قضايا وآراء

"الهياج" السعودي ينتظر فشلا جديدا

قطب العربي
1300x600
1300x600

في إطار حالة "الهياج اللامنطقي" السعودي، دعت المملكة مجلس وزراء الخارجية العرب إلى اجتماع طارئ بمقر الجامعة اليوم (الأحد)؛ بهدف حشد الدعم العربي للموقف السعودي ضد إيران، والتمهيد لضربات عسكرية ضد بعض ذيولها أو أذرعها المجاورة، مثل حزب الله في لبنان.

ووفقا لتداعيات الأحداث خلال الأيام الماضية، يمكن القول إن الفشل هو مصير هذا الاجتماع، ذلك أن دولا أخرى داخل الجامعة العربية أصبحت تدرك خطورة التساوق مع "الهياج" السعودي؛ الذي يمكن أن يدخل المنطقة كلها في حرب إقليمية لا يستطيع أحد التكهن بمآلاتها. وبالتالي، فمن المتوقع أن يحاول وزراء تلك الدول كبح الجموح السعودي، بل قد ينقلب السحر على الساحر، خاصة أن استدعاء واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لعدة أيام في السعودية؛ حوّل الدفة لصالح خصوم ابن سلمان، والذين حققوا نقطة كسب جديدة بخروج الحريري من الرياض إلى فرنسا مع زوجته، وإن كانت الرياض لا تزال تحتجز طفليه (ربما كرهائن) تضمن بهما عدم خروج الحريري عن الخط السعودي.

 

من المتوقع أن يحاول وزراء تلك الدول كبح الجموح السعودي، بل قد ينقلب السحر على الساحر

بعيدا عن انتقادات البعض للموقف السعودي تجاه رئيس الوزراء اللبناني، فإن المنطق يغيب أيضا عن الطلب السعودي لاجتماع اليوم، حيث إن الأخطار التي تهدد العرب ليست فقط من إيران (وهنا أوكد أنني لا أدافع عن إيران بل أحملها كل الجرائم البشعة بحق الشعب السوري، وإثارة الصراع المذهبي في المنطقة)، ولكن هناك مصادر خطر وتهديد أخرى على العرب؛ يأتي على رأسها الخطر الإسرائيلي، والروسي، فلماذا لم يتضمن الطلب السعودي للاجتماع هذين الخطرين أيضا؟! يعرف الجميع الإجابة، فالعلاقات السعودية الإسرائيلية تتطور بسرعة، واللقاءات والزيارات السرية لبعض المسؤولين السعوديين إلى تل أبيت تتكشف تباعا، وحتى الضربة التي كانت تخطط لها السعودية للبنان عقابا لحزب الله؛ كانت ستتم بالتعاون مع الكيان الصهيوني، بل بالأحرى كانت ستتم أصلا بواسطة جيش الاحتلال، وكانت السعودية ستنفذ بعض الطلعات "التلفزيونية" فقط لدواعي التصوير الإعلامي، لكن تدخلا أمريكيا في اللحظات الحاسمة أجهض هذه الخطة، بعد بيان وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون؛ الذي دعا فيه للحفاظ على السلام والاستقرار في لبنان، وحذر فيه من أي عمل ضد هذا الاستقرار.

 

لقد جاءت تصريحات تيلرسون بمثابة "دش" بارد على الحماس السعودي الصهيوني لتوجيه ضربات للبنان؛ مستغلين حالة الإجهاد التي يمر بها حزب الله بعد معاركة المستمرة في سوريا وفي اليمن.. إلخ. كما أن التدخل الفرنسي، والذي كلل بخروج سعد الحريري من الرياض إلى باريس، مثّل هزيمة جديدة للسياسة السعودية، ومثل جرس إنذار فرنسي ضد أي تهور سعودي للتدخل في لبنان عسكريا.

جاءت الضربة الجديدة للهياج السعودي من وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، الذي انتقد في مؤتمر صحفي مع نظيره اللبناني، يوم الخميس، "روح المغامرة" التي تتسع في السعودية، في إشارة إلى سياسات الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي. كما أنه ألمح إلى أن رئيس الوزراء اللبناني المستقيل، سعد الحريري، كان محتجزا في الرياض، وحذر من المس بوحدة لبنان واستقراره، ودعا الجميع إلى التصرف بحكمة، وقال إن لبنان لا ينبغي أن يكون لعبة لسوريا أو للسعودية.

كلمات الوزير الألماني لم تكن تعبر فقط عن موقف دولته، بل إنه دعا أوروبا - التي تتصدر بلاده قيادتها - إلى إظهار إشارة أوروبية مشتركة "بأننا لم نعد مستعدين أن نقبل بصمت روح المغامرة التي تتسع هناك منذ عدة أشهر". وهذا يعني أن أوروبا لن تسمح للسعودية أو حلفائها الإقليميين بالتهور تجاه لبنان، وقد تتطور السياسة الأوروبية لمحاولة ترشيد المواقف السياسية السعودية "الهائجة" في المنطقة عموما، بدليل أن الوزير الألماني لم ينس الإشارة إلى تصاعد هذه الحالة بعد حرب اليمن والأزمة مع قطر.

 

الأمير الشاب الذي يحاول تقديم نفسه باعتباره المؤسس الثالث للمملكة؛ لم يسجل أي نجاح خارجي حتى الآن، وإن سجل بعض الانتصارات ضد خصومه السياسيين

لقد كتبت الأسبوع الماضي في هذه الزاوية؛ مقالا بعنوان "السياسة السعودية وإدمان الفشل"، أشرت فيه إلى حالات الفشل التي منيت بها السياسة السعودية الخارجية خلال السنوات الأربع الماضية، سواء في اليمن أو قطر أو العراق أو سوريا (ولم يكن لها من نجاح سوى المساعدة في ترتيب انقلاب السيسي في مصر)، وها هي المملكة أمام عنوان جديد للفشل في لبنان، وهو ما يؤكد الفكرة الأساسية بأن الحالة تحولت إلى إدمان حقيقي للفشل. فالأمير الشاب الذي يحاول تقديم نفسه باعتباره المؤسس الثالث للمملكة؛ لم يسجل أي نجاح خارجي حتى الآن، وإن سجل بعض الانتصارات ضد خصومه السياسيين، سواء كانوا من أبناء عمومته أو من عموم الشعب، أو علماء المملكة ورجال أعمالها في الداخل، في إطار معركته لتثبيت دعائم حكمه، وتغيير وجه المملكة المحافظ إلى وجه ليبرالي علماني، في المجالين الاقتصادي والاجتماعي فقط، بعيدا عن المجال السياسي الذي سيظل مغلقا أمام السعوديين التواقين للحرية والديمقراطية، كغيرهم من شعوب الأرض.

غاية ما يمكن أن ينتج عن اجتماع وزراء الخارجية العرب هو مجرد بيان (جبر خاطر) للسعودية، يندد بالسياسة الإيرانية وتدخلها في المنطقة، ويندد بإطلاق الصاروخ الباليستي على الرياض، وربما يعلن التضامن مع الرياض ضد أي اعتداء تتعرض له، وهو ما لا يلبي الجموح السعودي الهادف إلى الحصول على دعم عربي لأي تحركات عسكرية لها شمالا أو جنوبا.

التعليقات (0)