ملفات وتقارير

"النأي بالنفس" أنعش الحكومة اللبنانية.. لكن هل يصمد؟

ارشيفية
ارشيفية

يسود التفاؤل الحذر الساحة السياسية اللبنانية، عقب تراجع رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، عن استقالته رسميا، عقب انتهاء الجلسة الاستثنائية للحكومة التي انعقدت ظهر الثلاثاء في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية، ميشال عون.


طويت صفحة الأزمة، لكن التساؤلات تبقى حاضرة عن المشهد القادم، في ظل حديث يتم التداول به سياسيا، وعبر وسائل إعلام لبنانية، حول خارطة تحالفات جديدة تتشكل حاليا، على أن تكون واضحة المعالم قبيل الانتخابات النيابية المقرّرة في أيار/ مايو المقبل.


ويبدو أن المخرج الذي أبقى الحريري رئيسا للحكومة يكمن في التأكيد على التزام الوزراء كافة "بالنأي بالنفس عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب، وعن الشؤون الداخلية للدول العربية"، وأعرب الحريري عن "رفضه أن تتدخل أي دولة في الشؤون اللبنانية، وبعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، لا سيما دول الخليج، أو التهجم عليها في وسائل الإعلام". 


توافق أم تحالف؟


وفي ردود الفعل على قرار الحريري، قال عضو كتلة الوفاء للمقاومة التابعة لحزب الله، النائب كمال الرفاعي، في تصريحات لـ"عربي21": بعد عودة الرئيس الحريري اتضح أن الطبقة السياسية اللبنانية بمختلف أطيافها تقف على درجة واحدة من المسؤولية لما يتعرض له لبنان من مؤامرة خارجية وفتنة كادت أن تقع بين اللبنانيين"، مضيفا: "حكمة رئيس الجمهورية ميشال عون وبقية الأفرقاء السياسيين حصنت الأوضاع، وتصدّت للمخاطر المحدقة ببلدنا".


وحول موقف الحكومة بخصوص النأي بالنفس تجاه الصراعات العربية، قال: "ما صدر عن مجلس الوزراء يبشر بأنّ المرحلة القادمة ستكون هادئة ومستقرة، لتمهد الطريق أمام الحكومة؛ لتأدية الدور المنوط بها، والاستعداد للإشراف على الانتخابات النيابية".


ورأى الرفاعي أن التحديات كبيرة على الحكومة، وقال: "يتوجب على الحكومة مواجهة التحديات الاقتصادية؛ لتعزيز الاستقرار، وإدخال الطمأنينة للمواطنين"، متهما دولا -وصفها بالشقيقة- بممارسة ضغوط على لبنان؛ للحصول على مكتسبات سياسية، وأضاف: "يتعرض لبنان لحصار اقتصادي تمارسه بعض الدول الأوروبية، وبدعم من دول عربية، وهذا يتطلب عملا جادا لمواجهته".


وعن إمكانية حدوث تغيرات على مستوى التحالفات في لبنان على ضوء التأثيرات والمتغيرات الخارجية، قال: "الرئيس الحريري توافق مع العديد من الأفرقاء في لبنان على مبدأ المحافظة على الاستقرار الداخلي، ومنع أي تأثيرات يكون لها ارتدادات على لبنان"، مشير إلى أن "الحريري هو الوحيد الذي بإمكانه تصنيف علاقاته الحالية مع السعودية، بينما تبدو علاقاته مع فرنسا متميزة إلى جانب التعاطف المصري معه". 

 

لماذا اندلعت الأزمة؟


وقال النائب عن حزب البعث، عاصم قانصو، في تصريحات لـ"عربي21": "ليس من المفروض أن نخوض هذه الأزمة ونغرق البلاد في سجالات وتكهنات وتأويلات بذريعة المخاوف من فتنة طائفية، فالمعالجة كانت متاحة في ظل حكمة رئيس الجمهورية في المعالجات السياسية".


وانتقد قانصو ما قال إنه مبالغة في استخدام مصطلح النأي بالنفس، فقال: "تدارسنا مع نواب في المجلس النيابي مآلات الأمور بعد المرحلة المرتقبة لاستخراج الغاز من لبنان، حيث من المفترض تصديره عبر أنابيب من خلال الأراضي السورية والتركية، ما يؤكد أن النأي بلبنان عن علاقات طبيعية مع الدولة السورية يسبب خسائر للاقتصاد اللبناني".


واستغرب الإصرار على ما قال إنه "ضرب لمصالح لبنان الاقتصادية المختلفة الصناعية والزراعية من خلال (النأي بالنفس)"، متهما بعض السياسيين في لبنان بالتلاعب في مصير اللبنانيين؛ بهدف لعبة الانتخابات النيابية القادمة".


وقلّل قانصو من أهمية التحالفات الجديدة التي يدور الحديث عنها في لبنان، قائلا: "لا يعقل أن تكون نتيجة الصراع السعودي والإيراني، وما حدث عن متغيرات ميدانية في سوريا والعراق هو تكوّن تحالف لقوى سياسية لبنانية كانت متنافرة في الماضي، وتوافقت بناء على أجندة مصالح".

 

وأضاف: "النظام في لبنان طائفي مبني على المحاصصة، وبالتالي لا يمكن أن يتبدل بناء على متغيرات سياسية محدودة"، متابعا: "حتى أن الانتخابات لم تستطع إحداث تغيير جذري من خلال نظام فاسد متعفن ورأسمالي".


التوغل الإيراني


وربط الكاتب والمحلّل السياسي، شارل شرتوني، مآلات الأوضاع السياسية في لبنان بما ستؤول إليه محادثات الأزمة السورية في جنيف، وأكد الشرتوني في تصريحات لـ"عربي21" أن "البدء في مسار إنهاء الحرب السورية تعني بأن لبنان دخل في مرحلة جديدة"، متهما "السياسيين في لبنان بالكذب على جمهورهم من خلال مواقف تتبدل تباعا بحسب المعطيات والظروف، ومن دون أخذ المصلحة العامة في الاعتبار".


وحذر شرتوني من تعرض لبنان لتأثيرات ما قال إنه خلاف روسي-إيراني جديد على خلفية طريقة حلّ الأزمة السورية، وقال: "نخشى أن يكون بلدنا ساحة تخريب وتصفية حسابات بين روسيا وإيران، رغم أن الاستقرار الأمني في لبنان يبدو حصينا ومنيعا، لكن اللاعبين بالملفات الكبرى قادرون على العبث بأمن دول صغيرة كلبنان".


ورأى أن "الحرس الثوري الإيراني يريد أن يحافظ على ما يعتقد أنها مكتسبات حققها من خلال تدخلاته في دول المنطقة، لكن الأمر ليس متاحا له فقط، فهناك لاعبون لا يقبلون إزاحتهم عن المشهد، كالروس والأمريكيين والأكراد وغيرهم".


واعتبر الشرتوني أن "الموقف العربي خجول في مقاربة التحديات التي تعصف بالمنطقة"، وشدد أن "السياسات العربية إزاء أزمات المنطقة أثبتت فشلها. وفي حال استمرارها، فإنها ستولّد مزيدا من الارتدادات السلبية على المستويين الأمني والاقتصادي".

 

التعليقات (0)