مقالات مختارة

العرب واليونسكو.. حين يعيد التاريخ نفسه

محمد قيراط
1300x600
1300x600
بدأت الكواليس تتحرك والأقاويل تتشعب حول الترشح العربي لرئاسة منظمة اليونسكو، وأصبحت الهواجس تكثر وتتنامى بين المتفائلين والمتشائمين، وذلك تمهيدا لخوض المعركة الانتخابية في شهر أكتوبر من العام 2017، خلفا للبلغارية إيرينا بوكوفا التي ستكون أكملت استحقاقها الرئاسي للمنظمة بدورتين متتاليتين، ومن بين المرشحين التسعة أربعة من الدول العربية: المصرية مشيرة خطاب، واللبنانية فيرا الخوري والقطري حمد بن عبد العزيز الكواري والعراقي صالح الحسناوي. ويتوزع الباقون على الصين وفرنسا وفيتنام وجواتيمالا وأذربيجان. 

العرب مثلهم مثل باقي دول العالم يدفعون مبالغ مالية معتبرة لهذه المؤسسات. المناصب العليا في هذه المنظمات مفتوحة أمام الجميع، بشرط توافر المؤهلات العلمية والخبرة، إضافة إلى العلاقات والعمل في الكواليس للحصول على الأصوات للفوز بالمنصب. أي إن حظوظ الحصول على المنصب تتوقف على العلاقات مع الدول الأعضاء في اليونسكو، ومع سمعة بلد المرشح في المحافل الدولية. تجربة العرب مع اليونسكو لم تكن في المستوى وتكللت بالفشل للحصول على منصب المدير العام. ففي سنة 1999 تقدم العرب بمرشحين لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو، وكان كلا المرشحين يتمتع بسيرة ذاتية ممتازة وبسمعة كبيرة في الأوساط الثقافية والعلمية الإقليمية والدولية، وكانت النتيجة فشل الاثنين في الفوز بالمنصب وفتح المجال وإعطاء الفرصة لشخصية مغمورة ثقافيا للفوز. وعلى ما يبدو فإن التجربة ستكرر نفسها إذا لم يتفق العرب على ترشيح مرشح عربي واحد للمنصب. تجربة اليونسكو والعرب لها دلالات كثيرة ومحددة، أولها: أن فكرة العمل العربي المشترك لا وجود لها في أرض الواقع، فالعمل المشترك غير موجود أساسا، وإن وجد فهو غير ديمقراطي ولا يتسم بالاحترام لجميع أعضاء المنظومة العربية، فهناك من يريد أن يقود ويهيمن ويسيطر وهناك من ينسحب جملة وتفصيلا من المشروع...إلخ.

كيف نفسر الإقبال على الترشيح للمنصب نفسه لمنظمة دولية من قبل أربعة مرشحين عرب؟ أيعقل هذا في ظل منظمة تجمع العرب ومن المفروض أن تدرس وتنظم وتنسق الجهود في إطار ديمقراطي يضمن مصلحة المنظمة قبل مصلحة المرشح وبلده. والملاحظ لعلاقة العرب بالدول الإفريقية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية يدرك غياب استراتيجية واضحة المعالم، للتعامل مع هذه الدول في إطار المنظمات الدولية. وهذا يعني أن هناك خللا كبيرا جدا فيما يتعلق بالتنسيق والعمل على الحصول على الأصوات، والتأييد في المحافل الدولية للفوز بالمناصب التنفيذية العليا. فعلاقة العرب بالاتحاد الإفريقي لا ترقى للمستوى الذي يجب أن تكون عليه، خاصة أن هناك دولا عربية فاعلة في القارة السمراء، مرشحة بكل المقاييس لتأدية أدوار استراتيجية لبناء جسور التعاون والتنسيق بين الدول العربية والدول الإفريقية. ما يقال عن إفريقيا يقال كذلك عن أمريكا اللاتينية وآسيا. هذا يعني أن المنظومة العربية تعاني عزلة شبه تامة في المحافل الدولية؛ نظرا لضعف استثمارها في العلاقات العامة والدبلوماسية العامة مع المنظومات الأخرى، ونظرا لضعف العمل العربي المشترك، ونظرا لغياب عمل منهجي استراتيجي ورؤية واضحة للوصول إلى الآخر وكسب تأييده وصوته، هناك أزمة صورة عند العرب. ومع الأسف الشديد لا يوجد برنامج عمل أو إستراتيجية لتصحيح هذه الصورة وبنائها وفق المعايير المنهجية والعلمية والدولية.

من جهة أخرى نلاحظ أن الوضع قد تأزم أكثر فأكثر بعد انهيار القطبية الثنائية وظهور النظام الدولي الجديد والعولمة، الأمر الذي أثر سلبا على منظمات إقليمية وتجمعات وحركات دولية كحركة عدم الانحياز ومجموعة الـ77.. إلخ.

ظاهرة الإرهاب وإعلان الحرب عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 جعلت العرب في موقع ضعيف جدا، وكأنهم هم المسؤولون عن الأزمات والنكبات التي تحدث في العالم. فصورة العرب هذه الأيام ليست في أحسن أحوالها وهناك مشكلات عديدة فيما يتعلق بالحوار مع الآخر والتواصل مع الحضارات والثقافات الأخرى. فالصور النمطية التي تسيء إلى العرب تنتشر في وسائل الإعلام العالمية وفي الصناعات الثقافية المختلفة، مما أفرز رأيا عاما معاديا للعرب في العديد من بلدان العالم. فالحصول على المناصب العليا في المنظمات الدولية لا يتوقف على شخصية المرشح وسيرته الذاتية وشهاداته العلمية وخبراته فقط، بل هناك أمور أخرى أكثر أهمية تجري في الكواليس وفي الكتل المختلفة من أجل الحصول على الأصوات. نلاحظ أن المجموعة العربية تنقصها الحنكة والتجربة والعمل في الكواليس؛ حيث إنها لم تعرف كيف تلعب ورقة الحصول على الأصدقاء والحلفاء، كما أنها تعاني عزلة داخلية وهي الانقسام القاتل الموجود بين أعضاء المجموعة نفسها. وما يعاب على المجموعة العربية كذلك، كونها تركز على أوروبا وأمريكا وتتجاهل القوى الأخرى في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا. فلدول هذه القارات الثلاث سواء كانت فقيرة أم غنية أصوات في استحقاقات وانتخابات المنظمات الدولية، وهذه الأصوات هي التي تحسم نتائج الانتخابات في نهاية المطاف. فالمعركة على منصب المدير العام لليونسكو بدأت مبكرا بالنسبة للعرب، لكن دون تخطيط ولا استراتيجية ولا تشاور بين دول المنظومة العربية. والحصيلة ستكون التشتت وضياع الأصوات وإعطاء الفرصة للمرشحين الآخرين للحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات والفوز بالمنصب. التجارب السابقة مازالت عالقة في الأذهان، والخاسر الكبير كان العرب؛ لأن عدم التنسيق والتنظيم سيؤدي إلى إضعاف الفرص للفوز.

فهل سيتعلم العرب الدرس؟ وهل سيضعون استراتيجية للتنسيق والعمل المشترك مع التكتلات والمنظومات المختلفة للحصول على مناصب، وللحصول على مقابل عندما يعطون أصواتهم للآخرين. فالمؤتمر العام لليونسكو ومجلسها التنفيذي يتكون من أكثر من 200 دولة، وبذلك يجب الاهتمام بكل هذه الدول إذا أراد العرب المناصب التنفيذية العليا. الإشكال الآخر الذي يطرح بخصوص منصب المدير العام لليونسكو، هو الفضاء الثقافي والفني والفكري والعلمي العالمي وخصوصيته، والمقصود هنا هو ضرورة الاعتماد على النخبة المثقفة العربية في محاورة المثقفين في العالم ومحاورة الآخر للوصول إلى أصوات الدول الأعضاء والمصوتة في اليونسكو وغيرها من المنظمات الدولية.

المشكلة بالنسبة للعرب تتمثل في أزمة المثقف العربي وفي الفجوة الكبيرة بين المثقف والسلطة وفي تهميش وإقصاء المثقف العربي من عملية صناعة القرار، ومن التجارب الفاشلة السابقة للعرب والمحاولات العربية خلال الثـــلاث جولات الماضية، محاولة عام 1999 حين هزم الياباني ماتسورا السعودي الراحل غازي القصيبي، ثم في العام 2009 حين هزمت البلغارية بوكوفا المصري فاروق حسني، وأخيرا في العام 2013 حين فازت بوكوفا مرة أخرى بالولاية الثانية على حساب الجيبوتي رشاد فرح واللبناني جوزيف مايلا.

الشرق القطرية
0
التعليقات (0)

خبر عاجل