مقالات مختارة

ماذا تخبرنا تغريدات الدبلوماسيين البريطانيين عن سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط؟

بيتر أوبورن
1300x600
1300x600

تكشف دراسة لحسابات تويتر التابعة لبعض الدبلوماسيين البريطانيين في أنحاء الشرق الأوسط عن أن السفراء البريطانيين يهتمون جداً بحقوق الإنسان – ولكن فقط حينما تكون الانتهاكات المزعومة مرتكبة من قبل أعدائنا.

 

تقليدياً، كان اصطفاف السياسية الخارجية البريطانية من الأمور التي يصعب - إن لم يكن مستحيلاً – تمييزها، وفي العادة لم تكن تعرف على وجه التأكيد إلا عندما يكشف النقاب عن الوثائق الدبلوماسية بعد مرور ثلاثين عاماً عليها. أما اليوم فالأمور غدت مختلفة. فالدبلوماسيون البريطانيون يغردون عبر تويتر ليطلعونا على طريقة تفكيرهم، وفي بعض الأوقات بشكل يومي. 

وهذا يعني أنه بات أسهل بكثير اليوم أن نفهم أين تقف بريطانيا من مختلف القضايا. وقد كشف ذلك عن بعض التناقضات العميقة. سوف أقارن في هذا المقال ما ينشر في حسابات تويتر لبعض الدبلوماسيين البريطانيين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. 

درجة عالية من التباين

يُظهر رجالنا في سوريا والعراق ومصر واليمن درجة عالية من التباين في رد فعلهم على ما يرتكب من انتهاكات لحقوق الإنسان. وسوف أبدأ بغاريث بايلي، الذي تخلى للتو عن منصبه كمبعوث بريطاني خاص إلى سوريا. 

طالما ندد المبعوث الخاص بايلي، وبشكل ثابت، بالضربات الجوية والهجمات الكيماوية وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة السورية وحفاؤها. 

وأشار بايلي مراراً وتكراراً بألم شديد إلى آلاف المختفين الذين يعتقد بأنهم يتعرضون للتعذيب في سجون الحكومة. وغرد باستمرار حول ما تم تناقله من أخبار عن انتهاكات لحقوق الإنسان وقعت أثناء حصار حلب في العام الماضي، كما غرد مؤخراً عن الضحايا المدنيين في إدلب. 

ما زلت غير متأكد ما إذا كان لدى بايلي فهم جيد لطبيعة الصراع السوري. فحسابه في تويتر (الذي تم الآن حذفه) ينقل انطباعاً ثنائياً لحرب تدور رحاها بين نظام الأسد الشرير من جهة وفئات صالحة من جهة أخرى. 

بينما كان يقوم بعمل دعائي لصالح الثوار، لا يبدو أن بايلي كان مدركاً لحقيقة أنه كان بذلك يقف في نفس خندق القاعدة، بل وفي خندق تنظيم الدولة الإسلامية. 

لا ذكر لانتهاكات حقوق الإنسان

ودعونا الآن نتحول إلى سفير بريطانيا السابق في العراق فرانك بيكر، والذي ترك منصبه أيضاً مؤخراً. لقد لجأ السفير السابق إلى تويتر خلال الشهور الأخيرة لكي يشيد بعودة الحياة الطبيعية إلى مدينة الموصل في شمال العراق. 

ولكن في تناقض تام مع المبعوث الخاص بايلي، لم يأت على أي ذكر للتقارير التي تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان وعن الفظائع التي ارتكبتها القوات العراقية أو عما تسببه الضربات الجوية لقوات التحالف من وفيات بين المدنيين. 

تغريدة السفير البريطاني بتاريخ 13 أغسطس/ آب 2017: "بعد هزيمة داعش، يقوم الموصليون بإعادة بناء مدينتهم وحياتهم". 

في الخامس والعشرين من مارس/ آذار عُلق الهجوم على العراق بعد أن قتل القصف الجوي ما لا يقل عن مائة وخمسين مدنياً في الموصل. وهنا كان صمت السفير بيكر مطبقاً. ولم ينطق إلا في اليوم التالي حينما نشر تغريدة حول نشاط تنظمه السفارة العراقية يتعلق بحقوق المرأة. 

وفي السابع والعشرين من مايو/ أيار نشر مصور صحفي كردي بحثاً مصوراً عن الانتهاكات التي ترتكبها القوات العراقية ضد المدنيين. لم يشر بيكر عبر تويتر إلى وحشية القوات التي كانت تقاتل في الجانب الحكومي على الرغم من أن الفظائع التي ارتكبت ضد المدنيين في الموصل من قبل القوات العراقية كانت لا تقل جسامة عن تلك التي ارتكبتها قوات النظام في حلب. 

تغريدة فرانك بيكر بتاريخ 30 أكتوبر 2017: "اجتماع مفيد هذا الصباح مع وزير الداخلية الأعرجي، أعدت التأكيد على الالتزام البريطاني". 

بالنسبة لأولئك الذين يعتمدون على حساب السفير بيكر على التويتر، لن تصلهم أي معلومات حول موجة التطهير العرقي التي تجتاح شمال العراق. وذلك بالرغم من أن السفير بيكر غرد في الحادي عشر من ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي مؤكداً بأن "بريطانيا لا تتسامح إطلاقاً مع أي انتهاكات لحقوق الإنسان".

والآن، دعونا نتوجه نحو سايمون شيركليف، سفير بريطانيا إلى اليمن. يقيم شيركيلف حالياً في الرياض، ويبدو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وحيداً منعزلاً لا علاقة له بشيء مما يجري من حوله. ولربما يتفهم المرء أن تكون صفحته على تويتر جافة تماماً. 

تغريدة السفير سايمون شيركليف بتاريخ 28 سبتمبر/ أيلول 2017: "اجتماع مثير للاهتمام جداً مع زيد الضاري في القاهرة الأسبوع الماضي".

في بعض الأوقات يأتي على ذكر القصف الجوي عندما يحدث، ولكنه لا يعبأ بذكر الدور البريطاني أو الأمريكي فيما يجري، ويكتفي بالتأكيد على الحاجة إلى حل سياسي للصراع في اليمن. 

ويقضي معظم وقته وهو يلفت النظر إلى برامج المساعدة البريطانية في اليمن. 

تغريدة السفير سايمون شيركليف بتاريخ 8 سبتمبر/ أيلول 2017: "كما أن بريطانيا من كبار المتبرعين لبرنامج (أطباء من أجل التعليم)، الذين التزموا بتقديم 72.6 مليون دولار لتحسين وسائل التعليم بمناسبة يوم محو الأمية في اليمن". 

أما التعذيب فلا تغريدات عنه

يعمل جون كاسون سفيراً لبريطانيا في مصر منذ شهر يوليو / تموز 2014. إلا أن هذا الدبلوماسي الصاعد في وزارة الخارجية لم يسبق ولا مرة واحدة أن ندد بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكب في مصر ضد المواطنين من قبل النظام العسكري المتوحش برئاسة المشير عبد الفتاح السيسي. 

وعلى النقيض من بايلي، المبعوث الخاص إلى سوريا، لا يعبأ كاسون إطلاقاً بالتغريد عن التعذيب وعن حظر منظمات حقوق الإنسان وعن الاعتقالات التعسفية. فعلى سبيل المثال، في الخامس والعشرين من سبتمبر/ أيلول، صدر حكم بالحبس لثلاثة شهور بتهمة "ارتكاب فعل خادش للحياء العام" على خالد علي، المرشح الرئاسي السابق والذي يراه كثير من الناس منافساً رئيسياً للسيسي في الانتخابات التي ستجري العام القادم.

في ذلك اليوم لم يذكر كاسون تلك القضية، وإنما ركز اهتمامه على وصول المبعوث البريطاني الخاص للمساواة الجندرية إلى مصر. 

تغريدة السفير البريطاني كاسون بتاريخ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2017: "أفضل اللحظات من مبادرة هذا العام للمساواة الجندرية في سبتمبر". 

في الرابع من مايو/ أيار 2016، سجنت سناء سيف، الناشطة المصرية في مجال حقوق الإنسان، بتهمة "إهانة القضاء." في نفس اليوم غرد كاسون قائلاً: "محادثات اليوم مع الزملاء المصريين بشأن ليبيا وسوريا. اليوم، أكثر من أي وقت مضى على الدبلوماسية أن تثبت نفسها ..."، وبعد يومين، غرد حول مسابقة الفلافل الدولية في لندن. 

ثم بعد يومين غرد قائلاً: "تعازي حارة لعائلات وزملاء ضباط الشرطة الذين قتلوا في حلوان. بوقوفنا معاً سوف نهزم الإرهاب".


في الأول من مايو/ أيار 2016، هاجمت الشرطة مقر نقابة الصحفيين بطريقة غير مسبوقة واعتقلت اثنين من الصحفيين. لم يندد كاسون بهذا الإجراء، وبدلاً من ذلك غرد متمنياً "عيداً سعيداً جداً للجميع في مصر وفي خارجها ممن يحتفلون بعيد الفصح في ذلك اليوم".

وفي اليوم التالي غرب بما يلي: "الرنجة: تأكل أو لا تأكل. هذا هو السؤال".

وفي الثلاثين من مايو/ أيار اتهم رئيس نقابة الصحفيين واثنين من أعضاء مجلس النقابة "بحماية متهمين صدرت ضدهما مذكرة توقيف" وكذلك "بنشر أخبار كاذبة تهدد السلام العام". في نفس اليوم غرد كاسون حول الاستثمار في التعليم. 

تغريدة السفير البريطاني في مصر بتاريخ 25 سبتمبر/ أيلول 2017: "أول مبعوث بريطاني خاص للمساواة الجندرية يلتقي قيادات مصرية لتعزيز التعاون في مجال تمكين المرأة اقتصادياً". 

وفي مايو 2016 ألقت الشرطة المصرية القبض على أعضاء من فرقة مسرحية فكاهية اسمها "أطفال الشوارع"، كانوا قد نشروا مقاطع فيديو على اليوتيوب تسخر من السيسي وسياسات حكومته.  وعلى الرغم من أن المحكمة أمرت في سبتمبر بإطلاق سراحهم إلا أنهم مازالوا يواجهون تهماً باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لزعزعة الاستقرار في البلاد من خلال تحريض المواطنين على الاحتجاج. ولم يصدر عن كاسون ما يدين ذلك. 

ولم يندد كاسون بسجن العقرب سيء الصيت، والذي تقول منظمة هيومان رايتس واتش إن "النزلاء فيه، ومعظمهم من المساجين السياسيين، يعانون من سوء المعاملة على أيدي ضباط وزارة الداخلية، ويتعرضون للتنكيل بما في ذلك الضرب، والتغذية الإجبارية، والحرمان من التواصل مع الأقارب والمحامين، وإعاقة الرعاية الطبية اللازمة مما ساهم على الأقل في وفاة ستة من السجناء في عام 2015".

وليس ذلك لأن كاسون لا يتابع ما يجري من أحداث مهمة في مصر، بل لطالما ندد، وبشكل ثابت، بالهجمات الإرهابية وبالاعتداءات التي يتعرض لها الأقباط المسيحيون. 

ما الذي بإمكاننا أن نستنتجه من كل ذلك؟ السفراء البريطانيون يهتمون جداً بحقوق الإنسان – ولكن فقط حينما تكون الانتهاكات المزعومة مرتكبة من قبل أعدائنا. وعندما يرتكب الانتهاكات حلفاؤنا، فلا يعبأ بذلك سفراء بريطانيا على الإطلاق. 

ربما ينبغي ألا تصدمنا مثل هذه السلوكيات. ففي نهاية المطاف ها هي بريطانيا مستمرة في منع الأمم المتحدة من إجراء تحقيق مستقل في الفظائع التي يرتكبها حلفاؤنا السعوديون في اليمن. ومازلنا نتردد في عمل شيء لوقف الإبادة الجماعية التي تمارسها صديقتنا أونغ سان سوو كيي في ماينمار. 

ميدل إيست آي

0
التعليقات (0)