كتاب عربي 21

إذا وجعتك المعونة.. فاقلب عليها الطابونة

جمال الجمل
1300x600
1300x600

 (1)
كانت أنظمة الحكم السابقة في مصر تكذب على الشعب، لكن نظام السيسي لم يعد يكذب على شعبه، نظام السيسي تطور كثيرا وأصبح يكذب على نفسه. 

(2)
إذا تأملنا ردود الأفعال السياسية والإعلامية على قرار الإدارة الأمريكية باستقطاع مبالغ من المعونة المخصصة لمصر، سنرى بوضوح الحالة المخجلة التي وصلت إليها "جمهورية البحث عن الفكة"، فقد كان واضحا أن أمريكا ليست "فاعل خير" يتصدق على المصريين محبة في العيون السود، لكن المعونة كانت منذ بدايتها "رشوة سياسية" للتطبيع وللتتبيع.. التطبيع مع إسرائيل والتتبيع لأمريكا، وقد ظلت الحوافز التشجيعية تتصاعد بما يتناسب والأهداف المرحلية التي تريد واشنطن تحقيقها، وفي السنوات الأخيرة من حكم مبارك، بدأت الأسئلة تتناثر داخل المؤسسات الأمريكية عن المقابل السياسي والاقتصادي والعسكري الذي تحصل عليه مقابل المعونات لمصر، ففي عام 2000 افتتح السيناتور ماكنويل الباب الرسمي للمحاسبة على المعونة بحجة أن مصر لم تعد تشارك في دفع عملية السلام في الاتجاه الصحيح (اتجاه شارون حينذاك)، أما الواقع فكان يشير إلى تراجع دور مصر الإقليمي بعد تواجد القوات الأمريكية بكثافة في أعقاب الحرب على العراق، وتوافر إمكانية تعويض القوى الإقليمية الحليفة بقوات تحالف دولية تشارك فيها مصر وغيرها من دول المنطقة مشاركة رمزية بالأرض أو التمويل أو التمرير السياسي والإعلامي، وبناء على الوضع الجديد لم تعد مصر تمثل قيمة كبيرة عند الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بتكتيكات إدارة منطقة الشرق الأوسط، وهكذا اتسعت رقعة الفريق المتسائل عن جدوى المعونات التي تذهب إلى مصر، والذي يرى أنه ثمن كبير لسلعة لم تعد مرغوبة.  

(3)
استطاعت مصر عبر العلاقات التحتية الوثيقة بين العسكريين والبنتاجون أن تحافظ على قيمة المعونات العسكرية، في الوقت الذي تراجعت فيه قيمة المعونات الاقتصادية، لكن مهمة الحفاظ على مبلغ الـ1.3 مليار دولار (المعونة العسكرية) لم تكن سهلة، وتشير المعلومات والشواهد أن التلويح بالتخفيض أدى إلى تنازلات كبيرة من الجانب المصري، في مجالات التسليح والتحالفات، والتأثير على ولاء بعض الجنرالات بما يعتبره بعض المحللين الاستراتيجيين في أمريكا نفسها "تعاوناً أمنيا وثيقاً" ويسميه آخرون "اختراقا" أتاح لواشنطن وتل أبيب التعرف على حقائق كاملة وشاملة عن القدرات العسكرية المصرية وأساليب التدريب، ونوايا التفكير والتخطيط نفسها، بكل ما يمثله ذلك من استرخاء في الجانب الإسرائيلي وإعادة توجيه الميزانية بما يتلاءم والمعلومات المتوفرة، حتى أن إسرائيل بدت في السنوات الأخيرة الدولة الأكثر سلمية واسترخاء وسط محيط من العنف العربي/العربي!!

(4)
في مقابل ذلك التعاون الأمني "المنفتح على الآخر"، استمرت المعونات العسكرية في منسوبها المعتاد لأطول فترة، لكن بعد ثورات الربيع العربي ارتفعت الأصوات المتسائلة والمتشككة في جدوى المعونة لمصر، وانتقل الحديث من التساؤل والتلويح والتهديد إلى التنفيذ، وتم استقطاع مبلغ وتجميد آخر، والإعلان عن أسباب تتعلق بعدم مراعاة النظام المصري لمعايير الحريات وحقوق الإنسان والتأخر المتعمد في مطلب التحول نحو الديمقراطية، وهذه هي الأسباب التي وردت في الخطاب الرسمي الأمريكي، لكن أحدا لم يكتف بذلك، لا في مصر ولا في أمريكا نفسها، فقد تحدثت الميديا الأمريكية عن ضغوط ضد مصر لإجبار السيسي على وقف بوادر تعاون مع كوريا الشمالية، وقيل أن الإدارة الأمريكية نوهت إلى ذلك الملف من قبل أكثر من مرة، لكن السيسي "استعبط" وسمح بمرور معدات عسكرية لكوريا الشمالية من قناة السويس، كما قيل أن المؤسسات الأمريكية عاقبت مصر بالخصم من المعونة اعتراضا على القانون المقيد للجمعيات الأهلية الذي يعد نقطة صدام متكررة بين مصر وأمريكا، خاصة في قضايا التمويل الأجنبي، والقبض على النشطاء، في حين تسعى أمريكا (حسب زعمها) إلى تقوية المجتمع المدني والدفع نحو الديموقراطية وحقوق الإنسان في مصر، وفي الجانب المصري دخل الإعلام في تهويماته الميتافيزيقية حتى أن أحد الأبواق قال مستهينا بالقرار الأمريكي "الـ290 مليون دولار دول عيالنا بيضربوا بيهم بمب في العيد"! 

(5)
لو كانت مصر غير معنية بالخصم من المعونة لأن "عيالها بيضربوا بقيمته بمب"، فلماذا تبدو الجنازة بكل هذا اللطم وكل هذه الحرارة بينما الميت "بمبة وضربها عيّل"؟، ولماذا دخل الإعلاميون العباسيون في حواري الخزعبلات للبحث عن عفاريت المؤامرة؟، ولماذا أطلقوا الاتهامات في كل الاتجاهات.. ضد الملعونة آية حجازي التي كتبت في الصحف الأمريكية تندد بانتهاك حقوق الإنسان فتسببت في قطع المعونة انتقاما لحبسها في مصر واتهامها بالمتاجرة في أولاد الشوارع!!، وضد الباحثة الأمريكية ميشيل دن، ووصفها بأنها عميلة تمولها قطر للإضرار بجمهورية "أد الدنيا" التي منعتها من الدخول عام 2014 برغم دعوتها من إحدى المؤسسات الدبلوماسية المصرية الرسمية!!، بل إن بيان الخارجية المصرية تحدث عن مفاهيم غريبة على المسؤولين المصريين من نوع: "الحيادية في تشكيل اللجان" و"المعارضة الوسطية لضمان إثراء النقاش وحياديته" والمتابعة الدقيقة المنصفة"، وأعرب البيان عن أسفه لغياب المنهجية في تنظيم جلسة مجلس الشيوخ بهدف الإضرار بالعلاقات الإيجابية التي تربط مصر بإدارة ترامب بالذات (كتلميح لانتقام رجالة أوباما من السيسي بسبب الكيميا اللي بينه وبين ترامب)، وانتقد البيان الرسمي لمصر توجيه مجلس الشيوخ الدعوة لثلاثة مسؤولين أمريكيين سابقين، معروف عنهم توجهاتهم السلبية ضد الحكومة المصرية، وتحيزهم المطلق ضد مصر وانحيازهم لقوى ومصالح أجنبية، تستهدف زعزعة استقرار مصر وأمنها، خلافاً لما جرت عليه العادة!! 

(6)
المقصود بالثلاثة الأشرار: ميشيل دن الباحثة في برنامج "كارنيجي" للشرق الأوسط بتهمة أنها عميلة قطرية، وإليوت أبرامز الدبلوماسي وعضو مجلس العلاقات الخارجية إليوت أبرامز، بتهمة أنه يهودي عميل لإسرائيل!، وتوم مالينوسكى مساعد وزير الخارجية الأمريكية الأسبق للديمقراطية وحقوق الإنسان بتهمة أنه شيعي مطرود من البحرين عميل للإخوان (سمك لبن عمر افندي)!!، ولم "يشعر إعلام البلح" بأي حرج وهو يكاد يعتبر اللجنة الثلاثية التي استعان بها مجلس الشيوخ من عناصر "داعش"، وعللوا ذلك بأنها رفضت مساعي إدارة ترامب لتصنيف "الإخوان" كجماعة إرهابية، بزعم أن ذلك يضعف الحرب ضد «داعش»!. 

(7)
أعتذر عن الإطالة، فقد أرهقت نفسي وأرهقتكم في البحث عن أسباب حقيقية لغضب "زعيم البلح" وشركاه من قرار "خصم 3 أيام من رشاويهم"، مع أن الموضوع بسيط جدا، وليس بحاجة إلى آراء ولا تحليلات ولا أرقام، لأن "البتاع صاحب الطابونة" أعلنها واضحة من قبل: الفكة دي أنا عايزها.. لايموني ع الفكة.
 
جمال الجمل

0
التعليقات (0)