قضايا وآراء

ترامب في مصيدة القدس

عبد الناصر عيسى
1300x600
1300x600

على الرغم من استمرار الدعم الأمريكي اللامحدود لدولة الاحتلال الصهيوني، بغض النظر عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس أو الاعتراف الرسمي بها كعاصمة لدولة الاحتلال، إلا أن السياسة الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية ومنذ سنوات طويلة قضت بأن مصير مدينة القدس سيتم تحديده من خلال المفاوضات السلمية بين الأطراف المعنية، والتي تعايشت مع هذا القرار كلاً على طريقته فإسرائيل على سبيل المثال استمرت بحملة الاستيطان والتهويد الشعواء وفرض الحقائق على الأرض، إلى أن جاء السيد ترامب بشخصيته ومواقفه الإشكالية وأعلن عن موقفه الجديد فهل سيفعل ذلك، ومتى؟


يقف اليوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام مفترق طرق هام فإما أن يفي بعهده ووعده المتكرر لناخبيه من الجمهوريين والانجليكانيين أثناء وبعد حملته الانتخابية،وان ينسجم مع هوسه المعروف بفعل ما لم يستطعه اوباما من قبله، او ان يصغي الى حسابات المصالح الأمريكية كما بسطها أمامه ممثلو المؤسسة المهنية كالبنتاغون والخارجية والأمن القومي والاستخبارات والتي يحذر معظمها من مخاطر وإبعاد تغيير السياسة التقليدية الأمريكية تجاه مدينة القدس، سواء باتجاه نقل السفارة الأمريكية اليها او باتجاه إعلانها كعاصمة موحدة لدولة "إسرائيل"، بما في ذلك احتماليات ومخاطر ضرب أهداف أمريكية في العديد من دول العالم واحتمالية هبة في الشارع الفلسطيني ضد الاحتلال .


يمكن القول أن الخيارات المطروحة امام الرئيس ترامب هي 3 خيارات رئيسية : 


الخيار الأول: وهو خيار العودة للسياسة الأمريكية التقليدية والتي تتطلب قيام الرئيس توقيع أمر تأجيل نقل السفارة الأمريكية لستة اشهر أخرى، الأمر الذي يعتبر تراجعا واضحا في وعود ترامب الانتخابية وتعهداته المتكررة بعد توليه الرئاسة .


أما الخيار الثاني: فيقضي بقبول الرئيس بمخرج ما قد يكون على صيغة ذاك الذي رفضه بعد أن عرضته عليه المؤسسات المهنية الأمريكية،وذلك بعد اجتماع تم عقده في الأيام الأخيرة بين وزير الدفاع والخارجية والسفير الأمريكي في إسرائيل وآخرون، ويقضي -ووفق صحيفة الواشنطن بوست- بقيام الرئيس بالتوقيع على قرار تأجيل نقل السفارة -كما جرت العادة - مع إضافة إعلان منه انه ما زال ملتزما بتنفيذ وعده للناخبين بنقل السفارة بالوقت المناسب، أو قد يكون المخرج أن لا يقوم بالتوقيع على الأمر الرئاسي مؤقتا او بتاتا، بحيث تنتقل المسألة إلى المسار  القانوني المعقد وللرأي العام،مما يسمح لمن يريد تقديم قضايا للمحاكم الأمريكية، مطالبا بتنفيذ القانون الأصلي والذي يلزم الادارة بنقل السفارة إلى القدس او ان يقوم الرئيس بالتوقيع على الامر الرئاسي المعهود .


أما الخيار الثالث فيقضي بأن ينفذ الرئيس الامريكي تعهده وفق ما ذكرته التقارير والتقديرات الأولية قبل ايام، أي: التوقيع على قرار تأجيل نقل السفارة الأمريكية للقدس، ولكن الإعلان والتأكيد على ان القدس هي عاصمة الدولة اليهودية، والأخطر من هذا هو قيامه بالإعلان "عن القدس الموحدة" كعاصمة الدولة اليهودية.


يمكن القول ان تبني ترامب للخيار الأول سيعد انجازا واضحا لحالة الاستنفار الرسمي والشعبي، فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، وانتكاسة جديدة لشخص وسياسة ترامب الداخلية والخارجية، لذلك فاحتمالية حدوث ذلك مرتبطة بتقديرات أمريكية جديدة تحذر من تصاعد عمليات الاحتجاج وكذلك طريقة اتخاذ القرارات المعروفة عن الرئيس ترمب، ولكن من غير المرجح ان يقوم الرئيس بتبني هذا القرار، وخاصة أن لديه خيارا ثانيا وهو خيار " المخرج" .


إن تبني ترامب للخيار الثاني، وان اعتبر تراجعا منه، وانجازا معينا لحالة الرفض والاستنفار الفلسطيني والعربي والإسلامي،الا انه يعتبر بمثابة حل وسط مقبول يوفق ويوائم بين حسابات المصالح الأمريكية،والتي ستزداد وضوحا كلما ارتفعت وتيرة الرفض والاحتجاج الفلسطيني و العربي والإسلامي، وبين رغبة ترامب الشديدة في تغيير الموقف الأمريكي التقليدي من القدس بشكل او بأخر، و قد ترجح هذا الخيار  تصريحات جارد كوشنر الأخيرة بأن الرئيس لم يقرر بعد قراره النهائي،والأهم من ذلك ما ورد من تقارير عن نية ترامب تأجيل اعلان موقفه لايام اخرى .


أما الخيار الثالث والقاضي بقيام ترامب بتنفيذ ما أعلن عنه قبل أيام أي: التوقيع على أمر قرار تأجيل نقل السفارة للقدس لستة أشهر أخرى مع إعلانه أن القدس هي عاصمة الدولة اليهودية فهو امر مستبعد لما يحمله من معاندة غريبة لتحذيرات وتوصيات المستوى المهني في ادارته،ومن استهتار بكل التحذيرات التي اطلقتها جهات صديقة وغير صديقة للأمريكان والتي كان آخرها تصريحات الرئيس الفرنسي،مما يهدد المصالح القومية والأمنية لأمريكا واسرائيل .


إن من أهم الأمور التي تدعو للافتراض باستبعاد الخيار الثالث وترجيح الثاني هو ايضا عدم الحماسة التي يبديها المستوى السياسي في إسرائيل لخطوة ترامب الجديدة، والمترافقة بتخوفات وتحذيرات المستوى ألامني فيها من تداعيات القرار على الساحة الفلسطينية حيث اعتبر شمعون شيفر في تصريحه ليديعوت احرنوت 3-12 ان ترامب يلعب بالنار وكذلك اكد المحلل العسكري الكيس فيشمان ليديعوت احرنوت 5-12-2017، فإعلان ترامب الرمزي لن يغير شيئا على ارض الواقع،لكنه يهدد بإشعال الساحة الفلسطينية والمنطقة بأسرها، من المناسب الإشارة أيضا إلى نفي نتنياهو ما تردد من تسريبات قبل اسابيع حول تصديره لرسائل ضمنية تدعو ترامب لعدم القيام بخطوته تجاه القدس .


وهكذا يبدو ان الرئيس الأمريكي ذو التجربة المحدودة في الشرق الاوسط قد أوقع نفسه بنفسه في مصيدة المدينة المقدسة : فإما أن يمضي في قراره مخاطر.


بأمن ومصالح بلاده وحلفائه بالمنطقة وعلى رأسهم إسرائيل، وبخططه وسياساته الغير واقعية في "صفقة القرن "، واما ان يتراجع بشكل كبير كما الخيار الأول او بشكل محدود كما الخيار الثاني، وبالتالي يخرج بأقل الخسائر الممكنة، انها لعبة قدس الأقداس، ولعبة القدس خطيرة. 

0
التعليقات (0)