كتاب عربي 21

أحكام جديدة بالإعدام في مصر! ثم ماذا بعد؟

عصام العريان
1300x600
1300x600

أيدت محكمة النقض المصرية (أعلى محكمة لمراقبة تطبيق القانون فقط)، مؤخرا، أحكاما بالإعدام على متهمين في ما عرف بقضية التخابر مع قطر، ثلاثة منهم حضوريا: أحمد ثابت (معيد جامعي)، ومحمد كيلاني (مضيف طيران)، وأحمد عفيفي (من ثوار يناير)، وثلاثة آخرين غيابيا: إبراهيم هلال (صحفي ورئيس قطاع الأخبار بقناة الجزيرة)، وأسماء الخطيب (مراسلة صحفية)، وعلاء سبلان (أردني)، فارتفع بذلك عدد من يقبعون في سجون الانقلاب ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام؛ لأكثر من 20 شخصا، هذا بخلاف من تم تنفيذ أحكام الإعدام فيهم بالفعل وهم أكثر من سبعة!

"صمت رهيب".. تصدر هذه الأحكام وتنفذ على مدار سنوات الانقلاب الأربع، وسط صمت مصري وعربي ودولي عجيب ورهيب، وغياب لأي ردة فعل في أي اتجاه، بينما رسالة الانقلاب والمناخ الذي تتم فيه المحاكمات السياسية بامتياز؛ يقول: لن نسمح في هذا البلد بصوت معارض أو مطالب بالتغيير، ومن لم يمت في مذابح رابعة وأخواتها، ومن لم يُقتل دون محاكمات في التصفيات الجسدية خارج إطار القانون، ومن لم يمت بسبب الإهمال الصحي وسوء أوضاع السجون، فإن مصيره معلق بأحكام دوائر قضائية معينة من السلطة التنفيذية التي بسطت سيطرتها على القضاء (إعمالا لمبدأ الفصل بين السلطات)!!

 

تصدر هذه الأحكام وتنفذ على مدار سنوات الانقلاب الأربع، وسط صمت مصري وعربي ودولي عجيب ورهيب

 

 

الناس في وطني خمسة قتلى، ذكرت منهم أربعة، ومن نجا من تلك الأربعة المجرمة، سيقع حتما في براثن الموت قهرا وديكتاتورية وتضييقا في الأقوات وكبتا للحريات، وهذا هو الصنف الخامس.. لك الله يا مصرنا الحبيبة!!

ملاحظة: قضى في مذبحة رابعة والنهضة وغيرهما أكثر من ثلاثة آلاف! وفي التصفيات الجسدية ما يقرب من 200، منهم 54 كانوا مختفين قسريا، وبسبب سوء أوضاع والإهمال الطبي داخل السجون توفي حوالي 400، ومن ينتظرون تنفيذ الإعدام حاليا (أحكام واجبة النفاذ) 26 آخرون.

خَرقَ جدار الصمت مؤخرا قرار الإنتربول الدولي برفع أربعين اسما من النشرة الحمراء (المطلوبين)، وفي مقدمتهم الإمام العلامة المصري يوسف القرضاوي (90 عاما ومحكوم عليه غيابيا بالإعدام). وبلغنا في محبسنا – على شح ما يصل إلينا من أخبار نتساقطها في المحاكمات؛ لأننا محرومون من متابعة أي جرائد أو إذاعات أو زيارات للأهالي - أن حيثيات هذا القرار مرتبطة بكون الأحكام الصادرة بحق هؤلاء سياسية، ولم تصدر عن قضاء مستقل! والكلام للإنتربول.. فتحية لمن لا يزال يحرص على تلمس الحقيقة المجردة وسط ركام الأباطيل التي يروجها الانقلاب وأعوانه. ولعل منظمة العفو الدولية أصدرت بيانات سابقة ولاحقة تدين تلك الأحكام، بدأت قبل سنوات إزاء حكم يدل على درجة الشذوذ والغرابة؛ بإعدام 800 متهم في دائرة بمحافظة المنيا بصعيد مصر.

ويُحاكم المعارضون للانقلاب في مصر أمام عشر دوائر قضائية تتناوب عليهم، يسمونها "دوائر الإرهاب"، وهي دوائر أصدر قرار تشكيلها شخص واحد، هو رئيس محكمة استئناف القاهرة. وقد يحاكم المتهم أحيانا أمام الدائرة نفسها في عدد من القضايا (د. محمد البلتاجي حوكم حتى الآن أمام القاضي شيرين فهمي في أربعة قضايا مختلفة)، وتتم المحاكمات وسط تحريض إعلامي منذ بيان 3 تموز/ يوليو للانقلاب، حيث تم إسكات أصوات المعارضة، وحجبت أقلام وأصوات الكثير من الصحفيين، مع اعتقال بعضهم.

تجري هذه المحاكمات دون أية ضمانات دستورية وقانونية داخل مقرات الشرطة، وفي أقفاص زجاجية تحول دون تواصل المتهمين مع قضاتهم أو محاميهم أو أهاليهم

 

تجري هذه المحاكمات دون أية ضمانات دستورية وقانونية داخل مقرات الشرطة (أكاديمية الشرطة – معهد أمناء الشرطة)، وفي أقفاص زجاجية تحول دون تواصل المتهمين مع قضاتهم أو محاميهم أو أهاليهم. كما يتم منع المحامين من زيارات المتهمين بقرار الأمن، حتى لو كانت المحكمة قد صرحت بالزيارة!!

ويحرم المتهمون من الأوراق والأقلام والمراجع القانونية التي تعينهم على إعداد دفوعهم القانونية (خاصة المحامين منهم). وفي أقل المرات التي يضطر الأمن اضطرارا، بضغط القاضي، إلى إدخال الأقلام والأوراق للمتهمين؛ تدخل لتصَادر بعد ساعات قليلة من الزنازين، أو في أول تفتيش على أقصى تقدير!

تصدر غالبية الأحكام استنادا إلى محاضر تحريات الشرطة (وهو ما سبق أن أهدرته محكمة النقض في أحكام تاريخية مضت)، كما لا يسمح لشهود النفي!!

وتمارس النيابة العامة التي هي بالأساس ضمير المجتمع دورا عجيبا، إذ تتراخى في تحقيق بلاغات الضحايا (حتى إذا أحيلت إليها من قبل المحكمة في أثناء الجلسات)، بينما تسارع في تجهيز القضايا التي تعدها الشرطة وتعتمد على محاضر التحريات فقط، لتطلب في النهاية من المحكمة إصدار أحكام بالإعدام 

وهل هناك مثال صارخ لهذا العوار أكثر مما حدث في المحاكمة الأولى للقضية المعروفة بغرفة عمليات رابعة، حين طلبت النيابة إعدام 14 متهما؟ والأعجب أن القاضي وافقها على ذلك، ثم جاء نقض الحكم وأعيدت المحاكمة، فألغيت أحكام الإعدام جميعها، وقُضي ببراءة عدد منهم (تأمل معي.. من إعدام إلى براءة!) وأحكام مختلفة على الآخرين.

ويتساءل كثيرون: أين المصريون؟ ألم يأن الوقت لاستفاقة مصرية شعبية وقضائية وحقوقية وسياسية وإعلامية لوقف نزيف الدم المراق؟ ألم يدرك المصريون حكمة المثل السائر "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"؟ ألم يعِ الجميع أن الانقلاب هو سبب ما آلت إليه البلاد من تدهور قيمي، وانحلال اجتماعي، وانسداد سياسي، وركود اقتصادي، وتضخم وغلاء فاحش؟ وأنه تسبب في انسداد شرايين المجتمع المصري الذي يكاد يصاب بالسكتة القلبية أو الجلطة الدماغية لا قدر الله؟

ويتساءل آخرون: أين الشعوب والمنظمات الحقوقية العربية؟ وأين اتحاد المحامين العرب؟ وأين المنظمة العربية لحقوق الإنسان؟ وأين انتفاضة الإعلام العربي في الدول الحرة التي تتمتع بمقدار معقول من الحرية؟ أين المحامون البارزون الذين كانوا يوما ما ملء السمع والبصر، بصولاتهم وجولاتهم في الندوات والمؤتمرات والملتقيات السياسية؟ ألم يأتهم نبأ انقلاب مصر؟ ما بال أصواتهم حبست فلا يسمع لهم صوت؟ لماذا لا يشكلون وفودا قانونية وحقوقية تصل إلى مصر لتراجع الأحكام وتقوي عزائم نظرائهم المصريين وتتعرف على خلفيات القضايا وظروفها؟ ولديهم من الوسائل والإمكانات في حال منعهم ما يمكنهم من التحرك دوليا من أجل هؤلاء الأبطال الذين ينتظرون أحكام الإعدام.. فهل يفعلونها، خاصة أن قائد الانقلاب يصدق على جميع الأحكام عادة ويؤجل التنفيذ فقط من أجل الابتزاز السياسي؟ ألا تتذكرون الأحكام السابقة التي صدرت بحق الرئيس محمد مرسي وقيادات الإخوان بالإعدام، وبقي الجميع أكثر من عامين يرتدون البدلة الحمراء، ويعيشون شعور من ينتظر التنفيذ في كل لحظة، ويعاملون معاملة مجحفة مثل دوام القيود "الكلابشات"، ومنع الزيارة، وتجريد الزنازين من أمور أساسية لاستمرار الحياة بها، والمبالغة في العزل عن باقي المحبوسين و.. و.. حتى نقض الحكم وإعادة المحاكمة من جديد؛ أمام دائرة من دوائر الإرهاب وينتظرون الأحكام نفسها؟!

ويتساءل هؤلاء وأولئك: وأين المجتمع الدولي كله.. السياسي والقضائي والشعبي؟ ولماذا هو صامت هذا الصمت الرهيب؟ هل تتم التضحية بالمبادئ والقيم العليا التي طالما تغنى بها العالم أزمانا، منذ إعلان نيلسون الشهير وميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وباقي الاتفاقات الدولية؟ يتم التضحية بذلك كله لقاء مصلحة اقتصادية ضيقة هنا أو هناك؟! أم من أجل توظيف الانقلاب الدموي في سياسة فاشلة لحماية أمن الكيان الصهيوني تحقيقا لاستراتيجية أمريكية أوروبية؟!

 

يترأس مندوب الانقلاب لدى المؤسسة الدولية؛ مجموعة مكافحة الإرهاب!! يا للعجب.. الانقلاب الذي صنع الإرهاب في مصر ورعاه عندما أهدر الإرادة الشعبية


لم يسمع أحد بيانا من مجلس الأمن أو الأمين العام للأمم المتحدة، بل على عكس ذلك، يترأس مندوب الانقلاب لدى المؤسسة الدولية؛ مجموعة مكافحة الإرهاب!! يا للعجب.. الانقلاب الذي صنع الإرهاب في مصر ورعاه عندما أهدر الإرادة الشعبية، وصادر حق المصريين في التعبير عن التظاهر السلمي والتصويت الحر، ثم تحول ليساعد في تحقيق الدور الخسيس ذاته في أقطار شقيقة مثل ليبيا وسوريا وغيرها!

وأختم مقالي برسالة إلى الأحباب ورفاق درب النضال السلمي ضد الانقلاب، وإلى أهلهم الصابرين المحتسبين.. يقول الله تعالى: "ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين* إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين* وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين".. ولن نمل من انتظار النصر بعد القرح والشهادة والتمحيص.

ولئن كانت الأصوات المناصرة في مصر وخارجها خافتة لسبب أو لآخر، فثقوا في أنفسكم، وأنكم لستم وحدكم، وأن معكم الملايين في مصر وخارجها من أنصار الحق والعدل.. نعم قد يحتاجون لرص صفوفهم وترتيب أوراقهم وتفعيل أدواتهم في نضالهم السلمي ضد الانقلاب، لكنهم أبدا لا يقصرون ولا يتخاذلون.

وإن الله الذي جمع قلوبنا على محبته وطاعته، وجمع صفوفنا في ساحات العمل ومقاومة الظلم والفساد منذ عقود، وجمع جهودنا في ثورة 25 يناير في ميدان التحرير، ثم جمعنا في ميداني رابعة والنهضة وغيرهم ضد الانقلاب، لقادر إذا اطلع على هذه القلوب فوجد فيها رغبة صادقة في العمل والصمود أن يؤلف بينهم، وأن يوحد بين صفوفهم، ويمدهم بمدد من عنده.. والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

التعليقات (5)
عبد الواحد لقباقبي
الأربعاء، 15-11-2017 01:04 م
عهدناكم رجال في ساحات مصر وكدالك في سجونها والله لقد وعضتمونا بك?مكم الدي ينبع من قلب مؤمن بقضاء الله وقدره اللهم زدهم ثباتا وعزيمة اللهم إننا مغلوبون فالنتصر
Ziad
الثلاثاء، 14-11-2017 05:29 م
El Sissi mojrim harb
محسن عبد الواحد
الثلاثاء، 14-11-2017 04:36 م
ردى على عتاب عصام العريان لشعب مصر لترك الاخوان يعانون الويلات بلا جريمة ارتكبوها: تشير احداث التاريخ الى سلبية الانسان المصرى0فلا تحارب معاركه وتنتظر مساندته لك ان احتجت لانك لن تجدها فهو يسجد للغالب ويخضع لمن بيده العصا (تراها فى رسوم الفراعنة) وهكذا وصفه بن العاص لامير المؤمنين عمر0ولا تنسي ان مصر غيرت دينها ولغتها ثلاث مرات تبعا لمن حكمها0 ومن اقوال الحكمة لديهم (اللى يتجوز امى أقول له ياعمى)0 عرفت دلوقتى ليه سايبك مرمى فى السجون0 ولو كنت رفعت عليهم الكرباج لكانوا سجدوا لارادتك ولكنك لم تفهمهم فتركوك وذهبوا لمن يعرف كيف يخضعهم وسيختاروه مرات اخر على الرغم من تجويعهم وسجنهم وتعذيبه لهم وقتلهم بدم بارد وفقر الخدمات لدرجة العدم
Amr
الإثنين، 13-11-2017 09:43 م
احيه ده انقلاب
مصري جدا
الإثنين، 13-11-2017 01:29 م
الدكتور الحبيب والصديق العزيز المحترم ،، عصام العريان ،، اعلم انه لن تصلك كلماتي ولكن الكلمة كالنفس الذي يتنفسه الانسان الحر ان حبسه وافته المنية ،، اعلم ما تعانيه واخوانك فقد عايشته بنفسي 4 سنوات ،، واعلم ماذا يعني حكم الاعدام فقد ارتديت البدلة الحمراء 10 شهور ولكتي لا اعلم ماذا يعني تاكيد حكم الاعدام لان الله عافاني منه لعلمه بضعف قوتي وقلة حيلتي وظروف حياتي واسرتي الضعيفة مثلي ،،،،، لكن دعني اتكلم يا صديقي العزيز بطريقة مختلفة غير الذي تعودناها خلال اكثر من 30 سنة في العمل الدعوي والعمل العام ،،، ما انتم فيه لن يضيع بحول الله وقوته وغدا سيزول الالم ويبقى الاجر ،، ما انتم فيه لن يضيع في دنياكم واخراكم بحول الله وقوته ،،، لكن اسمع يا عزيزي عصام ،،، نعم نظام الانقلاب مجرم وخائن وقل ما شئت من صفات السوء فيه ، لكن في نفس الوقت آليس ما يتم هو حصاد مازرعناه داخل الجماعة ؟ من نمط الادارة المرتبك وغير العلمي وتهميش المؤسسات واقصاء الكفاءات وتقديم اهل الثقة للقيادة رغم ان الافراد كلهم ثقة ،،،،، آليس ما تم هو حصاد غياب المعلومات وضعف العلاقات وقلة الكفاءات ،،والتصدر لحكم مصر دون جاهزية ؟ آليس ما تم هو حصاد سماع منصة القيادة لصوتها ومن ترغب فقط ولم تنتصح لاحد ،، نصحتها الدنيا كلها بالداخل والخارج لكنها لم تسمع ،،، آليس ما تم هو حصاد هذه المواقف وغيرها الكثير ،،، لكن هي سنة الله في كونه ،، قل هو من عند انفسكم ،، عزيزي عصام ،، مع كبر سني وتقدم عمري ، لم اعد من انصار ان الوقت غير مناسب ،، او نتفاهم بعد المحنة ،، او لكل حدث حديث ولكل مقام مقال .. فكل هذه الاقوال وغيرها نسبية في التناول والفهم والاسقاط وليس فيها قولا واحدا فاصلا ،، فما اراه غير مناسب قد يراه غيري مناسبا وهكذا ،،، صديقي العزيز ،،، النفق مظلم للغاية وطويل ولا ضوء في الافق وفقا لما بين ايدينا من اوراق ومعطيات ،،، حتى لو بين ايدينا اوراق فمنصة القيادة والادارة لم تعد مناسبة فقد تجاوزتها طبيعة المرحلة ،، كما تجاوزت كل من على الساحة من العسكر والمربع المدني بكل اطيافه وافكاره ،، ولا امل الا في جيل جديد وتجارب جديدة وافكار جديدة ،،، يعيشوا تجربتهم ومحاولاتهم بعيدا عمن يعتبروا انفسهم خبرة فالخبرة لا قيمة لها من اناس لا يتعلمون من التجارب والاخطاء خاصة تجارهم هم واخطاؤهم هم ،،، الموقف ليس صعبا بل هو شبه مستحيل لكن الامل الوحيد امام شبه المستحيل هذا اننا في شبه دولة وهذا يعطي بعض الامل ،،، حفظك الله يا دكتور عصام وفك اسرك واسر جميع من في السجون