مقالات مختارة

بريتي باتيل وإسرائيل: انتهاك فظيع للعرف الدبلوماسي

بيتر أوبورن
1300x600
1300x600

ضُبطت إسرائيل تارة أخرى متلبسة بمحاولة التأثير على العملية السياسية البريطانية. فقد تواترت أنباء عن عقد وزيرة التنمية الدولية بريتي باتيل اجتماعات سرية في إسرائيل دون إطلاع وزارة الخارجية، الأمر الذي يؤكد على وجود نمط بات راسخاً ومزعجاً في نفس الوقت.

يذكر هذا الأمر بما حدث في وقت مبكر من هذا العام عندما ضُبط "مسؤول سياسي" غامض في السفارة الإسرائيلية اسمه شاي ماسوت متلبسا وهو يقول في مقطع فيديو مسجل إنه يرغب في الإطاحة بالوزير في وزارة الخارجية ألان دانكن.  

من الطبيعي أن تلجأ كل السفارات الأجنبية إلى العمل بهدوء وخلف الكواليس مع الحكومة البريطانية. إلا أن ما كشف عنه جيمس لانديل، المراسل الدبلوماسي المحترم لدى البي بي سي، يثبت أن الوزيرة باتيل قد تجاوزت بمراحل حدود السلوك المقبول. 

تجاوز حدود السلوك المقبول بمراحل

تصور موجة الغضب التي كنا سنشهدها لو أن باتيل رتبت سلسلة من اللقاءات الخاصة مع رجال أعمال ومسؤولين سياسيين كبار في روسيا بينما هي في زيارة خاصة إلى موسكو ودون أن تخبر وزارة الخارجية بذلك. لو حصل مثل ذلك لانفتحت عليها كل أبواب الجحيم ولأجبرت باتيل بكل تأكيد على الاستقالة. 

نفس الشيء كان سيحصل لو أن باتيل فعلت نفس الشيء بينما كانت تقضي الإجازة في الولايات المتحدة، الحليف الأقرب لبريطانيا. ولكان سلوكها قد اعتبر بحق انتهاكاً فظيعاً للعرف الدبلوماسي. 

ويبدو أن وزيرة التنمية الدولية قد خالفت مدونة قواعد السلوك التي ينبغي لجميع الوزراء الالتزام بها واحترامها. 

تنص هذه المدونة على أنه "يتوجب على الوزراء ضمان عدم نشوء أي تصادم، أو ما قد يعطي الانطباع بحدوث تصادم، ما بين واجباتهم العامة ومصالحهم الخاصة، سواء كانت مالية أو غير ذلك". وكان الصحفي لانديل قد نقل عن مصدر مطلع عن أحد المسؤولين المقربين من باتيل في وزارة التنمية الدولية قوله إنها كانت في إجازة خاصة وأنها دفعت تكاليفها من جيبها الخاص. 

ذلك جيد وحسن. ولكن إذا كانت تقضي إجازة خاصة، فكان يتوجب عليها ألا تمزج بها عقد اجتماعات من الواضح أنها ذات علاقة بدورها كوزيرة في الحكومة. 

تحت جناح الناشط في اللوبي المؤيد لإسرائيل

تنفق بريطانيا حالياً ما يقرب من 85 مليون دولار سنويا على شكل مساعدات للضفة الغربية وقطاع غزة، ومعظم هذه الأموال تأتي من ميزانية الوزارة التي تترأسها باتيل. 

وقد عرف منذ وقت طويل أن وزيرة التنمية الدولية كانت تعارض بعض هذا الإنفاق على فلسطين. وزاد من الطين بلة أن باتيل كان يرافقها في جزء من رحلتها ستيوارت بولاك، عضو مجلس اللوردات وأحد أقوى النشطاء في اللوبي داخل ويستمنستر. 

كان بولاك لما يقرب من خمسة وعشرين عاماً وإلى أن تقاعد أخيراً يشغل منصب مدير "أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين"، تلك المنظمة التي وصفها ذات مرة المؤرخ المحافظ وعضو البرلمان عن حزب المحافظين روبرت روديس جيمس، وتحديداً في عام 1995، بأنها "أكبر منظمة في أوروبا الغربية مسخرة لخدمة قضية شعب إسرائيل".

ولذلك لم يكن مستغرباً أن يتحدث لانديل عن وجود حالة من الغضب داخل وزارة الخارجية وأن ينقل عن وزير سابق تساؤله: "ما الرسالة التي يوجهها إلى بقية دول الشرق الأوسط تقرير مفاده أن وزيرة في الحكومة البريطانية تتحمل المسؤولية عن ميزانية ضخمة للمساعدات اختفت لما يقرب من ثمانية وأربعين ساعة بينما هي في إجازة عائلية في إسرائيل وبرفقتها ناشط في اللوبي المؤيد لإسرائيل؟".

في وقت مبكر من هذا الأسبوع استقال وزير الدفاع مايكل فالون بعد نشر تقرير أفاد بأنه وضع يده على ركبة مراسلة سياسية قبل ما يزيد عن عشرة أعوام. 

سوف يرى كثير من الناس أن التجاوز الذي صدر عن الوزيرة باتيل أخطر بكثير من قضية الوزير فالون. ولذلك يحار المرء في مثل هذه الظروف إزاء موقف مكتب رئيسة الوزراء، والذي وصفه لانديل بالموقف المنافح عن المغامرة التي قامت بها الوزيرة. 

تصور لو أن ذلك حصل في الضفة الغربية

تصور فقط لو أن الوضع كان معكوسا. لنفترض أن الوزيرة البريطانية سافرت إلى الضفة الغربية في إجازة خاصة ثم عقدت سلسلة من اللقاءات مع رجال أعمال ومع سياسيين فلسطينيين بارزين. 

فقط تصور الغضب المبرر الذي كانت ستعبر عنه الحكومة الإسرائيلية لو أن مثل هذا السلوك انكشف أمره للعامة. لنجم عن ذلك جدال دولي صاخب ولتبعه اعتذار رسمي من الحكومة البريطانية. 

ومع ذلك لم تحرك تيريزا ماي ساكناً، وتصرفت كما لو أن التدخل الإسرائيلي في شؤون السياسة البريطانية لا يعنيها. ونذكر هنا بأن وزارة الخارجية لم تكن قد أبدت أي اهتمام بإجراء تحقيق في الأدلة التي قدمتها قناة الجزيرة القطرية على أن شاي ماسوت كان يتدخل في شؤون السياسة البريطانية. 

وبالفعل، فقد أعلن ناطق باسم الخارجية البريطانية بأن القضية قد أغلقت خلال ساعات من تسليط الضوء عليها. وها هي الخارجية الآن تصمت كصمت القبور إزاء ما فعلته باتيل. ما أخشاه هو أن هذه القضية تنبه إلى وجود مشكلة بنيوية بالغة الخطورة في المنظومة السياسية البريطانية. 

لا يسمح لإسرائيل فقط بتجاوز الأبواب المغلقة، بل يسمح لها بالعبث بالعرف الدبلوماسي وإجراءاته المعهودة، وتسمح لهم حكومة تيريزا ماي بكل سرور وانشراح بالإفلات من كل مساءلة ومحاسبة. فبحسب ما ورد في تقرير للبي بي سي، ساعد السفير الإسرائيلي في لندن في ترتيب واحد على الأقل من سلسلة الاجتماعات التي عقدتها بريتي باتيل، رغم أن السفير البريطاني في تل أبيب دافيد كواري لم يحط علماً بشيء من ذلك. 

ينعكس ذلك بشكل سلبي جداً على الحكومة البريطانية، وبشكل سيء جداً على حزب المحافظين، والأهم من ذلك كله أنه يثير تساؤلات مقلقة حول علاقة بريطانيا بإسرائيل. إذ كيف يمكن لبريطانيا أن تلعب دور الوسيط النزيه في الشرق الأوسط إذا كان يسمح لوزرائها بالإفلات من المساءلة والمحاسبة على مثل هذا النوع من السلوك؟ 

كيف يمكن للفلسطينيين بحال أن يثقوا ببريطانيا؟ والجواب هو أنه لا يسعهم ذلك. 

التخلي عن الالتزام

وقد يفسر هذا الحدث الشيء الكثير مما كان متضارباً ومفارقاً للصواب أثناء مأدبة عشاء الليلة الماضية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو وتيريزا ماي، بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لوعد بلفور. 

طبعاً، كان من الصواب أن يحصل هذا العشاء: فقد كان وعد بلفور في عام 1917 حدثاً بالغ الأهمية لأنه ساعد في ولادة دولة جديدة بعد ثلاثة عقود من صدوره. 

إلا أنه كان يتوجب على ماي أن تتحرى الإنصاف وعدم الانحياز. كان ينبغي عليها ترتيب لقاء مع كبار السياسيين الفلسطينيين تماماً كما فعلت مع نتنياهو. ولكنها لم تبذل أدنى جهد في هذا السبيل. 

يمكن أن نتفهم عدم دعوة ممثلين عن السلطة الفلسطينية في رام الله إلى ذلك العشاء، ولكن لماذا لم يستشاروا؟ علينا أن نتذكر بأن وعد بلفور لم يلزم بريطانيا فقط بإقامة وطن قومي يهودي، بل وألزمها أيضاً بفعل كل ما في وسعها لحماية حقوق الشعب الفلسطيني. 

هذا بكل وضوح التزام تخلى عنه البريطانيون وعهد خانوه. ومثل هذا الجور والانحياز يسري في كافة أنحاء المنظومة السياسية البريطانية. خذ على سبيل المثال العديد من المناسبات التي نظمها الفلسطينيون خلال الأسبوع المنصرم للتذكير بقضيتهم وسرد القصة من وجهة نظرهم، إلا أن تيريزا ماي لم تكلف نفسها عناء حضور أي من هذه النشاطات، ولم يفعل ذلك أي من وزراء حكومتها. 

لماذا لم يحصل تحقيق؟

وإليكم فكرة أخيرة تتعلق بقصة بريتي باتيل. في الأسبوع الماضي أمرت تيريزا ماي أمين عام رئاسة الوزراء جريمي هايوود بالتحقيق في ادعاءات وجهت ضد الوزير مارك غارنيير بأنه تصرف بشكل غير لائق مع أحد مساعديه السابقين. 

هذا في العادة من الشؤون التي يكلف بالتعامل معها مكتب "عريف" نواب المحافظين في البرلمان بالتعاون مع رئيس مؤتمر الحزب. 

إلا أن التواصل غير المصرح به وغير المتفق عليه مسبقاً من قبل الوزيرة باتيل مع مسؤولين إسرائيليين كبار، ودون إشعار وزارة الخارجية، أمر أخطر شأناً من أن يترك لأمين عام رئاسة الوزراء. 

نريد أن نعرف من بالضبط هم الذين التقت بهم الوزيرة باتيل. لقد نقل الصحفي لانديل ادعاءات، دون أدلة تؤكدها، بأنها لربما سعت للحصول على تمويل لدعم حملتها للتنافس على زعامة الحزب. 

فهل تعرضت باتيل لضغوط حتى تقلص التمويل البريطاني للمشاريع الفلسطينية؟ وما الذي ناقشته بالضبط حينما التقت بزعيم حزب "ييش آتيد" ووزير المالية الإسرائيلية السابق يائير لابيد؟ ولماذا لم تخطر وزارة الخارجية؟ وهل جرى إبلاغ المسؤولين في الوزارة التي تترأسها؟ وهل كان مكتب رئيسة الوزراء على علم بذلك؟ وإذا كان الجواب بنعم، فهل أقرتها رئاسة الوزراء على فعلتها؟

ولماذا لم يرافقها موظفون من الوزارة؟ ولماذا كان السفير الإسرائيلي على علم برحلتها بينما لم تعلم بها وزارة الخارجية؟ ومن هم الأشخاص الآخرون الذين التقت بهم أثناء هذه الزيارة غير المصرح بها؟

تلك أسئلة خطيرة ما من شك في أن أي رئيس وزراء بريطاني لديه أدنى إحساس بالكرامة سيرغب في معرفة الإجابات عليها. ولذلك فإننا نطالب بتحقيق حكومي رسمي في خلفيات وتفاصيل زيارة الوزيرة باتيل إلى إسرائيل، ونطالب بإعلان نتائج التحقيق فيها على الملأ. 

وإذا ثبت وجود سوء تصرف فإنه سيتوجب على الوزيرة باتيل أن تؤنب، وإذا كان ضرورياً أن تعتذر، على تجاوزها لمعايير وإجراءات الحكومة في هذا المجال. 

إلا أن تيريزا ماي لم تعبر عن أي فضول في معرفة ما جرى. والرسالة التي يوجهها الإخفاق في اتخاذ أي إجراء بهذا الشأن إلى الفلسطينيين مفادها: بريطانيا لا يمكن الوثوق بها ولا الاطمئنان إليها. 

 

(مترجم خصيصا لـ"عربي21")

التعليقات (0)