مقالات مختارة

مذبحة لاس فيغاس: ذئب منفرد أم ثقافة ذئاب متوحشة؟

عبد الحميد صيام
1300x600
1300x600
سارع تنظيم الدولة «داعش» بتبني مجزرة لاس فيغاس مساء الأحد، التي ارتكبها ستيفن بادوك، وذهب ضحيتها على الأقل 59 شخصا، وأكثر من خمسمئة جريح. وادعت هذه الفئة الضالة أن بادوك انضم إلى عصابتهم قبل شهر فقط. وكأنهم حريصون على ألا يفوتهم شيء يسيء للإسلام والمسلمين، إلا وادعوه لأنفسهم، أو كان لهم منه نصيب.
 
الشيء المهم أن أجهزة الأمن الأمريكية سارعت على الفور لتنفي ادعاء «داعش» وتطلق على المنفذ وصفين: فهو «شخص محلي» و «ذئب منفرد» وكأن الشخص المحلي لا يمكن أن يكون إرهابيا، فإن وجد فهو لا بد أن يكون ذئبا منفردا تسلل إلى المدينة ليقتل. أوصاف تطلق على كل من يرتكب مثل هذه المجازر إذا كان من العرق الأبيض ومن غير المسلمين، أما إذا كان القاتل ينتمي ولو بالاسم أو بالعرق البعيد للإسلام أو المسلمين فيدمغ على جبينه بأنه إرهابي ذميم، ينتمي للفكر الإسلامي المتطرف، حتى لو كان من نوع إسلام عمر متين، الذي ارتكب مجزرة أورلاندو للمثليين يوم 12 يونيو 2016 وهو لا علاقة له بالإسلام. 

الغريب أن بادوك هذا يختلف عن نمط الأشخاص الذين يرتكبون مذابح جماعية. فهو ليس فقيرا، بل من أصحاب الملايين. وهو ليس شابا معدما محبطا لسبب أو لآخر، بل بلغ من العمر 64 سنة أي أنه تجاوز عمر الطيش والمغامرات، ولديه صديقة فلبينية بعثها في إجازة إلى بلدها، وحوّل لها مبلغا كبيرا لتشتري لها ولأهلها بيتا هناك. 

كما أنه لم يخدم في حروب الولايات المتحدة الأمريكية وعاد من أحدها مصابا بمرض نفسي عميق، يدفع لارتكاب مثل هذه الجريمة. ولذلك أعلنت سلطات مكتب التحقيق الفيدرالي، إن دوافع القاتل ما زالت غامضة، وسيمر وقت إلى أن يتم تحليل ما كان يدور في ذهن هذا المجرم الأخطر في التاريخ الأمريكي الحديث، الذي أدخل عشرة صناديق مليئة بقطع السلاح الآلي، واستخدم على الأقل عشر بنادق منها لمدة 11 دقيقة ليردي هذا العدد الهائل من رواد مهرجان الموسيقى الشعبية في مدينة القمار.

تؤكد الدراسات الإحصائية لعمليات القتل الجماعي منذ عام 1982 وإلى الآن أن 63 بالمئة من مرتكبي هذه الحوادث هم من العرق الأبيض، لكن الفرق بين حادثة يرتكبها مسلم مثل حادثة سباق الماراثون في بوسطن، أو حادثة أورلاندو أو الطبيب العسكري نضال حسن، الذي قتل 13 من زملائه العسكريين عام 2009، تتوجه التهمة الجماعية من غالبية الشعب الأمريكي إلى المسلمين عموما في هذه البلاد، ويتحول الحديث إلى مدى إخلاصهم للدولة التي يحملون جنسيتها. يتوجس أبناء جالياتنا هنا في المهجر الأمريكي الشر، فيتحاشون السير في الليل بصحبة نساء محجبات، وتزيد الرقابة على المساجد وأماكن تجمعات العرب والمسلمين، ويشعر كل فرد فينا أنه مراقب ومتهم ومشكوك في ولائه. كما يشعروننا بأننا غرباء، علما أن الغالبية الآن من العرب والمسلمين هم من مواليد هذه البلاد، ونسبة التعليم لديهم أعلى من نظرائهم من الأعراق الأخرى. 

بعد كل حادثة تشمل اسما مسلما حتى لو كان من مواليد هذه البلاد ترتفع كذلك نسبة التهديدات والمضايقات، وأحيانا أعمال العنف ضد العرب والمسلمين، ولا أحد يهتم إذا كان مرتكب الجريمة من مواليد هذه البلاد أم لا.

ولشدة الضغوط التي مارسها المتطرفون وأعضاء الحزب الجمهوري لمراقبة الجاليات العربية والمسلمة في هذه البلاد، شرّع الرئيس السابق باراك أوباما برنامجا لتعقب الراديكالية الإسلامية بين الجاليات، تحت حجة «العمل الوقائي لمواجهة الإسلام الراديكالي المحلي» بهدف مراقبة وملاحقة المسلمين المتطرفين واعتقالهم قبل أن يمارسوا الإرهاب. وبدأ تنفيذ البرنامج في مدن أربع هي مينيابوليس وبوسطن وواشنطن العاصمة ولوس أنجلوس. بالتأكيد لن يخضع للمراقبة شخص مثل ستيفن بادوك أو ديلان رووف، الذي قتل تسعة مصلين في كنيسة في شارلستون بكارولاينا الجنوبية عام 2015، ولا آدم لانزا الذي قتل عشرين طفلا في مدرسة بمدينة نيوتون بولاية كناتكت. هؤلاء غير معنيين ببرنامج احتواء وإفشال الراديكالية الإسلامية لأنهم من الجنس الأبيض ومن غير المسلمين، ولا يمكن أن يكونوا موضع ريبة أو مساءلة. وإن ارتكب أحدهم مجزرة مروعة فالوصفات التبريرية جاهزة، فالقاتل ذئب منفرد أو أنه غير متوازن عقليا، أو أصيب بصرعة جنون مفاجئة أو «فرد محلي» كما أطلق على بادوك. باختصار لقد أصبحت الهوية الإسلامية في هذ البلاد تعبر عن وجود جمعي من جهة، وانتماء خارجي، مقابل هوية الأبيض التي تعبر عن فردية وأصالة في الوقت نفسه.

أي أن المسلمين في غالبيتهم مذنبون كمجموعة لتصرف فرد، وغرباء كمجموعة لأن أحدا من بينهم لم يكن منتميا تماما لهذه البلاد. والعكس صحيح عند البيض فمرتكب الجريمة فرد مجنون أو ذئب منفرد، لأن البيض أفراد لا يحمل أحدهم وزر المجرم، وهم أصيلون في هذه البلاد. هذه قمة النفاق وازدواجية المعايير والوصفة الأكيدة لمزيد من الاغتراب والتهميش والانطواء عند المسلمين في هذه البلاد.

العنف واستخدام المسدس جزء من ثقافة هذه البلاد، التي قد تكون الدولة الوحيدة في العالم الذي أجري تعديل رئيسي يدعى»التعديل الثاني» على دستورها، للسماح للأفراد بحمل السلاح. وقد اعتمد بتاريخ 15 ديسمبر 1791. وقد قامت محاولات من أنصار ضبط عملية اقتناء الأسلحة الفردية لإلغاء التعديل الثاني واعتباره غير قانوني، إلا أن المحاولات باءت بالفشل وكان آخرها في مقاطعة كولومبيا عام 2008، إذ رأت المحكمة العليا أن «التعديل الثاني يحمي حق الفرد في امتلاك سلاح لأسباب قانونية كالدفاع عن النفس وحماية البيت». 

فالعنف أصبح جزءا من النسيج الاجتماعي لهذه البلاد فلا يوجد بلد في العالم خاض الحروب كما خاضتها هذه البلاد، وما زالت تخوضها في زوايا العالم الأربع، بما فيها حرب أهلية بين عامي 1861 و1865 خلفت ملايين القتلى. كما تعززت ثقافة المسدس الذي استخدم للاغتيالات العديدة مثل، أبراهام لنكولن وجون كيندي وروبرت كيندي ومالكوم إكس ومارتن لوثر كنغ وغيرهم.

وعكست السينما الأمريكية هذه الثقافة التي أبدعت في إنتاج الأفلام المفرطة في العنف من أفلام الكاوبوي إلى أفلام الخيال العلمي، وصولا إلى موجة أفلام الإرهاب. وفي معظم هذه الأفلام يكون الرجل الأبيض هو المنتصر الذي يهزم الشر المتمثل في الغرباء أو ذوي البشرات المختلفة، سواء من السكان الأصليين أو السود، والآن العرب والمسلمين. وما يقال عن السينما يقال عن التلفزيون والكرتون وحتى الألعاب الإلكترونية.

ثقافة العنف تجسدت أيضا في انتشار الميليشيات المحلية التي يقدر بعض المتخصصين أعدادها بمئة ألف فرد، بعضهم يتدرب على السلاح علنا في معسكرات سرية وغير سرية. 

وقد أكدت إحصائيات مكتب التحقيق الفيدرالي وقوع 32 هجوما مسلحا بين عامي 1989 و1993 استهدفت عددا من المباني الحكومية. وقد ارتكب متطرفون أمريكيون 28 هجوما من هذه الهجمات ضد مؤسسات تربوية وتعليمية. وفي عام 1993 وحده أدت العمليات الإرهابية المحلية إلى سقوط 1445 بين قتيل وجريح. ومن بين 169 عملا إرهابيا أحصاها مكتب التحقيق الفيدرالي منذ عام 1982 وحتى الربع الأول من عام 1995 ثبت ارتكاب متطرفين يهود 16 هجوما إرهابيا استخدمت فيها الأسلحة النارية والمتفجرات الموقوتة، بينما نفذت عناصر عربية وشرقية ثلاث هجمات مسلحة فقط، وارتكبت جماعات يمينية متطرفة 129 عملا إرهابيا، مقارنة بـ21 حادثا ارتكبتها جماعات يسارية. وقد كان انفجار أوكلاهوما سيتي في 19 أبريل 1995 واحدا من أسوأ الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة على يد تيموثي ماكفي موقعا 186 قتيلا و400 جريح.

ثقافة العنف وحسم الخلاف عن طريق المسدس شيء متأصل هنا في هذه البلاد فمعدل ما يرتكب في مدينة مثل شيكاغو أو فيلادلفيا في أسبوع واحد يزيد عما يرتكب في الصين في سنة كاملة. ففي عام 2015 فقط قتل في هذه البلاد 13286 شخصا وجرح 26819. وهذه الأرقام تعطيك فكرة عن ثقافة العنف.

ولحماية ثقافة العنف وحمل المسدس لا بد أن نتذكر، أن أقوى قوة ضغط في الولايات المتحدة بلا منازع هي «الرابطة الوطنية للبندقية» التي تتفوق على جماعة إيباك المؤيدة لإسرائيل. تقف الرابطة بالمرصاد لكل من يحاول أن يضبط عملية بيع واقتناء والاتجار بالأسلحة الفردية. وإلى أن يتم ذلك سنبقى ننتظر أخبار مجزرة أخرى لا نعرف أين ومتى ستقع، ولكنني واثق أنها مقبلة وقد تكون ضد المسلمين ما دامت شيطنتهم مستمرة واتهامهم بعدم الولاء للدولة التي يعيشون فيها متواصلا.

القدس العربي
0
التعليقات (0)