قضايا وآراء

مصر بقت "أد السمكة "

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
لو قال لك أحدهم هل تعلم أن هناك خطة لتشتيت انتباه الجيش المصري وتفكيكه وتحويله عن دوره في مقاومة الأعداء الحقيقيين من خلال خطة محكمة تحوله من جيش عسكري إلى مجموعة شركات مقاولات و استصلاح أراضي واستزراع سمكي ، هل كنت تصدقه ؟ أم على الفور كنت ستقول وبصوت مرتفع مش ممكن يا جدع دا الجيش المصري ده جيش وطني وفاهم كل ألاعيب الصهاينة وأوربا وأمريكا وبالتالي لا خوف على جيش مصر العظيم . 

الآن وبدون مؤامرة ولا تدخل من أوربا ولا أمريكا ولا الكيان الصهيوني يقوم قائد الانقلاب بتفكيك وإعادة هيكلة الجيش والقوات المسلحة من قوة قتالية رادعة لأي عدوان إلى مجموعة شركات لا علاقة لها بالعسكرية و لا بالحروب ولا بفنون القتال و لا حتى الدفاع عن النفس إن لا قدر الله حصل أي عدوان خارجي على بلدنا الحبيب . 

بالأمس القريب وبدون حياء سمح إعلام السيسي ببث مادة إعلامية تنال من الجيش المصري وتهين تاريخه بطريقة متعمدة ، لم يكن أحد يتوقع ولا أكثر المتشائمين أو المتربصين بالجيش المصري أن يسمح بإذاعة لقطة يقدم فيها ضابطان من الجيش المصري نفسيهما على أنهما الرائد مقاتل أحمد سامي قائد خط الجمبري والمقدم مقاتل محمد إبراهيم قائد خط السمك !! .

 لقد أنهيت خدمتي بالقوات المسلحة المصرية قبل ثلاثين عاما بالتمام والكمال ورغم أنني كنت في كتيبة تقوم بمشاريع صيانة خطوط السكة الحديد الناقلة للفحم من الواحات إلى مصانع فحم الكوك في حلوان بالقاهرة إلا أنني لم أسمع أبدا أن أي رتبة عسكرية كان يطلق عليها داخل الكتيبة ولو على سبيل النكتة أو الفكاهة أن الضابط فلان هو رئيس خط نقل الفحم أو أنه مسؤول تنظيف قضبان السكك الحديدية وهو ما كانت الكتيبة تقوم به فعليا ، كان لدى السلطة في ذلك الوقت بعض حياء ورغبة في الحفاظ على ماء وجه الجيش وضباطه . 

أما اليوم وحين يتفقد السيسي ومن خلفه صدقي صبحي مشروعا تجاريا يمكن أن يقوم به مجموعة من رجال الأعمال  أو تجار السمك ومربي المواشي دون الحاجة للجيش ولا للمقاتلين ثم يتم تقديم الضباط على انهم قادة خطوط الجمبري والسردين والسالمون فهذه والله مسخرة لا تليق لا بمصر ولا بأهلها ولا ما تبقى من كرامة لجيشها. 

الأمر لا يستحق السخرية لأن المسخرة كلها تمثلت في شخص واحد اسمه السيسي الذي لا شك أنه شديد السطحية وشديد الغباء ولكن الذي يستحق التوقف كثيرا هو موقف أولئك النفر من الضباط الذين هانت عليهم بدلتهم الميري وتاريخ العسكرية وكذبوا على أنفسهم وعلى الناس وهو يقدمون أنفسهم للرأي العام على أنهم مقاتلين ! هذه هي المسخرة الحقيقية التي يجب أن تسترعي الانتباه وليس خيانة السيسي وصدقي وكبار الجنرالات بل ما يجري من غسيل لعقول صغار كبار الضباط من رتبة رائد ومقدم  وهؤلاء هم العمد الأساسية للقوات المسلحة لعشر سنوات قادمة ، فكيف بهم إذا أصبحوا لواءات وفرقاء ومشيرين ماذا عساهم يفعلون بالجيش المصري ؟ 

والله لم أحزن كما حزنت على هذا المشهد البائس التعيس ، وحزنت لأسر هؤلاء الضباط وذويهم حين يشاهدون آباءهم على الشاشة وهم يقدمون أنفسهم على أنهم سماكين أو رعاة أبقار وماشية بدلا من كونهم ضباط في أسلحة كنا نفخر بها مثل المظلات والصاعقة والطيران والبحرية . 

ليس الأمر مقصورا على تربية الأسماك وإنتاج خطوط التعليب والتصنيع السمكي والذي يقوم به ضباط الجيش رغم أن هذه الصناعة لها أهلها وتاريخها في مصر منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمان تقريبا ، ولكن الأسوأ هو القادم لأن السيسي قد بشر شعبه بأن جيشه العظيم سوف يقوم بتربية المواشي والعجول في منتصف عام 2018 وأن الجيش العظيم قام أو سيقوم باستيراد 165 ألف رأس ماشية ليقوم الضباط المقاتلين برعايتها والسهر على صحتها قبل ذبحها ، ماذا عن الحدود والحرب على الإرهاب المزعوم  ؟ ليس هذا وقته . 

لا أعرف ساعتها بماذا سيتم تقديم  الرائد مقاتل احمد سامي نفسه للرأي العام ومن خلفه مجموعة أبقار سمان وهو يمسك ببعض البرسيم أو الأعلاف التي يقدمها لها مبتسما لأنه يخدم البقر ؟ هل سيقول مثلا مقدم مقاتل أحمد سامي قائد خط إنتاج الحليب و القشدة والزبادي يا فندم ؟ أنا هنا لا أسخر ولكنني أتوقع إن لم يتم وقف هذه المهزلة المسماه بالسيسي وجنرالاته عند حدهم . 

ماذا سيقول زميله الآخر المقدم مقاتل محمد إبراهيم في هذه اللحظة التاريخية وهو يقف وسط المجزر الآلي الذي وعد السيسي به شعبه هل سيقول مثلا " مقدم مقاتل محمد إبراهيم قائد خط ذبح العجول وتشفيتها (اخلائها من العظام والجلود وخلافه ) يعني بالبلدي جزار بس ميري . هل هذا  يليق بأناس درسوا في الكليات العسكرية بكافة فروعها ، هل وصل بهم الأمر إلى أن يتحول إلى مجرد رعاة  ماشية وأبقار وصيادي سمك وجزارين على الملأ وبدون حياء ولا حفظ ماء وجه القوات المسلحة . 

تخيل أنك والد أي من هؤلاء الضباط وكنت قد خدمت بالقوات المسلحة إبان حرب أكتوبر المجيدة ما هو شعورك يا سيادة اللواء أو العميد  وأنت ترى ابنك الضابط الذي دفت به إلى الجيش ليكون ضابطا محترما  يرتدي  بالطو الجزار أو ملابس راعي الأغنام و الأبقار ؟ 

لماذا يسكت المحاربون القدامى على تلك الجريمة وهذه الإهانة ؟ لماذا يصمتون عن إهانة ومرمطة تاريخ العسكرية المصرية في التراب؟

قد يجادل البعض بأن الجيش تحول لخدمة المواطن ولكنني أؤكد للجميع أن الجيش لا يخدم المواطن البتة بل يخدم مشروعه التوسعي لابتلاع الدولة ، فلا أسعار اللحوم ستنخفض غدا ولا بعد عشر سنوات ، ولا أسعار الأسماك التي خرجت من مشاريع  سمكية ادعى السيسي أنه افتتحها قبل عام ساهمت في خفض سعر الأسماك ؟ 

هذا رجل نصاب وعميل وفاشل وهو صاحب أكبر كذبة في التاريخ حين قال إن مصر هتبقى أد الدنيا فصدقه بعض البسطاء وكثير من المغفلين وثلة من المنتفعين ثم اكتشفوا جميعا وبعد مرور خمس سنوات على الانقلاب أن مصر بقت أد السمكة  وربما أقل قليلا . 
0
التعليقات (0)

خبر عاجل