كتاب عربي 21

إنهم يعدلون الوزارة

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
السادة كبار البلد وحكامه الميامين وعقوله المفكرة يعدلون الوزارة، وسنحتفل بالحكومة الجديدة بعد العيد. فرحتنا مضاعفة بلا شك، وعيدنا عيدان. لكن عيدان أخرى (تندب) في نواظرنا هذه الحكومة ليست حكومتنا نحن، إنها حكومتهم. إنهم لا يسألونا ماذا نريد، ولا يسألون أنفسهم لماذا فشلوا في الاختيارات حتى اضطروا للتعديل، ولماذا يريدون أن نزكي ما لم نستشر فيه. 

باختصار، لماذا يستغبوننا كأننا أطفال غير رشداء يضحك عليهم قبل النوم بقصص الجنيات الجميلة. لقد هرمنا حتى فهمنا الحكومات، ولكن الحكومات لم ترنا نهرم، هي فقط ترانا نتهدم على دواخلنا، فتزيد في دفعنا إلى الإحباط الأقصى. حكومة جديدة في الطريق، وسنحتفل لنتوهم البقاء، فالوهم سلاح أخير لثورة مغدورة.

يرسلون الإشاعات

أسلوبهم قديم أيضا من جنس تفكيرهم. لديهم أبواق إعلامية (مؤسسات وأشخاص)، وصارت لديهم مواقع وصفحات في السوشيال ميديا، ويرسلون التسريبات. والشعب الكريم (نحن الأغبياء) نتفاعل نعترض وننقد، ونحسب أن لنا رأيا يطاع. ولكن ما هي اقتراحاتهم المسربة؟ إنهم وزراء بن علي يرمون إلينا بالأسماء، وينتظرون ردة فعلنا، هل نقبل أم نصمت. والحقيقة أننا غير فاعلين في الحالتين؛ لأننا اعترضنا سابقا على أسماء، ووجدناها في رأس الحكومة. مثل وزير الخارجية الحالي الذي وضعه بن علي سفيرا في الكيان الصهيوني لقد قمنا نضج ضده فصار وزير سيادة. يبدو أن المغزى الوحيد للتسريبات هو استعمال ردة الفعل الشعبية لإقناع المتزاحمين على أبواب الحكومة بأن أسماءهم غير مرغوبة شعبيا. إنها حيلة لتنظيم صفوف طالبي الكراسي وليست استجابة لرأي عام شعبي يستجيب للنقاش الديمقراطي.

إنهم لا يشرحون لنا رغم وسائلهم لماذا احتاجوا إلى التعديل بعد سنة؟ في مثل هذه الصائفة منذ سنة كنا نتساءل لماذا أسقطوا حكومة الحبيب الصيد؟ ولماذا جاؤوا بالشاهد. قالوا حكومة وحدة وطنية نوسع بها قاعدة الثقة حول الحكومة. لكن الحكومة لم تنل حتى ثقة الأحزاب التي تكونها. الاختيارات خاطئة بشكل جعلهم يقصون منها البعض لأخطاء قاتلة فيضطرون إلى التعديل وهل سيجدون الآن الشخص المناسب لسد الشغورات؟ مخزنهم مقفر إلا من كوادر دولة بن علي التي خربت الدولة والجميع يعرف ولكنهم يتمادون مستغفلين شعبا مل اللعب.

سنسميها حكومة تصريف الرواتب

وثيقة قرطاج كانت أرضية بناء حكومة الشاهد لكن لا شيء من مبادئ الوثيقة (وكانت مسقطة على المرحلة ونزلت بلا مقدمات إلا هوى الرئيس وكواليس القصر واستعملت كذريعة لإقصاء الحبيب الصيد). لم يكن الإشكال رغم ذلك في النص الذي اجتمعوا عليه أحزابا ومنظمات فليس أسهل من كتابة إعلان مبادئ بقلم رومنسي. الإشكال كان في البرنامج الحقيقي الذي يحتاجه البلد ولم تستوعبه وثيقة قرطاج.

كانت الثورة قد طرحت إشكاليات كبرى كالتدرج نحو إنهاء المديونية بالخروج التدريجي من نمط الاقتصاد القائم على التصدير إلى اقتصاد قائم على الإنتاج أولا بما يقتضيه ذلك من تجميع الموارد الوطنية كالطاقة لكن هذه الملفات ليست تحت سيطرة الحكومة فيما يبدو لذلك وجدناها مثل سابقتها تسارع إلى التداين لتغطية رواتب الموظفين بما يجعلها حكومة تصريف رواتب وانتظار الكارثة. عندما يصبح البلد عاجزا عن رد ديونه التي يكون موظفوه قد التهموها ويطلبون المزيد.

كانت الثورة قد وضعت رغم كل العوائق دستورا مجمعا عليه ولكن تطبيق الدستور معلق بلا محكمة دستورية ولا برنامج حقيقي لتطبيق الباب السابع منه المتعلق بالحكم المحلي. والحكومات المتعاقبة هربت من ذلك وكنا نود أن يكون هذا التعديل يتم لسد هذه الثغرات في تطبيق الدستور (بوضع نصوص متوافقة مع روحه) ولكن حتى اللحظة نحن نتابع التسريبات حول الوزراء الجدد لسد شغورات الحكومة لا غير أما شغورات الدستور فليست على الجدول.

والسؤال الذي لا تجيب عليه الحكومة ولا المتربصون بالكراسي، إذا لم يكن عندك برنامج عمل تختار له الكفاءات على ضوء الحاجات المطلوبة فيكون الرجل المناسب في المهمة المناسبة فعلى أي أساس إذن تقدر كفاءة الذين سينفذون. وحتى لو وقعت على كفاءة ما ووضعتها في غير سياق برنامج فماذا ستفعل؟

النقابة تحكم في الحكومة


تجربة النقابة مع الحكومة صارت مرجعا في سيطرة الفرع على الأصل أو في سيطرة التابع على سيده. فالحاكم الحقيقي الذي تخشاه الحكومة والرئيس هو النقابة. والنقابة تعرف وتفتخر وتصيح في الشوارع (الاتحاد أكبر قوة في البلاد). وذات يوم تم تعيين وزير ولم تستشر النقابة فصرخت قيادتها لماذا لم تستشيرونا ثم في وقت لاحق اختصمت النقابة مع وزير فجمدت المدرسة التونسية حتى تمت إقالته من منصبه وهي الآن بصدد فرض وزيرها الذي ستكون مهمته الخضوع للنقابة وتلبية مطالبها بما في ذلك منع صدور القانون الأساسي لرجال التعليم وهو القانون الذي يحدد مهام جميع الأطراف في العملية التربوية ويحرم النقابة من وسيلة الضغط الأكبر لديها على الكادر التعليمي وهي الترقيات والنقل المهنية بين المناطق.

حكومة تخشى النقابات كيف يمكنها أن تحكم؟ إنها تثبت عجزها كل يوم أمام رأي عام متربص وملول، وغير قادر على منحها غفلة رقابية عساها تفلح. وإذا كانت مفاوضات التعديل الحالي متعثرة فلأن الاتحاد لم يبد رأيه بعد أو لعله يعترض ليفرض.

إن عجز الحكومات المتعاقبة منذ الثورة أمام مكونات الساحة السياسية (الحزبية) والمجتمع المدني (والحقيقة هو مجتمع سياسي بامتياز) كما فقرها البرامجي وغياب خطة موجهة يجعل هذا التعديل الذي يعلن الآن نوعا من تحريك البيادق للإيهام بالحركة في رقعة ميتة. حكومة المجاملات الحزبية لن تفلح في اختيار الكفاءات اللازمة لإدارة البلد والكفاءات بلا برنامج وخطة عمل ستكون عاجزة وعجز الحكومة بالنتيجة يفتح باب الابتزاز من الداخل والخارج.

حكومة تصريف الرواتب في الطريق إلى الإجهاز على الدولة.


آخر الوقائع التي سأوردها هنا ستدل على طبيعة الحكومة القادمة وعلى مصير الحكومة والبلد. منذ أيام قليلة لاحقت بارجة عسكرية تونسية مركب صيد تونسي كان يمارس صيد الأعماق الممنوع بقانون العطلة البيئية فما كان من صاحبه إلا أن وجه مركبه مباشرة في خاصرة البارجة العسكرية وصدمها فألحق بها أضرارا بالغة فاعتقل، وهو إجراء  قانوني، فقامت منطقته بالاحتجاج وغلق الطرق فما كان من الحكومة والجيش إلا أن أعفته وأطلقت سراحه خوفا من الشارع وهي أول عملية تراخ تمس مؤسسة الجيش بشكل مباشر.

هذه الحكومة لن تكون قادرة إلا على إزعاج المدونين الصغار. أما حيتان الجريمة والاعتداء على الملك العام والمؤسسات، فهي أعجز من محاسبتهم، وكل تراخ يعلمه الشارع حتى الأمي منه، فيزداد جرأة على القانون وعلى مؤسسات الدولة. وقد ضربت الحكومة نفسها في مقتل بفشل برنامجها لمقاومة الفساد؛ إذ تبين انه مسرحية موجهة لانتقاء بعض المهربين؛ لتخلو الساحة لحيتان التوريد المقنن.

ندخل خريفا مضطربا، وعودة مدرسية بلا برنامج واضح، وموسم جفاف يهدد الأخضر واليابس، ما لم تقع معجزة في الشهرين القادمين. لكن، ندخل بوزراء جدد سيمكثون شهورا عدة يتعرفون على مكاتبهم، ثم يعلن تعديل وزاري؛ لترضية قائمة الممسكين الآن بباب القصر يتوسلون منصبا. وسنكتب عما تبقى من الدولة. سيكون لدينا بلد فيها أكبر عدد من الوزراء السابقين، ولكن ليس لدينا حكومة قوية.
0
التعليقات (0)