مقالات مختارة

أول الغيث قطرة على أرض الخليج ثم ينهمر

محمد صالح المسفر
1300x600
1300x600
قبل كل قول أتقدم إلى القارئ العزيز بتهنئته بحلول عيد النحر المبارك أعاده الله على أمتنا العربية والإسلامية بالخير والعزة والكرامة والنصر المبين على كل الأعداء، وأعاده الله أيضًا على قيادتنا الصادقة الأمينة والشعب القطري بالخير ورفع الحصار، وأطلب من الله أن يزيل الغمة وسحب الحقد السوداء والكراهية والغيرة غير الشريفة من سماء خليجنا العربي، وأن يعيد الصفاء والألفة بين قادتنا الميامين.

(2)

انتهى موسم الحج هذا العام وتعذر على أهل قطر والمقيمين أداء تلك الفريضة الإسلامية على كل قادر، بسبب فرض الحصار وإغلاق الحدود البرية والجوية بين دولة قطر والمملكة العربية السعودية أرض الحج ومهبط الوحي، وتشديد الإجراءات الإدارية من قبل السعودية والتباطؤ الرسمي في تسهيل تلك الإجراءات، الأمر الذي تعذر معه تفويج الحجاج من قطر. وقد أشبعت هذه المسألة بحثا في كل وسائل الإعلام الخليجية وبان الحق من الباطل. وعلى أي حال، انتهى موسم الحج بانتهاء يوم عرفة. وستعالج الدوحة والرياض ما ترتب على تلك المسألة من خسائر مادية ومعنوية للحجاج القطريين والمقيمين على أرضها نظرا لتلك العوائق السياسية والإدارية.

(3)

استبشرت خيرا عندما نشرت وسائل الإعلام في السعودية خبرا مفاده أن خادم الحرمين الشريفين كلف الشيخ سعد الشتري بإلقاء خطبة يوم عرفة، بعد أن ألقاها الشيخ السديس (وزير) في العام الماضي بدلا من الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الذي تقدم به السن ولم يعد قادرا على أداء خطبة يوم عرفة.

وهنا أثير نقطتين مهمتين هما: 1- أن خطبة يوم عرفة وخطبة يوم العيد وكذلك خطبة يوم الجمعة من كل أسبوع تعد خطبًا سياسية لأن الذي سيتولاها يكون بأمر من ولي الأمر.

2- وهنا نرد على الذين يقولون إن هذه الخطب هي فقط للوعظ والإرشاد بأمر الدين في الدنيا وما سيواجه الخلق يوم القيامة. هنا نقول إنه من الواجبات الدينية أن يعالج الخطيب في هذه المناسبات أمور الأمة وما تتعرض له من محن من صنع الله وأخرى من صنع الإنسان، فالزلازل والعواصف والفيضانات هي من أمر الله عز وجل وهنا يذكر الخطيب الناس بآيات الله عز وجل في هذا الشأن، وأخرى من عمل الإنسان كالحروب والحصار الاقتصادي ضد دول إسلامية بغض النظر عمن فرض الحصار سواء دول إسلامية ضد دول إسلامية، أو دول أخرى ضد دول إسلامية، وتعاون المسلمين في فرض الحصار مع القوى المحاصرة، كما تعاونا مع أمريكا في حصار العراق لأكثر من ثلاثة عشر عاما متتابعة، ودول عربية إسلامية اليوم تفرض حصارا على دولة قطر، وأسهمنا في محاصرة إخواننا في السودان استجابة لأمر أمريكي، ودول عربية إسلامية تحاصر قطاع غزة الفلسطيني بالتعاون مع الصهاينة الأشرار.

استمعت بإمعان إلى خطيب الحج، يوم عرفة، الشيخ الشتري، ولم أسمع منه ذكر أي أمر جلل من أمور المسلمين، كما هو الحال في ميانمار (بورما) وما يتعرض له المسلمون من قتل وتشريد وحرق منازلهم وأجسادهم، بمعنى آخر اجتثاث المسلمين من ميانمار المعروفين بالروهينجا.

لم أسمع كلمة في خطبته عن حصار أهل السودان، وقطر، وغزة، من قبل إخوانهم العرب والمسلمين. لم أسمع كلمة عن "المصيبة " الخليجية الراهنة، والفرقة بين ولاة الأمر في الخليج العربي، والدعوة من قبل البعض إلى التحزب ضد قطر والعمل الدؤوب لإلحاق الأذى بالشعب القطر وقيادته. لم أسمع كلمة عن حال اليمن وليبيا والعراق وسوريا، وما يتعرض له بيت المقدس وأهله الفلسطينيين أصحاب الحق.

إن خطبة يوم عرفة أمام ملايين من البشر الذين حضروا يوم عرفة، والذين يسمعونها عبر وسائل الإعلام، هي خطبة سياسية تحدد معالم الطريق أمام العالم الإسلامي في مواجهة ما يتعرض له من محن، ويرسم خطة مواجهة تلك المحن دفاعا عن الإسلام والمسلمين. الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام عندما قال في خطبة الوداع يوم عرفة بأمر من الله عز وجل: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، ذلك بيان للناس، بيان سياسي وديني دنيا وآخرة. وكم كنت أتمنى أن يسمع الخلق خطبة جمعة يوم العيد في عُمان مسقط، ومساجد وجوامع أخرى في أكثر من دولة عربية وإسلامية.

(4)

لا أستطيع أن أعبر عن شعوري وفرحتي اللانهائية، عندما اتصل بي الكثير من إخواننا السعوديين الذين كانوا يعملون في قطر في المؤسسات التعليمية والطبية والمهن الأخرى، وكذلك العديد من الطلاب الذين كانوا مسجلين في التعليم العام أو التعليم الجامعي يخبرونني بأنهم عائدون إلى قطر، وأنه قد رفع الحظر عنهم من قبل الحكومة السعودية، وكانت سعادتي أعظم بترحيب القيادة القطرية بعودة أبنائهم السعوديين إلى قطر سواء العاملين أم طلاب العلم.

والحق، أنه لو كان حدث ما حدث لإخواننا السعوديين العاملين في قطر والطلاب في دولة أخرى لما سمحت لهم الدولة المضيفة بالعودة إليها أبدًا. ولكن هذه أخلاق ولاة الأمر في قطر، لا يؤاخذون الشعوب بما تفعل حكوماتهم ضد قطر، بمعنى أنها لا تعادي الشعوب لأنها في خصام مع حكومات تلك الدول.

آخر القول: أول الغيث قطرة، فعودة السعوديين العاملين في قطر بادرة خير، وكذلك إخواننا من البحرين، تبشر برفع الحصار البري والجوي عن قطر، وإعادة التحويلات المصرفية بين قطر والمملكة السعودية، بل عودة الصفاء واللحمة والمودة. وقطر شعبا وحكومة سند للمملكة وداعمة لها ومدافعة عنها، ولن ترضى قياداتنا السياسية أن يمس أمن المملكة واستقرارها، ولعل ما بين قطر والسعودية سحابة صيف تجرها الرياح بعيدا عن الدولتين بأمر الله عز وجل في القريب العاجل.

(عن صحيفة الشرق القطرية)
0
التعليقات (0)