صحافة دولية

فورين أفيرز: هل هناك مشكلة تدعى الإرهاب الأوزبكي؟

فورين أفيرز: إرهاب الأوزبك ناتج عن صعوبة الاندماج في البلدان المستضيفة- أ ف ب
فورين أفيرز: إرهاب الأوزبك ناتج عن صعوبة الاندماج في البلدان المستضيفة- أ ف ب

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للأستاذة في جامعة جورج واشنطن والباحثة في الشأن الروسي مارلين لوريل، تقول فيه إن الهجوم الإرهابي الذي وقع في مانهاتن هذا الأسبوع على يد شخص من أوزبكستان، جاء بعد عدد من الاعتداءات والتفجيرات التي تمت على يد أناس من ذلك البلد أيضا.

 

وتشير لوريل في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "إطلاق النار في رأس السنة في اسطنبول قام به مواطن أوزبكي، اسمه عبد القادر مشاريبوف، وهناك رحمة أكيلوف، وهو أوزبكي آخر، رفض طلب لجوئه، وقام بهجوم في ستوكهولم في شهر نيسان/ أبريل، بالإضافة إلى أن التفجير في مترو سان بطرسبيرغ قبل أيام قليلة قاده أكبرزون جاليلوف، وكان أوزبكستيا ولد في قرغستان، وكان يحمل الجنسية الروسية".

 

وتبين الكاتبة أنه في ضوء تلك الهجمات، فإن الإعلام الغربي قام بمحاولة اكتشاف العلاقة بين أوزبكستان والإرهاب الديني، فناقش مثلا إشكالية "التطرف في آسيا الوسطى"، و"كيف أصبحت أوزبكستان مرتعا للتطرف العنيف والتشدد"، مستدركة بأن تلك التحليلات كانت مبسطة جدا.

 

وتلفت لوريل إلى أنه "منذ استقلال أوزبكستان عام 1991، فإنها كانت أكثر دول آسيا الوسطى قمعا من ناحية الدين، حيث سجن فيها عدة آلاف وعذب بعضهم بحجة ميولهم الإسلامية، وخطب الجمعة توزعها الدولة، ويطلب من الأئمة قراءتها كما هي دون إضافة أي تعليقات خاصة بهم، والتعليم الديني على أدنى مستوى، ويمنع للصغار، وتمنع الكتب الدينية المستوردة، ويواجه من يدرس الدين في الخارج صعوبة في إيجاد وظيفة لدى العودة إلى بلده".

 

وتعلق الباحثة قائلة: "قد يبدو من المنطقي أن مثل هذا القمع يؤدي إلى ارتفاع في العنف الإسلامي محليا، وقد أعلنت العديد من المنظمات غير الحكومية والخبراء الأمنيين بأن التطرف قادم، لكن إلى الآن لم يظهر هذا التوجه، وآخر هجمات إرهابية تعود للنصف الأول من العقد الأول من الألفية الثانية، وكانت المخابرات قادرة على تفكيك التنظيمات الدينية السرية المسيسة، وحتى عندما استضافت أوزبكستان شبكة توزيع الشمال التابعة للناتو (2009 – 2014)، حيث كانت تقوم بنقل المعدات وقوات الناتو من وإلى أفغانستان، لم يقع أي هجوم إرهابي على السكك الحديدية، وفي المقابل فإن هناك هجمات مستمرة على خطوط إمداد الناتو في باكستان".  

 

وتجد لوريل أن "ما حصل هو أن الحركات الإسلامية المحلية، مثل حركة أوزبكستان الإسلامية سيئة السمعة، هربت من القمع إلى خارج البلد، وفي تسعينيات القرن الماضي انضم عدة مئات من إسلاميي أوزبكستان إلى حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان، ثم انسحبوا إلى وزيرستان في باكستان، قبل أن يأتي تنظيم الدولة ويقسمهم، بعضهم أراد أن يحارب الوجود الغربي في أفغانستان، وآخرون أرادوا أن ينقلوا المعركة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط؛ للاستفادة من الاهتمام الإعلامي".

 

وتفيد الكاتبة بأن "حركة أوزبكستان الإسلامية تفككت إلى عدة كيانات متنافسة، وبقي جزء منها في منطقة أفغانستان/ باكستان، ولكن الأكثرية انتقلت إلى سوريا، وانضم بعض المقاتلين إلى تنظيم الدولة، فيما انضم آخرون إلى جبهة النصرة، وبحسب أبحاث من منظمة (يو أس ايد)، فإن عدد المقاتلين من أوزبكستان مع تنظيم الدولة في العراق وفي سوريا، وصل في عامي 2014-2015، من 1000 إلى 2000 مقاتل، (من بين حوالي 10 آلاف مقاتل أجنبي وربما أكثر)، وقتل كثير منهم، وعاد عدد منهم إلى أفغانستان وباكستان، وبعضهم انتقل إلى ساحة المعارك التالية في ليبيا، وبعضهم سيحاول الهجرة إلى روسيا وتركيا والغرب".

 

وتستدرك لوريل بأنه "مع ذلك، وعلى خلاف حال الدول الأخرى التي تخشى عودة المقاتلين المتطرفين، فإن أوزبكستان لن تشهد أي عودة تقريبا، هؤلاء أصبحوا جهاديين عالميين، فقدوا الصلة ببلدهم، ولا يهتمون بتطورها". 

 

وتنوه الكاتبة إلى أنه "عدا عن مجموعة الأوزبكيين المتطرفين الذين غادروا في تسعينيات القرن الماضي، فإن هناك عددا من الأوزبكيين الذين تم جرهم للتطرف حديثا، بعد أن انتقلوا من بلدهم هروبا من النظام القمعي، أو للبحث عن عمل أفضل في الخارج، وهؤلاء هم الإرهابيون الذين يقومون بالأعمال الإرهابية هذا العام".

 

وتقول لويل إن "هناك ما بين مليونين وثلاثة ملايين أوزبكي مهاجر في روسيا، بعضهم فقدوا الصلة بمجتمعاتهم الوطنية، وانجروا للتطرف على الإنترنت، ويمكن قول الأمر ذاته بالنسبة للأوزبكيين الذين يعيشون في المنفى في تركيا -وأعدادهم تصل إلى عشرات الآلاف-، وفي أمريكا وأوروبا الغربية يصل عددهم إلى 300 ألف، واعتقل عدد منهم في العقد الأول من القرن الحالي في ألمانيا وأمريكا؛ بتهم التخطيط لارتكاب أعمال إرهابية، ومع أن تلك المجموعة كانت مرتبطة بحركة أوزبكستان الإسلامية، أو ورثتها مثل الجهاد الإسلامي، إلا أن الإرهابيين الجدد (2017) ليسوا جزءا من أي شبكة عميقة، لكنهم استلهموا أفعالهم من الهجمات التي تمت في العواصم الأوروبية".

 

وتذهب الكاتبة إلى أنه "حتى مع انتشار ما يسمى بمشكلة الإرهابيين الأوزبك في الخارج، فإن أوزبكستان تبقى خالية من العنف الإرهابي، وفي الوطن هناك تزايد في الهوية الإسلامية بشكل سلمي، فالأجيال الجديدة تفخر أكثر بهويتها الدينية؛ فهم يصومون شهر رمضان، ويتصدقون أكثر من الأجيال السابقة، وبعض الشباب يدعون لحرية إظهار شعارات التي تدل على التدين في المساحات العامة، كما يدعو العديد لدمج التعليم الديني في المناهج المدرسية، بالإضافة إلى أن هناك نقاشا في حاجة النساء للبس الحجاب أم لا، وكثير من التجار يقومون ببناء المدارس والمساجد".

 

وتقول لويل: "من المحتمل أن القمع الديني بدأ بالتراجع، فعلى مدى العامين الماضيين من حكم الرئيس إسلام كريموف، كان هناك تغير خجول، لكنه ملموس في موقف الحكومة من الدين، فخوفا من دعاية تنظيم الدولة القوية، وشعورا بالحاجة لإرضاء الشباب الأكثر تدينا، أطلقت السلطات عدة مواقع إنترنت، يرأسها رجال دين ودعاة بارزون للترويج للإسلام (الصحيح) -أي الذي لا يتدخل بالسياسة- فبعد وفاة كريموف في أيلول/ سبتمبر من عام 2016، وصعود شوكت ميرزيوييف، فإن هناك إصلاحات بطيئة، وأحد الجوانب هو تخفيف علمانية الدولة؛ حتى تستطيع التعايش مع الإسلام، ويتم استيعاب الإسلام، وإعادة إدماجه في الخطاب السياسي". 

 

وترى الباحثة أن "القمع الديني والتلويح بالحرية لم يؤثرا على التطرف في أوزبكستان، لكن القمع ويرافقه وضع اقتصادي سيئ يشجعان الناس على الهجرة؛ أملا في تحقيق مستوى حياة أفضل، وفي الخارج، حيث يفقد الشخص دعم مجتمعه وعائلته ومعارفه، فإن الشخص قد يجد نفسه عرضة للتطرف".

 

وتختم لويل مقالها بالقول إنه "لذلك، فإن إرهاب الأوزبك في أوروبا وأمريكا ليس ناتجا عن سياسات أوزبكستان مباشرة، لكنه ناتج عن صعوبة الاندماج في البلدان المستضيفة، وإن أراد صناع القرار أن يحدثوا فرقا فإنهم يحتاجون للبحث عن العوامل المحلية، التي قد تدفع بالمهاجرين للتطرف هنا في أمريكا، وألا ينظروا للبلد على أنه ضحية لتصدير العنف من بلد آخر".

التعليقات (0)