مقالات مختارة

الموت يخطف «أوسلو» في عز شبابه

علي الصالح
1300x600
1300x600
يوم الأربعاء الماضي، مرت الذكرى الرابعة والعشرون لتوقيع اتفاق أوسلو، واسمه الرسمي «إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي» بين دولة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، بخلاف الإعلان عنه الذي تم في أجواء «عرس عالمي» لم يسبق له مثيل، احتضنته حديقة الورود في البيت الأبيض، تحت رعاية الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، ولفيف من كبار المسؤولين في العالم، يتقدمهم ممثلون عن روسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي، وزعماء عرب منهم العاهل الأردني الراحل الملك حسين والرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وجمع من كبار المسؤولين في العالم وممثلي الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة.

ولا ننسى طبعا الرئيس الفلسطيني المغدور به ياسر عرفات، الذي لا يزال المسؤول عن رحيله عن هذه الدنيا حرا طليقا، وليس هناك كما يبدو محاولات للكشف عما توصلت له لجنة التحقيق الفلسطينية برئاسة توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح مدير مخابرات الضفة الغربية سابقا، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين الذي قضى اغتيالا أيضا على يد متطرف يهودي، لأنه جنح للسلم، أو هكذا شبه لهم. وشهد على «عقد الصلح» وارين كريستوفر وزير الخارجية الأمريكية وأندريه كوزريف ممثلا عن روسيا الاتحادية.

وسمي باتفاق أوسلو نسبة إلى العاصمة النرويجية أوسلو التي احتضنت المفاوضات الثنائية السرية بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال، وكانت تسير في خط مواز للمفاوضات المتعددة الأطراف، التي اتفق عليها في مؤتمر مدريد الدولي للسلام في أكتوبر 1991.

والآن وقد مرت اربعة وعشرون عاما على إعلان المبادئ، من حقنا أن نتساءل، ماذا بقي منه؟ أو بالأحرى هل مات وشبع موتا؟ أم إنه لا تزال هناك بقايا من هذا الاتفاق الذي فاقت مساوئه، فلسطينيا، حسناته إن كان له حسنات تذكر، عدا حسنة واحدة فقط، وهناك من لا يعتبرها كذلك، وهي عودة عشرات آلاف الفلسطينيين إلى وطنهم، معظمهم من مسؤولي منظمة التحرير، وبعض الفصائل وأفراد عائلاتهم وعسكريي المنظمة، الذين تحولوا من «ثوار» إلى رجال أمن وشرطة بموجب الاتفاق.

الحقيقة أن إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص منذ فشل قمة كامب ديفيد 2000، وزيارة أرييل شارون لساحة الحرم القدسي الشريف، التي فجرت ما أصبح يعرف بانتفاضة الأقصى، أو الانتفاضة الثانية التي سرعان، ومن دون مخطط أو استراتيجية او تنسيق ما، تحولت إلى انتفاضة مسلحة جراء التنافس بين الفصائل المختلفة وأجنحتها العسكرية، في محاولات لكسب الشارع.

إجراءات سلطات الاحتلال هذه وممارساتها، على الأرض لم تبقِ من أوسلو سوى الاسم، وسلطة فلسطينية محاصرة وعاجزة، ليس أمامها خيارات عديدة للخروج من هذا المأزق، بعد أن سحبت دولة الاحتلال كل مقومات السيادة المحدودة التي وفرها اتفاق أوسلو للسلطة الفلسطينية، بإعادة احتلال الضفة الغربية بالكامل. ولن نخوض في جميع تفاصيل الاتفاق والإخفاقات والتراجعات الإسرائيلية، فهذا يحتاح إلى مجلدات، ولكن سنحاول تسليط الأضواء فقط على بعض أهم تراجعات سلطات الاحتلال. 

تقسيم السيادة الأمنية والإدارية بين السلطة الوطنية وسلطات الاحتلال. سيادة السلطة الفلسطينية، أمنيا وإداريا على المناطق المصنفة «أ» وهي مناطق تعادل 18% من أراضي الضفة الغربية، إضافة إلى قطاع غزة طبعا، التي تساوي فقط 22% من مساحة فلسطين التاريخية. وبموجب الاتفاق كان يفترض نقل المناطق المصنفة «ب» التي تخضع إداريا للسلطة يعني إدارة الشؤون البلدية، وأمنيا لقوات الاحتلال، وتعادل حوالي %22 من أراضي الضفة وهذا لم يتم. وانتهى هذا البند وهو عماد اتفاق أوسلو وملحقاته وبروتوكولاته، بإعادة احتلال مناطق (أ و ب) عام 2002.

الأمن والأمان للمواطن: شهدت السنوات الأولى من الاتفاق بعضا من الأمن والأمان للمواطن، لكن ذلك لم يدم طويلا، بل تلاشى بالمطلق وعادت الأمور إلى ما كانت عليه ما قبل الاتفاق بل أسوأ.. وأصبحت عمليات القتل بالجملة، واستخدمت قوات الاحتلال قوتها العسكرية الجبارة، بما فيها المروحيات في عمليات اغتيال وتصفيات قادة فلسطينيين من حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، وحتى حركة فتح. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي (2003 و 2004) وقبلهما أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة، الذي استخدمت في عملية اغتياله طائرتان مروحيتان وصاروخان، بينما كان في مكتبه في رام الله في أكتوبر 2001. طبعا استهدفت إسرائيل بمروحياتها قادة ميدانيين من فتح.. ولا تزال التحقيقات في عملية تصفية الرئيس عرفات عام 20004 مفتوحة. أضف إلى ذلك انتهاك حرمة مناطق السلطة واختطاف معتقلين من سجونها على نحو مهين، كما حصل في سجن أريحا، واختطاف أحمد سعدات الأمين العام للجبهة وعضو المجلس التشريعي، وهدم المنازل في مناطق «أ» بزعم معاقبة منفذي العمليات، ليس هذا فحسب، بل استباحة كل مناطق «أ» واقتحام منازل مطلوبين مزعومين فيها وتصفيتهم.

* تعزيز دور الإدارة المدنية الاحتلالية التي كانت تدير شؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال مؤخرا، وتلاشي دورها مع قيام السلطة، وهذا دليل على عدم الاعتراف الإسرائيلي بوجود السلطة.
انتهاء المرحلة الانتقالية عام 1999 وافتراض إعلان الدولة الفلسطينية، من دون أن يتحقق حلم الدولة. 
* المعابر لاسيما معبر الكرامة: فوفق اتفاق أوسلو وبروتوكولاته تكون للسلطة الفلسطينية المسؤولية عن المعابر، لاسيما معبر الكرامة (الملك حسين/ اللنبي) بمعنى أن رجال أمن السلطة هم الذين يتعاملون مع الداخلين والخارجين من الفلسطينيين، على أن يراقب الإسرائيليون التحركات من وراء زجاج. وقد سحبت هذه السيادة وعادت السيطرة الاحتلالية إلى المعبر.

مطار رفح في جنوب قطاع غزة: دمرته قوات الاحتلال بالكامل.

البناء الاستيطاني ومصادرة الأراضي: بدلا من توقف البناء الاستيطاني تضاعف مرات وزاد عدد المستوطنين إلى نحو ثلاثة أرباع مليون مستوطن. كما تضاعفت مصادرة الأراضي. وإمعانا في ذلك أصدر الكنيست قوانين تسمح بمصادرة أراض فلسطينية خاصة من أجل البناء الاستيطاني.

القدس ومسلسل التهويد المتواصل، رغم أن هذه القضية وفق اتفاق أوسلو متروك البحث فيها، أو إحداث أي تغييرات على الوضع القائم فيها، لقضايا الوضع النهائي، إلى جانب الحدود والمياه والدولة والمستوطنات واللاجئين، إلا أن عملية التهويد والاستيلاء القسري على المنازل بمساعدة «اشقاء عرب» وتغيير معالم المدينة، تسير على نحو أسرع مما هو متوقع.

بروتوكول الخليل: وفقا لهذا البروتوكول تقسم المدينة إلى منطقة H1 وتشكل مساحتها 80% من مساحة المدينة الإجمالية، وتخضع للسيطرة الأمنية والإدارية الفلسطينية مناطق «أ»، ومنطقة 2H وتضم 40 ألف فلسطيني، وأقل من ألف من المستوطنين، وتتركز في البلدة القديمة وتخضع أمنيا لإسرائيل، والإدارة المدنية للسلطة. وضمن ذلك أكد الطرفان التزاماتهما باتخاذ كل الخطوات لإعادة الحياة إلى طبيعتها، بما في ذلك فتح الحسبة كسوق بالمفرق، حيث تباع البضائع بشكل مباشر للمستهلكين من خلال المتاجر الحالية، وإعادة حركة السيارات على شارع الشهداء بشكل تدريجي خلال أربعة أشهر إلى ما كانت عليه قبل فبراير 1994 (مجزرة الحرم التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين، لكن الجانب الإسرائيلي لم ينفذ التزاماته. وإمعانا في فرض السيادة الإسرائيلية على الحرم الإبراهيمي ومحيطه، وفي مخالفة صريحة للاتفاق، أصدرت قوات الاحتلال في31 أغسطس الماضي، أمرا عسكريا بإنشاء مجلس محلي للبؤر الاستيطانية، ومنحها سلطات إدارية بلدية مطلقة لتقديم الخدمات المحلية ولإدارة شؤون مستوطنيها بنفسها، ويعني هذا القرار أن أقل من ألف مستوطن سيتحكمون بـ 40 ألف فلسطيني، ما من شأنه تعزيز الوجود الاستيطاني من خلال تطوير الخدمات المقدمة للبؤر الاستيطانية، والعمل نحو تحسين البنى التحتية التي تخدم وجودها على نحو منفصل عن الفلسطينيين، بالإضافة إلى منع البناء الفلسطيني داخل أحياء البلدة القديمة، وزيادة الضرائب عليهم وإصدار رخص بناء لتعزيز البؤر الاستيطانية وتوسيعها. 

كل ما تقدم غيض من فيض، وتسليط للأضواء على بعض من مسلسل التنكر الإسرائيلي لاتفاق أوسلو، التي يمكن اختصارها بأربع كلمات فقط «إعادة احتلال الضفة الغربية» وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين بدءا من نتنياهو فنازلا عن عدم التزامهم بالاتفاق، الذي لم يتبق منه عمليا سوى بندين اثنين يصبان في مصلحة الاحتلال، وهما التنسيق الأمني واتفاق باريس الاقتصادي. ولم يبق من السلطة الفلسطينية سوى الاسم وبعض الامتيازات التجميلية.

وأختتم بالقول بأن الموت اختطف منا اتفاق أوسلو في عز شبابه، فرحم الله أوسلو وألهم أهله الصبر والسلوان. 

القدس العربي
0
التعليقات (0)