً. هذا الظهور، كعضور مجلس تشريعي، بحد ذاته هو مخرج مهذب للقاء بالرجل المُقاطع بقرار مركزي من قبل قيادة حماس، وهو ما قد يفسر شقا آخر من أزمة غموض الاتفاق الذي خرق قواعد التعامل مع الرجل وعدم الاتفاق الكامل على تطوراتها داخل قيادة الحركة، فكانت الحاجة إلى صناعة طريق جانبي لعبور الرجل إلى اللقاء الثنائي وترويض ظهورة العلني في غزة.

هذه تفاصيل يمكن الحديث فيها كثيراً، وهي لم تُحسم قطعياً إلا في جوانب الدلالات الكبيرة على ذهاب قيادة غزة إلى مدى بعيد في تطبيع العلاقة مع الرجل. إلا أن استحضار خيمة المجلس التشريعي لتغطي تلك المساحة الكبرى من الحقائق ودلائلها على الأرض هي بيت القصيد اليوم، وهو بيت ليس فصيحاً بالتأكيد، تماماً كمن يقرض الشعر العربي الفصيح في بلاط هرقل. رقعة الحقيقة أوسع من أن تغطيها قطعة قماش. نعم فالمجلس التشريعي الفلسطيني اليوم ليس أكثر من قطعة قماش مطلوبة لتغطية ما لا نرغب في أن يراه الناس. هكذا أصبح منذ عشر سنوات لبعض الأطراف، فالأمر الواقع في قطاع غزة والضفة الغربية سواء لمن يتفق أو يعترض عليه، لم يكن للسلطة التشريعية الممثلة بالمجلس أي دور في صناعته، بل صنعته قوة "حماس" في غزة (التي يبررها كثيرون حينها) وقوة فتح في الضفة. وظهور دحلان مشاركاً في اجتماع تشريعي غزة لأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات يعكس حقيقة غياب السلطة التشريعية وليس العكس. فظهور دحلان هذا هو أحد أكثر تجليات القوة التي يمتلكها الرجل في نظر شركائه الجدد في غزة، ولولاها لما سمح أحد له بالظهور خطيباً في غرماء الأمس.

المحصلة أن المجلس التشريعي اليوم يجتمع في غزة ليثبت حقيقة واحدة فقط تتشعب منها تفريعات كثيرة، وهي أن دور هذا المجلس انتهى، وحضوره اليوم يعبر عن أزمة أكثر من كونه تعبير طبيعي عن الحل، واتخاذه مساحة للقاء بدحلان وتقديمه من جديد للشارع الغزي هو تعبير أزمة تسويق لاتفاق لاتزال الحقيقة الأبرز فيه هو دحلان وحضوره الإيجابي الزائف في وعينا وشارعنا.

دحلان قد يفكر في كونه عضواً في المجلس التشريعي كآخر نكتة للتدليل على سريالية المشهد، والأكثر تهكماً في الموضوع هو أن يستخدم هذه النكتة خصوم الأمس شركاء الحاضر لصناعة مشهد مبتسم لواقع بائس ومبكي.

لايزال مقدراً وضع القطاع الإنساني، والأكثر تقديراً هو وضع اتفاق دحلان السياسي ومآلاته التي لم تزل تعطي دروساً في السياسة قد نفهمها متأخرين. لقد بقي المجلس التشريعي، على الأقل نظرياً من وجهة نظر "حماس" المنتصرة انتخابياً في سباقه، عنوان لسلطة الشارع المفقودة التي غابت بفعل تطورات الأرض الصعبة والرغبة الفتحاوية في إقصاء شركائها، لكنه اليوم وبظهور دحلان على شاشة اجتماعاته في غزة يصبح المجلس فعلياً السلطة المفقودة للشارع برغبة الجميع. لابد وأن جلسة التشريعي التي يشارك بها دحلان قد ناقشت عدة أمور، كلها سياسي وليس منها شيء متعلق بالقانون "لطبيعة النصاب".

ربما لم يتخذ قرارات ما في هذه الجلسة، لكنها كانت جلسة صدر فيها قرار بالإجماع بإنهاء دور هذه المؤسسة التشريعية. فقد قرر نواب فتح منذ عشر سنوات إنهاء دور المجلس بالتغيب المتعمد عنه، وقرر الرئيس عباس تعطيله بقراره اللاشرعي تعيين حكومة بدون ثقة أعضاء الملجس، وقرر الاحتلال القضاء على الإمكانية القانونية لعقده باعتقال نواب حماس.

أما اليوم فقد قرر نواب "حماس" في غزة ومعهم نواب "فتح"-جناح دحلان أن يجعلوا قرار إنهاء التشريعي القرار الوحيد الذي يُتخذ بالإجماع من خلال تحويله إلى قاعة خلفية لعقد الممنوع من اللقاءات في وعي الناس العاديين الذين صنعوا المجلس بأصواتهم وإرادتهم، ومنصة ترويض لقبول التطبيع مع الرجل، والترحيب بدوره القادم في القضاء على آمالنا جميعا.
1
التعليقات (1)
shady
السبت، 29-07-2017 12:23 م
في السياسة؛ لا صداقة دائمة ولا عداء دائم.. السياسة لا تعرف إلا لغة المصالح..