قضايا وآراء

"الاجتهاد الثوري" واجب الوقت

قطب العربي
1300x600
1300x600
مع اقتراب موعد هزلية انتخابية جديدة بعد بضعة أشهر تعود الدماء لتجري حثيثا في شرايين السياسة المصرية، لقاءات، وتحالفات ، وتربيطات ، وكيانات جديدة في الداخل والخارج، الكل يسعى لطرح ما يعتقد أنه طوق النجاة وسفينة الخلاص لهذا الوطن مما حل به من مصائب في عهد انقلاب السيسي وجنرالاته على التجربة الديمقراطية الوليدة بعد ثورة 25 يناير.

تتنوع التحركات بين من يقاومون أو يعارضون هذه السلطة ومن يسعون لتثبيتها تنفيذا لتعليمات كبير هذه السلطة الذي شعر باهتزاز الأرض تحت أقدامه وانصراف مؤيديه عنه فاستصرخهم لانقاذه تحت عنوان تثبيت الدولة.

الحديث هنا يقتصر على من لا يزالون يرتبطون بثورة يناير ويريدون استعادة مكتسباتها، ومن يتحركون للخلاص من هذا الحكم العسكري البغيض الذي أفقر البلاد وأذل العباد، وباع الوطن وفَرَّط في ثرواته ثمنا لبقاء في سلطة مغتصبة لا تتمتع بأي شرعية في الداخل فتبحث عنها في الخارج بهذا التفريطً والبيع والتنازل والخنوع.

بين مقاومين لهذا الإنقلاب منذ يومه الأول وحتى هذه اللحظة، ومعارضين لهذه السلطة ظهروا بعد أن تبين لهم فشلها وردتها، وعداوتها لثورة يناير، ولأبسط حقوق الشعب ومطالبه تتوزع الخارطة، وتتنوع الاجتهادات الثورية لإنقاذ الوطن.

الثورة عمل طويل وممتد ومتشعب، لا يقتصر على شكل واحد، أو مكان واحد للنضال، هي عمل متجدد بطبيعته حسبما يلائم ظروف الزمان والمكان والامكانيات والمواءمات، ولنتذكر أن ثورة يناير التي اندلعت يوم 25 يناير 2011 شهدت العديد من أشكال النضال والعديد من موجات المد والانحسار، بل تعددت الرؤى بين فرقاء الثورة منذ تركهم للميدان في 11 فبراير عقب خلع رأس النظام، فقد رأى البعض وقتها ضرورة الإستمرار في الميدان حتى يتم تنفيذ بقية أهداف الثورة والتغيير الكامل للنظام، وللأسف فقد كان هذا الرأي يمثل أقلية شبابية نقية لكن غالبية القوى الثورية سواء كانت إسلامية أو ليبرالية أو يسارية أو مستقلة قررت ترك الميدان وفض الإعتصام، ورضيت بما حققته من مكسب وهو الإطاحة برأس النظام على ان تواصل نضالها بأشكال أخرى غير الاعتصام الواسع في ميدان التحرير لاستكمال تحقيق مطالب الثورة وأهدافها، وتنوعت أيضا الوسائل بينها فقد رأى البعض استمرار ممارسة الضغوط الثورية التقليدية على المجلس العسكري لإجباره على تنفيذ بقية المطالَب، وهناك من رأى استكمال هذه المطالَب من خلال المسار السياسي الذي وضعت الثورة قواعده وفتحت من خلاله الباب واسعا للجميع لتشكيل أحزابهم وروابطهم، والمنافسة الانتخابية وفق قواعد نزاهة شاملة.

القصد هنا أن جميع القوى الثورية مارست طرقا متنوعة واجتهادات متباينة من قبل لتنفيذ مطالب الثورة، وليس المجال لتقييم الأنجع منها الآن، ولكن المطلوب هو تقبل فكرة تعدد الاجتهادات لاستكمال مسار الثورة وتحقيق مطالبها في مواجهة ثورة مضادة عاتية نوعت أساليبها أيضا، وغيرت تكتيكاتها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.

إن الإيمان بنهج معين لاستكمال الثورة واسترداد مكتسباتها لا ينبغي أن يكون مانعا من التعامل مع اجتهادات أخرى، وعدم إغلاق الباب بوجهها، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، ولنا في أقوال أئمة الهدى دروسا وعبرا فالإمام أبو حنيفة يقول هذا رأيي فمن جاءنا بأفضل منه قبلناه، والإمام مالك يقول كل قول يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا المقام ( يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم).

لا يعني هذا على الإطلاق أن يتنازل أصحاب أي مشروع عن مشروعهم طالما لا يزالون يقتنعون بصوابه، بل واجبهم الدفاع عن مشروعهم وحسن تسويقه، والسعي لإقناع الآخرين به، ولكن عليهم في الوقت نفسه أن يستمعوا للاجتهادات الأخرى ويتعاملوا معها قبولا أو رفضا عبر حوار هادئ بعيد عن التخوين أو التفسيق، أملا في الوصول إلى ما فيه خير البلاد والعباد، فالمعركة صعبة، والعدو ليس هينا، وهو لا يقتصر على بضع جنرالات في الداخل بل إنه يتعدى ذلك لأصحاب مصالح في الداخل والخارج، وإلى قوى إقليمية ودولية صاحبة أجندات معروفة، ولهذا فإن مواجهة كل هذه الشبكة تحتاج إلى تنوع في الأساليب والمداخل، وتعدد الاجتهادات والمنابر.

وحتى لا يذهب البعض بعيدا فأنا مثلا لست مقتنعا بفكرة خوض هزلية الانتخابات الرئاسية المقبلة بل أراها شرعنة لفاقد الشرعية، ولكن هذا لا يمنعني من محاورة أصحاب هذه الرؤية والسعي لإقناعهم بما أقتنع به.

لا ينبغي أن تتركز جهود وطاقات مناهضي ومعارضي النظام في مواجهة بعضهم بعضا والتصدي لاجتهاداتهم ومشاريعهم، بحيث يصبح بأسهم بينهم شديد، وبأسهم على خصمهم المشترك وهو عصابة السيسي ضعيف، وتكون النتيجة لكل ذلك هو أن هذه القوى المناهضة والمعارضة هي التي تقوم بتثبيت حكم السيسي بدلا من أنصاره والمستفيدين منه الذين لم ولن يستطيعوا القيام بهذه المهمة حال توحد قوى المعارضة.

ليس سرا أن هدف توحيد قوى المعارضة هو ضرب من الخيال حتى الآن بعد أن نجحت قًوى الثورة المضادة في تفريق المعارضة وتقليب بعضها ضد بعض عملا بمبدأ فرق تسد، ولكن الحد الأدنى المطلوب هو التنسيق وقبول الحوار حول ما يمكن أن يسهم في الخلاص من هذا النظام دون إدعاء لامتلاك الحقيقة المطلقة من أي طرف ، دعونا نجرب
0
التعليقات (0)