مقالات مختارة

وجه الأزمة في انتخابات الرئاسة القادمة

جمال سلطان
1300x600
1300x600
يتزايد الجدل حول الانتخابات الرئاسية المقررة في منتصف العام المقبل 2018، وهو جدل متشعب ومتنوع بقدر تشعب وفوضوية الحالة السياسية المصرية، وغياب الرؤية عن الجميع وغياب اليقين بالمستقبل أيضا، سواء لدى السلطة نفسها أو المعارضة بكل ألوانها، فهناك من يرى أن الانتخابات لن تكون، وأن فكرة المد للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ستتحرك من جديد بعد أن توقفت خلال الأسابيع الماضية، وهناك من يرى أنه حتى لو تمت الانتخابات فسوف تكون شكلية وستزور بالكامل ومن المنبع، ولن يسمح إلا لمنافس ديكوري بالمشاركة لتكون أقرب للاستفتاء، وهناك من يرى أن أي شخصية وطنية مرموقة تفكر في الترشح سيتم تدميرها معنويا، والتشهير بها وربما الانتهاء بها إلى السجن على خلفية أي تهمة يمكن تحريكها من تلك التهم الفضفاضة، التي يعبأ بها المناخ السياسي المصري حاليا، وهناك من يرى على العكس أن الانتخابات المقبلة هي الفرصة الوحيدة المتاحة للمعارضة المصرية والقوى الوطنية لتصحيح المسار وإنقاذ ثورة يناير وإنقاذ الديمقراطية نفسها، وتوحيد الصف الوطني وإنقاذ الاقتصاد وتجفيف منابع الإرهاب وتحجيم تغول السلطة وانفلات القمع وحصار الإعلام، وغير ذلك من المظاهر التي روعت المشتغلين بالعمل العام في مصر مؤخرا.

النقاش حول الانتخابات الرئاسية يتسم بالعشوائية، وذلك أن أطرافه جميعا تتسم مواقفهم وتطلعاتهم وحتى قدراتهم بالغموض وغياب الشفافية، وفيما يتعلق بالرئيس عبد الفتاح السيسي ـ وهو صاحب الفرصة الأكبر والأهم حاليا ـ فقد تحدث أكثر من مرة بأنه لن يترشح إذا شعر أن الناس لا تريده، وهو كلام لا يبنى عليه بطبيعة الحال، وهو أقرب للخطاب العاطفي أو الدعائي، أضف إلى ذلك أن توالي الإخفاقات السياسية الداخلية والإقليمية في أكثر من ملف والارتباك الاقتصادي وتردي أحوال الناس المعيشية وانتشار الجريمة وغياب الحسم في مواجهة الإرهاب وتوالي ضرباته بشكل مروع خاصة في سيناء، دون أي أفق للحل، بل بخطاب رسمي يمهد النفوس لاستقابل المزيد من أعمال الإرهاب لفترات طويلة مقبلة، كل ذلك يضعف من موقف السيسي داخليا وإقليميا، ولو كان هناك تنافس انتخابي حقيقي، فإن المؤكد أن فرص فوزه ستكون ضعيفة للغاية أمام أي مرشح.

ولكن، رغم كل ذلك، تبقى المشكلة في أن ترشح السيسي أعقد من أن يكون قرارا شخصيا، لأن السيسي نفسه شخصية توافقية بين أكثر من دائرة، ولا ننسى أنه أعلن في 2013 أنه لن يترشح لرئاسة الجمهورية ولا يفكر فيها، ثم بعد ذلك اجتمع بالمجلس العسكري في اجتماع شهير انتهى لقراره بالترشح وقيل وقتها أنه حصل على الموافقة، وهو ما يعني أن موقف "المؤسسة" وتقديرها للأوضاع في البلد مهم جدا في تحديد مثل هذا القرار، كذلك فإن "شخص" السيسي متصل بترتيبات وقضايا عربية وإقليمية وخليجية معقدة وشديدة الحساسية، ولا يمكن أن تترك لمغامرات شخص آخر يجلس على كرسيه السنوات الأربع المقبلة وهو غير معروف التوجه أو غير مأمون في اختياراته من تلك الملفات.

على الجانب الآخر، فإن المعارضة المصرية في أسوأ حالاتها، من حيث التشظي والاضطراب وغياب الرؤية والانقسام الذي يصل إلى حد العداء السياسي فيما بينها، وبعيدا عن الانقسام الشهير بين القوى المدنية والقوى الإسلامية بما فيها المحسوبون على جماعة الإخوان، فإن الانقسام حاضر داخل القوى المدنية نفسها، والرؤية مضطربة وغامضة تجاه انتخابات الرئاسية، وداخل اليسار انقسام، وبين الناصريين انقسام، وبين الليبراليين حروب طاحنة، وشباب ثورة يناير مبعثر بين السجون والإحباطات والشك في كل ما حولهم بمن فيهم الرموز السياسية الظاهرة، أضف إلى ذلك أن عمليات تجفيف الحياة السياسية المستمر طوال عصر مبارك جعل من البحث عن مرشح وطني بديل وقادر على المنافسة مسألة ليست هينة، كما أن إيجاد إجماع وطني حول دعمه أكثر صعوبة.

القوى الإسلامية التي تمثل الجسد التصويتي الحقيقي والأهم في أي انتخابات، بالحساب العلمي البحت للاستحقاقات الانتخابية السابقة، وخاصة انتخابات الرئاسة 2012، وخاصة جدول المرحلة الأولى الذي وزع حصص المرشحين بشكل دقيق، حيث حصل محمد مرسي على أكثر قليلا من خمسة ملايين صوت وحصل عبد المنعم أبو الفتوح على حوالي أربعة ملايين صوت، بما يعني أن تلك الكتلة يمكن أن تحقق بسهولة قرابة عشرة ملايين صوت انتخابي، كافية لحسم الأمر لأي مرشح إذا وضحت الرؤية وكان هناك توافق، غير أن هذا الأمر يبقى حسابا نظريا، إذا لاحظنا الانقسام في الحالة الإسلامية نفسها، وهو انقسام بين المحبطين الذين يرون أن لا جدوى من الانتخابات لأن خمسة استحقاقات سابقة ألقيت في صندوق القمامة حسب رأيهم، وشكهم في أن تقوم السلطات الحالية في ظل تلك الأوضاع التي نعيشها بإجراء انتخابات حقيقية وجادة ونزيهة، وبين أقلية ترى إمكانية تحقيق اختراق في الانتخابات المقبلة، وهي أقلية تتزايد أصواتها في الفترة الأخيرة، ولكنها تبقى أقلية وسط غالبية ترى غياب الجدوى، أضف إلى ذلك أن الإسلاميين مشغولون بالماضي وليس بالمستقبل، ومعظم جهدهم متصل بتصفية الحسابات مع خصوم مرسي السابقين، ويتعاملون في السياسة ـ ليس بمنطق المصالح ـ وإنما بمنطق التشفي والنكاية في الآخرين، وهذا موقف مدمر تماما للنسيج الوطني ويضعف أي معارضة للسيسي.
وللحديث بقية...

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)