صحافة دولية

هل مدن ابن سلمان محاولة للتغيير أم مشاريع مكلفة بلا هدف؟

فورين بوليسي: خطط ابن سلمان لم تؤد إلا إلى زيادة التوقعات- أ ف ب
فورين بوليسي: خطط ابن سلمان لم تؤد إلا إلى زيادة التوقعات- أ ف ب

كتبت الصحافية الأمريكية إليزابيث ديكنسون في مجلة "فورين بوليسي" مقالا، تتساءل فيه عن خطط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وعما إذا كانت محاولة للتغيير الاجتماعي وتنشيط الاقتصاد، أم أنها مشاريع مكلفة وقائمة على سوء تقدير.

 

وتشير ديكسون في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى العرض الكبير الذي قدمته الحكومة الأسبوع الماضي حول مشروع القدية، الذي سيخصص للترفيه، وسيحتوي على جبال جليد مصنوعة للتزلج، وحديقة حيوانات، وسكة حديدية لولبية، لافتا إلى أنه بالإضافة إلى القدية، التي تبعد 25 ميلا عن العاصمة الرياض، فإن هناك مدينتين على ساحل البحر الأحمر، واحدة منهما هي نيوم، التي ستكون مخصصة للتكنولوجيا، ويعيش فيها روبوتات أكثر من البشر. 

وتبين الكاتبة أن المدن الكبرى التي يعد بها الأمير ابن سلمان هي جزء من رؤية 2030، التي تطمح فيها الحكومة للتخلص من اقتصاد يعتمد على النفط وتنويعه، مستدركة بأنه رغم الإعلان عن الخطة قبل عام، إلا أن المناسبات التي عقدت في الرياض في الفترة ما بين 24- 26 تشرين الأول/ أكتوبر، كانت بمثابة حفلة الإطلاق أو الخروج، وكان يقصد منها إظهار أن ما يقوله ابن سلمان، بحسب تعبير أحد المستثمرين، حقيقي.

وتلفت ديكنسون إلى أن ابن سلمان شارك فيما أطلق عليها "مبادرة مستقبل الاستثمار" أكثر من 3500 شخص، بمن فيهم مسؤولون كبار في عالم المال والأعمال، مشيرة إلى أن العاملين في الخطوط الجوية السعودية ساعدوا المستثمرين المحتملين في التحرك في أروقة فندق ريتز كارلتون، ووقف البوابون من "الروبوتات" أمام قاعات المؤتمر، حيث طلبوا من المارة صور "سيلفي" معهم. 

وتعلق الكاتبة قائلة إن "المظاهر المسرحية كانت على ما يبدو مصممة لإبهار المستثمرين الأجانب، لكنها استهدفت السعوديين أيضا، حيث منحتهم فكرة حول المسار الذي تسير فيه البلاد في ظل محمد بن سلمان، وكانت قائمة المدعوين السعودين تشتمل على أسماء رجال الأعمال السعوديين كلهم، فيما حاولت وسائل الإعلام السعودية كلها والمعلقون وكتاب المقالات تغطية المناسبة والكتابة عنها".

وتقول ديكنسون إن "الرسالة كانت واضحة للجميع: ظلت الدولة ولعقود تعمل جهدها حتى لا تغضب المؤسسة الدينية، وعرقلت مظاهر الحداثة التي أدت لوقف تنمية المدن، مثل ما حدث مع الجارة دبي، وكان هذا المؤتمر يهدف لأن يغلق ذلك الفصل ويبدأ فصلا جديدا". 

وتنقل المجلة عن المعلقة في صحيفة "الشرق الأوسط" أمل الحزاني، قولها: "قبل الآن كانت الحكومة توازن بين الليبراليين والمحافظين، وكانت ترجح طرفا على آخر"، وتضيف الحزاني: "ظلوا يحاولون القيام بهذا التوازن حتى جاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأنهى هذا كله".

وتنوه الكاتبة إلى أن التعويل الرمزي والمادي على المدن الكبرى "ميغا" فيه الكثير من المخاطرة، خاصة أن مشاريع كبرى كهذه تحمل احتمالات فشل كبيرة، ولم تقدم السعودية حتى الآن تفاصيل عن كلفة هذه المدن ولا الاستثمارات التي ستتم فيها، ومن أين، غير الحديث عن أن (نيوم) ستحصل على 500 مليار دولار (خلال السنوات المقبلة) من مستثمرين في القطاع الخاص والمال العام، ومنذ عام 2005 أعلن صندوق الاستثمار العام عدة مشاريع لمدن اقتصادية تهدف لجذب المستثمرين، لكنها توقفت، ويمكن للشخص تعداد عدد من القطاعات التي قد تستفيد من الأموال التي ستنفق على المدن الضخمة: قطاع الصحة والتعليم والنقل". 

وتستدرك ديسكون بأن "الطموحات الكبرى للمؤتمر هي النقطة المهمة: فمحمد بن سليمان يؤشر للسعوديين بأنهم بدأوا مشروع إصلاح بزخم قوي لا عودة عنه، ويحتاج السعوديون إلى (خضة) كبيرة من أجل إدخال نظامهم الاجتماعي والاقتصادي في القرن الحادي والعشرين".

وتورد المجلة نقلا عن ابن سلمان، قوله إن نسبة 70% من سكان المملكة هم تحت سن الثلاثين، و"يتعاملون مع أفكار متطرفة، وسنقوم بتدميرها اليوم"، وقال أمام المؤتمر في الرياض: "نريد أن نعيش حياة طبيعية". 

وتقول ديكنسون إن "الكثير من الذين حضروا مؤتمر الأسبوع الماضي لم يلاحظوا الملمح الثوري في المؤتمر، حيث جلس مصرفيون ورجال أعمال في قاعات المؤتمرات وأوقات الراحة بين الندوات مع نساء دون العباءة التقليدية، ولم تتوقف الندوات للصلاة كما هي العادة في السعودية، ولم تبدأ إلا بعض الخطابات بالدعاء المعروف".

وتضيف الكاتبة أن "مشاريع ومدن السعودية الجديدة ضخمة، وكان ابن سلمان على علاقة قريبة بتطورها، وتقدم بها عام 2015 عندما تولى والده العرش، ومنذ ذلك الوقت تابع تفاصيلها حتى تصاميم الشعار، وستغطي مدينة (نيوم)، مساحة 10 آلاف ميل مربع، أي عشرة أضعاف مساحة اللوكسمبرغ، وبحسب البيان الصحافي فإنها ستكون (أكثر المدن أمنا وفعالية وأكثر المدن تكيفا مع المستقبل للعيش والعمل فيها)، فكل قطعة فيها ستكون مرتبطة بالذكاء الصناعي، ويمكن للطرق والشوارع تكييف نفسها من أجل تجنب الزحام، وسيتم الحصول على مواد التسوق من خلال طائرات دون طيار تقوم بنقلها للبيوت، وتهدف المدينة لجذب أفضل المواهب في مجال التكنولوجيا من حول العالم". 

وتنقل المجلة عن سمر جمجوم من بنك "ميرل لينتش"، قولها إن الأمر يتعلق بالتنفيذ، وإن تركيز محمد بن سلمان على التنظيمات ودعمه الشخصي يدعوان للطمأنينة، "وهو أمر لم نسمع به منذ ثلاثة عقود". 

وتستدرك ديكنسون بأن المحللين يرون أن مدينة "نيوم"، التي تشبه الخيال العلمي، تحتاج لعقود حتى تنجز، وهناك العديد من الدول التي حاولت وفشلت في بناء "سيلكون فالي" خاص بها، مشيرة إلى أنه عادة ما يغيب عن بال الدول التي تخطط لمشاريع مثل "نيوم" النظام البيئي التكنولوجي الذي يبدأ من القاع ويفرخ عقليات إبداعية، بالإضافة إلى أن مدن الخليج، مثل دبي وأبو ظبي، وحتى الدوحة، التي ترغب "نيوم" بالتنافس معها، بدأت قبلها بعقود. 

وتذكر الكاتبة أن النقاد يحذرون من أن مشاريع كبرى كهذه لا تفعل الكثير لمعالجة التحديات التي ألهمت رؤى مثل "رؤية 2030"، مثل البطالة بين الشباب والبيروقراطية المتضخمة والنظامين التعليمي والصحي المتأخرين، حيث كتب كل من جورجيو كافيرو وتيودر كاراسيك من "غالف ستيت أنلاتيكس"، قائلين: "تطرح (نيوم) عددا من الأسئلة الجادة حول واقعية التغير الدرامي في المملكة وكيف سيتم، وفي الوقت الذي يثير الانتباه للكثير من القضايا التي لا تزال تعاني منها". 

وتجد ديكنسون أن "ما يمكن لهذه المدن معالجته هو إنفاق المال السعودي في داخل المملكة، وينفق السعوديون اليوم 15 مليار دولار في العام على الرحلات الخارجية، بالإضافة إلى 12.5 مليار دولار على العناية الصحية في الخارج، ويأمل الداعمون لهذه المدن أن تنفق الأموال في مدينة (نيوم) والقدية، بدلا من دبي والبحرين". 

وتشير الكاتبة إلى أنه "يمكن للمدن الكبرى الثلاث أن تبدأ في عامي 2018 و2019، وهو ما يمكن أن يحصل بحسب مستشار اجنبي، ولن يتم الانتهاء من المرحلة الأولى للبناء إلا في عام 2022، وبالنسبة للمدن الكبرى فإن ابن سلمان سيبدأ من الصفر دون مشكلات البيروقراطية، لكنه في خارج هذه المشاريع يحتاج لإقناع 30 مليون سعودي و1.2 مليون عامل في البيروقراطية أن التغير قادم".

وتوضح ديكسون أنه "في المدن والبلدات فإن الإصلاح هو ما أقرته خطة التحول الوطني، التي أعطت كل دائرة ووزارة مجموعة من النقاط لتقوم بتحقيقها وتحسين أدائها، حيث أن الوزارات تتعرض للضغوط لتقدم مكتسبات ملموسة يمكن من خلالها الحفاظ على البيروقراطية ورجال الأعمال، فأصحاب الأعمال الصغيرة يشعرون بالفرح؛ لأنهم تحرروا من الدفع لنظام التأمين الحكومي نيابة عن موظفيهم، بالإضافة إلى أن محاسبة البيروقراطية والوزراء الفاسدين كان حافزا على النشاط والعمل. 

وتقول الكاتبة: "مثل التفاصيل حول المدن الكبرى، فإن التفاصيل حول إصلاح البيروقراطية في السعودية لا تزال غير واضحة، ولم تقم الوزارات بتطبيق أي من سياسات إصلاح نظام الدعم، أما العلاوات والزيادات التي فرضت العام الماضي فقد تم إلغاؤها لاحقا".

وتعلق ديكنسون قائلة إن "خطط ابن سلمان المتعلقة بمستقبل السعودية لم تؤد إلا إلى زيادة التوقعات، والتحدي الأكبر لابن سلمان هو الحلم في مشاريع كبيرة لكن ليست أكبر مما يمكن تحقيقها، وفي الوقت الذي لم يشتك أحد حتى الآن، إلا أنه يجب أن يكون واعيا للإحباط الذي يغلي داخل المؤسسة المحافظة، وقد يقوم البيروقراطيون، الذين يريد التخلص منهم، بتعويق مشاريعه، وتأخير المصادقة عليها، والخروج مبكرا من أعمالهم، بالإضافة إلى أن ركود أسعار النفط، والشكوك حول خطته، وعدم الاستقرار الإقليمي قد تعرقل تقدم مشاريعه". 

وتختم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن "ابن سلمان قام بحملة اعتقالات ضد معارضي سياساته، وأهم ما يواجه ولي العهد هو تجنب العوم في المشكلات كما فعلت الإدارات السابقة، وبحسب محلل سياسي سعودي فإن (السعودية هي بلد غني، وكل ما نحتاجه هو إدارة جيدة من البلد ولسنا بحاجة لمعجزات)".

التعليقات (1)
ماجد
الأحد، 05-11-2017 01:12 ص
انظروا الى وجه التيس و ستعرفون الاجابة فوراً