قضايا وآراء

الفقه الإسلامي وحق الحيوان في الغذاء

عصام تليمة
1300x600
1300x600

بين الحين والآخر يخرج علينا بعض الجهلة بتراثنا الإسلامي، وفي القلب منه الفقه الإسلامي، مثيرين الغبار عليه بغية تشويهه، والحط من شأنه، خارجين ببعض نصوص منزوعة من سياقها، موهمين الناس أن هذا الفقه والتراث مملوء بالكوارث، وأنه كله لا يبشر بخير، ولا يشرف هذه الأمة، وهو كلام ينطلق من جهل وغباء في آن واحد، وربما عن عمالة في بعض الأحيان، فهذا الميراث الضخم لا يوجد في أمة من الأمم، ونتناول اليوم صفحة من هذا التراث ليرى الجميع ما في فقهنا الإسلامي من روعة وعظمة؛ لا تتوافر في كتب القانون والتشريع الغربي أو الشرقي، وهي قضية التعامل مع الحيوان وحقوقه، وتحديدا حق الحيوان في الغذاء، لنرى نصوصا تبهر العالم بهذا السبق والإنسانية في هذا الفقه العظيم.

 

لقد تناولت معظم كتب الفقه المذهبي (حنفي، ومالكي، وشافعي، وحنبلي، وغيرهم) حق الحيوان في الغذاء، في موضوع الأسرة وحق كل من يعيش في بيت المسلم من إنسان أو حيوان، أو طائر، أو حشرات، وتناولوه تحت باب: نفقة الأقارب والرقيق والبهائم، وأكتفي بنقل نص واحد من المذهب الشافعي حتى لا يطول بنا الحديث، ففي المذهب الشافعي ما يلي: 

 

(للبهيمة ثلاثة أحوال:
إحداها: أن تكون معلوفة، لا ترعى، فعليه أن يعلفها، ويسقيها حتى ينتهي إلى أول شبعها وريها، دون غايتها، وليس له أن يعدل بها إلى المرعى إذا لم تألفه.

 

الثانية: أن تكون راعية، لا تعلف، فعليه إرسالها في المراعي حتى تشبع من الكلأ وتروى من الماء، ويعتبر في هذه الحالة أمران:

 

أحدهما: أن يكون في الموضع الذي ترعى فيه ماء مشروب.

 

والثاني: ألا يكون فيه سباع، فإن لم يتهيأ له ذلك كانت القسم الأول.

 

والثالثة: أن تكون جامعة بين الأمرين، فإن كانت مكتفية بكل منهما كان مخيراً؛ وإن لم تكتف إلا بهما فعليه الجمع بينهما.

 

قال: ولا يحمل ما يضر بها بالقياس على العبد.

 

قال: ولا يحلب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها؛ لأنه خلق الغذاء للولد؛ فلا يجوز منعه منه كما في ولد الأَمة. والمراد: أن يفضل عما يقيمه؛ حتى لا يموت، كذا قاله الروياني.

 

وذكر في (التتمة): أنه لا يجوز الحلب إذا كان يضر بالبهيمة لقلة العلف، وأنه يكره تركه إذا لم يكن في الحلب إضرار بها؛ لما فيه من تضييع المال، والإضرار بالبهيمة. وأن المستحب ألا يستقصي في الحلب، ويبقى في الضرع شيء. وأن يقص الحالب أظفاره؛ كي لا يؤذيها بالقرص.

 

والنحل يبقى له في الكوارة شيء من العسل إلا أن يكون الانتشار في الشتاء، ويتعذر الخروج؛ فيبقى له أكثر، وإن قام مقام العسل شيء آخر لم يتعين إبقاء العسل، وقد قيل: تشوى دجاجة وتعلق على باب الكوارة؛ فيأكل منها.

 

وديدان القز تعيش بورق الفرصاد، فعلى مالكها تخليتها لتأكل منه، وإذا جاء وقت استكمالها الغزل جاز تجفيفها بالشمس وإن كانت تهلك؛ لتحصيل فائدتها.

 

قال: وإن امتنع من الإنفاق على رقيقه أو بهيمته - أجبر على ذلك، أي: إذا كان له مال ولكنا لم نصل إليه؛ لأنه حق وجب عليه القيام به، فإذا امتنع من أدائه، أجبر عليه؛ كنفقات الزوجات.

 

وكيفية إجباره: أن يؤمر بالإنفاق عليه، أو بأن يبيعه، أو يؤجره إن أمكن إيجاره، أو يعتقه إن كان يمكن أو يذبح ما يحل أكله. أما إذا كان له مال ظاهر فيباع عليه). انظر: كفاية النبيه في شرح التنبيه (15/269). ونفس الكلام تجده في كتب المذهب الشافعي التالية: البيان للعمراني (11/273،272) ومغني المحتاج للشربيني (5/901-904) وكفاية الأخيار للحصني ص: 584،583. والحاوي الكبير للماوردي (11/532،531). 

 

هذا نص تشريعي قانوني حقوقي حضاري، قال نصه مختصرا الإمام الشافعي في القرن الثاني من الهجرة، أي القرن الثامن الميلادي تقريبا، ثم شرحه تلامذة المذهب، وعلى غراره بقية المذاهب الأربعة وغيرها، وهو نص يبين حق الحيوان في الغذاء، وعند حلبه لا بد من عدم إيذائه وجرحه، وعدم إضرار وليده الصغير بحرمانه من لبن الأم، لو قارنا هذا بالأجهزة التي توضع الآن للحيوان لحلبه دون أي مراعاة لحقه، ولا للرفق به، لرأينا كيف كان فقهنا متقدما سباقا في هذا المجال، وقد نقلت هذا النص ليقف شبابنا وأبناء هذه الأمة على قيمة وعظمة الفقه الإسلامي، وهذه الثروة العلمية والقانونية والأخلاقية التي لا توجد في أمة من الأمم، وليكشف عن زيف وبطلان ما يدعيه المدعون على تراثنا، وفي آلاف النصوص منه ما يسير على نفس الخطى، في جميع المجالات والميادين.

 

[email protected]

0
التعليقات (0)