مقالات مختارة

ليلة القبض على شيرين

فراج اسماعيل
1300x600
1300x600

توقعت أن تكون تلك الليلة مؤدية إلى يوم القيامة بالنسبة لنا بعد إعلان وزارة الري فشل المفاوضات بخصوص سد النهضة وهو أول إعلان صريح بالفشل، لكنه جاء متأخرا جدا بعد أن أزف بناء السد على الانتهاء والبدء في تخزين المياه خلفه.


للأسف المسكينة المطربة شيرين كانت هي ضحية هذه الليلة كأنها رئيس وزراء أثيوبيا أو رئيس السودان، وهما رئيسا الدولتين اللتين قال وزير الري إنهما أفشلا التوصل إلى اتفاق في اجتماع اللجنة الفنية الثلاثية يومي 11 و12 نوفمبر بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات، وطالبا بإدخال تعديلات تتجاوز مراجع الإسناد المتفق عليها، وتعيد تفسير بنود أساسية ومحورية.


لا أعرف من اختار شيرين لتكون ضحية تلك الليلة؛ فانطلقت الفضائيات في هجوم كاسح كأنها "سد النهضة" الذي سيحرمنا من جريان النيل، وهو بالنسبة لنا الشرف والعرض والكرامة.


والغريب أن جريمة شيرين، إذا اعتبرناها جريمة، لا تتجاوز مزحة عادية يتفق مع طبعها في إطلاق كلام ونكات يستشعره البعض محرجا أو غير لائق ولكن هذا طبعها والطبع غلاب، وهي في النهاية سيدة طيبة على سجيتها، لا تفكر في ما تقوله على لسانها. 


وأذكر مرة في برنامج تلفزيوني أنها مازحت الفنان كاظم الساهر بعبارة احمر منها خجلا، وداعبت متسابقا فلسطينيا في برنامج مسابقات على محطة إم بي سي، بأنها تتمنى الزواج منه، وكانت تقصد أنها معجبة بأدائه وقوة صوته ليس إلا. 


شيرين بسجيتها داعبت فتاة في حفل فني بإمارة الشارقة قبل أكثر من عام، عندما طلبت منها أغنيتها الشهيرة "ما شربتش من نيلها" فردت عليها ضاحكة "حتجيلك بلهارسيا". 


مزحة عادية مر عليها وقت طويل قبل استدعائها بشكل مفاجئ ومثير للتساؤلات، حتى إنها نسيتها كما ذكرت في بيان اعتذارها، لكن الإخوة أباطرة التوك شو انطلقوا في نفس واحد في هجوم ضار عليها، مع أن الراحل الفنان محمد رضا كان يردد ليل نهار في القناتين الأولى والثانية عندما لم يكن هناك غيرهما، وكان هؤلاء الأباطرة في بطون أمهاتهم أو يتوحمن فيهم "طول ما تدي ضهرك للترعة عمر البلهارسيا ما في جتتك ما ترعى"!


لم يتهم أحد محمد رضا بالخيانة العظمى ولم يخرج سمير صبري بطل التوك شو في برنامجه الشهير "النادي الدولي"  في ذلك الزمن مطالبا بنزع الجنسية عنه، ولم يكتب مصطفى أمين مقاله "فكرة" معلنا أن النيل تعرض للتدنيس! ولم تخرج نقابة الممثلين لتوقفه كما فعل الأخ هاني شاكر، ولم يصدر قرار من اتحاد الإذاعة والتلفزيون بوقف مسلسلاته وأفلامه، كما حصل مع المطربة شيرين.


من هو العبقري الذي أعطى إشارة البدء لبرامج التوك شو وفي وقت واحد تقريبا وبصورة أوحت أن من سيدافع عنها سيتهم بالخيانة العظمى، وسيكون تحت تهديد نزع جنسيته المصرية كما شيرين بالضبط!
على أي حال هذه ميوعة إعلامية لا مثيل لها وسقوط ما بعده سقوط. الأزمة الحقيقية أن جريان النيل في مصر مهدد بقوة. 


بيان وزارة الري كان يجب أن يكون بمنزلة يوم القيامة لنا، وليس هذا الهراء الذي جعلهم يخصصون ليلة بكاملها للقبض على مطربة موهوبة لا ناقة لها ولا جمل في فشل المفاوضات، وفي الطريقة التي اتبعناها طوال العامين الماضيين، وأوحينا من خلالها أن أثيوبيا عال العال وأنها تبكي على حقنا في المياه ولا ترضى أبدا الإضرار بنا، بينما هي تبني وتبني. وعندما قاربت على الانتهاء من استكمال سدها ضربتنا ببوكس موجع وهي تغني "قلنا حنبني وبنينا سد النهضة"!


لم نجد أمامنا حيطة واطية إلا شيرين التي غنت "ما شربتش من نيلها"، ويبدو أننا أمام تهديد حقيقي قد يحرمنا الشرب من نيلها لأول مرة منذ خلقت مصر قبل آلاف السنين.

 

المصريون المصرية

0
التعليقات (0)