كتاب عربي 21

هل تنقذ تونس انتخاباتها البلدية لسنة 2017

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
على شفير الهاوية السياسية تتقدم تونس مضطربة نحو الانتخابات البلدية الأولى بعد الثورة المقررة قانونا يوم 17 ديسمبر 2017. 

احتمال إلغاء الانتخابات وارد جدا دون التلميح إلى بدائل إجرائية. وتبدو الساحة السياسية تترقب وجلة إذنَ رئيس الدولة المخول دستوريا بإعلان الأجل الفعلي ودعوة الناخبين إلى الموعد. لكن الرئيس في وضع يسمح له بمفاوضة كسر عظم فإما أن يربح الانتخابات مع حزبه النداء أو أن يلغيها أو يؤجلها إلى أجل غير مسمى.

الوضع القانوني الراهن

أفلحت تونس بعد الثورة في كتابة دستور متميز عربيا وربما دوليا كما أفلحت في بناء هيئات دستورية مستقلة عن الحكومة تتولى تطبيق مجالات محددة من جوانب الدستور بعيدا عن السلطة التنفيذية من هذه الهيئات الهيئة المستقلة للانتخابات التي أشرفت على انتخابات 2011 و2014 ونجحت بنسبة كبيرة في إنجاز انتخابات حرة ونزيهة خاصة مقارنة بما كانت تفعله وزارة الداخلية المشرف الوحيد على كل انتخابات سبقت الثورة والتي كانت كلها انتخابات مزيفة يربح فيها الحزب الواحد الوحيد بنسبة 99 بالمائة.

الهيئة الآن في وضع لا يسمح لها بالإشراف على الانتخابات بعد استقالة رئيسها وعضوين من أعضائها بما جعل تركيبتها القانونية الباقية في وضع غير قانوني. ويقتضي الوضع الحالي انتخابات سد شغور بالهيئة يتم من قبل نواب البرلمان والبرلمان الآن في عطلة نيابية تمتد إلى موفى شهر أيلول. 

ولاستيفاء الإجراءات والرجوع إلى الوضع القانوني لا بد أن يعقد البرلمان دورة استثنائية محدودة في الزمن تكون دورة انتخابية بامتياز. وهنا شكلا لا يوجد إشكال مستعص ولكن هنا تتم عملية كسر العظم التي يريدها الرئيس مع حزب النهضة وهنا سيتحدد مصير الانتخابات فإما أن تنجز بهيئة تخرج حزب النداء رابحا أو لا تجري أبدا ولكن كيف ذلك.

الاستقالة المسترابة لرئيس الهيئة

المشكل بدأ يوم استقال السيد شفيق صرصار فجأة وبكى كعادته ملمحا إلى ضغوط غريبة دفعته إلى ذلك ولم يعرف أحد إلا الراسخون في الكواليس هذه الأسباب. من سيحل محله. سيقترح النداء مرشحيه لسد الشغور ولن يكونوا مهما أعلنوا حسن النية على هوى حزب النهضة. وسيقدم حزب النهضة مرشحيه ولن يكونوا على هوى حزب النداء فيتم الاحتكام للأغلبية البرلمانية وهنا يسقط مرشح النهضة لأن الأغلبية البرلمانية لحزب النداء ستعود إلى التلاحم فيصوت المنسحبون مع حزب المشروع مع من تبقى في كتلة النداء فضلا عن رافد نواب الجبهة الذين يصوتون آليا ضد النهضة وحتى في صورة الامتناع عن التصويت فإن كتلة النهضة (69) نائبا لن تفلح في فرض مرشحها.

فإذا ضمن النداء أغلبية داخل هيئة الانتخابات بعد أن وضع رجلين من رجال بن علي (مشهورين بعدائهما لحزب النهضة) على وزارتي الداخلية والدفاع فإن نتيجة الانتخابات تعرف قبل إجرائها. رغم ما قد يعلن من حياد الإدارة (الدفاع والداخلية).

إنها معركة في مكان ضيق ولا مجال فيها للاختفاء خلف التوافق الذي جعل النداء والنهضة يحكمان معا منذ 2014. الأمر لا يتعلق هنا بتعيين وزير أو مدير تنفيذي يمكن التنازل فيه وقبول تعويض في مكان آخر.

هذه الانتخابات مصيرية بالنسبة للحزبين ورهانها على من يحكم تونس في المستقبل القريب والبعيد ولذلك فإن كسر العظم بدأ منذ تصريح الرئيس الباجي لجريدة الصحافة (محلية تحت سيطرة اليسار الاستئصالي) في أول شهر أيلول بأن النهضة حزب يرفض المدنية بعد أن تطوع هو الرئيس المدني بجرها إلى ذلك فرفضت. إنه تهديد صريح بإعادة تصنيف الحركة كحزب إرهابي وداخلية بن علي تعرف أن تكمل المهمة بنجاعة تدربت عليها ربع قرن كامل.

النهضة ليست في وضع تفاوضي مريح

رغم الاستعراض النهضاوي في مجال الاستعداد للانتخابات. فإن النهضة ليست في وضع سياسي يسمح لها بالتفاوض على مرشح منها أو مرشح مستقل فعلا يمكن أن يحفظ دور الهيئة. 

الجميع يتذكر هذه الأيام حياد كمال الجندوبي الذي فرض على الهيئة الأولى فزيف نتائج 2011 بنسبة جعلت النهضة تخسر مقاعد (رغم احتفاظها بالأغلبية). وتبين لاحقا أنه استئصالي محترف تكفل بحل النسيج الجمعياتي غير الموالي للنداء والذي بنت النهضة منذ الثورة جزءا كبيرا منه.

النهضة تملك الشارع بنسبة كبيرة وماكينتها الانتخابية توشك أن تكون محترفة لكنها لا تملك الأغلبية البرلمانية وهي في وضع مقامرة رهيب فإما أن تقبل بهيئة غير محايدة وتعتمد فقط على ماكينتها أو أن ترفض كل مرشحي النداء للهيئة وقد تجد في هذا بعض نصير في البرلمان (نواب مستقلون أو طامعون) بما يجعلها في وضع المتهم بإفساد الانتخابات وهي التهمة التي تؤكد ما رماها بها الباجي من إرهاب أو على الأقل من رفض المدنية التي دعاها إليها فرفضت.

تونس هي الخاسر الوحيد

في لعبة كسر العظم بين النداء والنهضة تخرج تونس خاسرة لقد فقدت منذ بداية الحراك الثوري فرصتها في تصفية النظام القديم والرجوع إلى التحليل بذلك هو من قبيل الندم على الاحتمالات المهدرة ولكنه لا يقدم بالتحليل.

وهي تعاني الآن آثار الهدر الثوري والخديعة التي مارستها النقابة اليسارية التي فرضت الباجي (حكومة مؤقتة لسنة 2011) بتوافق مع جهات خارجية (منحتها لاحقا جائزة نوبل للسلام) لقطع الطريق على حزب النهضة الذي خرج من العدم بعد أن ظن الجميع أن بن علي قد مسح أثر من تونس.

بقية الاحتمالات المهدرة هي أن كل من ادّعى الانتماء للثورة لم يفلح في بناء ماكينة سياسية تشتغل كطرف ثالث يقف ضد مناورات التوافق ومكائده ضد الديمقراطية. لقد تشتت أحزاب كثيرة وصار زعماؤها مسخرة (ماكينة إعلام النداء اشتغلت كمقصلة ضد كل من رفع رأسه محتجا أو معارضا). ولذلك فإن الحديث في السياسة الآن يسقط دور هؤلاء ويركز على معركة النداء والنهضة فقط. فالبقية أشبه بوضع الذبابة. وفي هذه المعركة تخرج تونس خاسرة. 

فإذا ألغيت الانتخابات البلدية أو وقعت بشروط حزب النداء (بماكينة التجمع المحترفة وبوزارتي داخلية ودفاع غير محايدتين) فإن النتيجة كارثية بلا شك. لأن تجربة التونسيين مع البلديات التجمعية لم تكن أفضل من كارثة فالمدن العشوائية والأوساخ والفوضى العمرانية هي نتيجة مباشرة لستين عاما من سيطرة النظام القديم على البلديات. 

ليس معنى هذا أن النهضة تحمل في يد مرشحيها مفاتيح تحويل تونس إلى جنة عدن ولكن بالتزييف السياسي والإداري ستفقد تونس احتمال التنافس الديمقراطي الذي ينتج هيئات منتخبة مرضي عنها وقادرة على التنافس في خدمة الناس وهي النتيجة المبتغاة من كل عملية تعددية داخل الديمقراطية.

هنا تتحد الخسارة وهنا ننظر إلى مستقبل تونس فنجده محل رهان بين قتلة الديمقراطية والأيدي المرتعشة لمن عارض المنظومة القديمة ولم يفلح في بناء جدار سياسي يصدها عن الاستمرار في إفساد الحياة السياسية الديمقراطية لتونس. 

سنقطع خطوة عملاقة في مسار إعادة منح البلد بصفة كلية للمنظومة القديمة برئيس أقدم منها. وليس لدينا أمل في استدراك فعال في المسافة القصيرة المتبقية فالمعارضة القائمة الآن ضد توافق النهضة والنداء في الحكومة ليس لديها أي خطة بديلة في حالة تأجيل الانتخابات أو إلغائها نعرف فقط أنها ستجد حلاوة إضافية في إتهام حزب النهضة بإفساد الانتخابات لأن أعينها الآن على فتات مائدة التجمع/ النداء ففضلته تحت الطاولة أدسم من وجبة مع النهضة فوق الطاولة.

ستحتاج تونس إلى معجزة ولكن الطاقم السياسي الحالي الحاكم والمعارض أقصر من أمل التونسيين في تحقيق أهداف ثورتهم الديمقراطية. إننا نرى خيبتنا قادمة. ولا داعي للحوقلة.
1
التعليقات (1)
مصطفي التونسي
الأربعاء، 13-09-2017 11:17 ص
خراب تونس بدأ يوم دخل المقبور بورقيبة في الحياة السياسية ... 02 مارس 1934... ولزلنا نعاني من ذلك إلي يوم الناس هذا ... فتكونت طبقة ،دساترة و تجمعيين وندائيين ،تتلمذت علي يدي ذلك المجرم الهالك...و طبقة يسارية فاشلة دورها مهاجمة الإسلاميين .. فكان صراع إيديولوجي مقيت .. فنهبت وقتلت الثورة في المهد بالرغم من محاولات النهضة ... إختارت النهضة التعامل مع بقايا الأنظمة المستبدة بأسلوب حضاري لكن غاب عليها أن هؤلاء الأيتام هم صنيعة نظام لا يعرف تقاسم ولا توافق ولا يفقه سيئا في السياسة، فهم من رحم نظام مستبد رجيم ... صحيح أن الثورة لا تنجح إلا بإزالة كل المفسدين السابقين دون رحمة ولا شفقة