مقالات مختارة

سخافة العلاقة بين ترامب وإسرائيل

طه أوزهان
1300x600
1300x600
أداء الرئيس الأمريكي يوم السادس من ديسمبر لم يتجاوز كونه مأساة أمريكية أو استسلاما.

في السادس من ديسمبر/ كانون الأول أعلن دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة وهدية أمريكا الشعبوية إلى العالم، مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، وكان يتكلم كما لو كان متعصباً صهيونياً يتحدث في برنامج تلفزيوني أمريكي محافظ. 

يمكن للمرء أن يستخلص من حماسته ونغمة صوته وهو يلقي خطابه مقرراً انطلاقاً من عاصمة بلاده إعلان مدينة ما عاصمة لبلد آخر أن تصرفه كان في منتهى الغرابة حتى طبقاً لما ألفه الناس من سلوكياته غير السوية.

وما كان المشهد ليكون أكثر سخافة ومدعاة للسخرية حتى لو أعلن ترامب أن واشنطن هي عاصمة إسرائيل.

اللوبي

في واقع الأمر، هذا هو الذي حصل تماماً. ففي السادس من ديسمبر تم الإعلان بما لا يدع مجالاً للشك أن واشنطن باتت الآن عاصمة لإسرائيل. ولهذا السبب بالضبط، كمثال على نمط من الاستفزاز البدائي، ما إن أنهى ترامب خطابه حتى عُرضت صور العلمين الإسرائيلي والأمريكي على جدران المدينة القديمة في القدس.

لا تحليلات السياسة في الشرق الأوسط ولا سياسة واشنطن الخارجية ولا التقييمات العقائدية تفسر العلاقات الإسرائيلية الأمريكية. يصعب على المرء أن يشرح بشكل مقنع شكل ومحتوى هذه العلاقة.

لم يعد يوجد تفسير لهذه الظاهرة سوى قوة ونفوذ اللوبي الإسرائيلي. ومع ذلك، على المرء أن يتوخى الحذر حتى لا يبدو كلامه كما لو كان ترويجاً لنظرية المؤامرة.

ومع ذلك، لم يعد ثمة شك في أن نفوذ اللوبي وهيمنته في واشنطن وقدرته على الاستيلاء على صناعة القرار فيها، بات أمراً واقعاً. إذا نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية فإن أداء ترامب يوم السادس من ديسمبر/ كانون الأول لم يكن سوى مأساة أمريكية أو استسلاماً.

بل إن الادعاء بأن الولايات المتحدة، التي سلمت أقوى بلد في المعمورة هدية إلى وحش ملفوف براية الشعبوية، لا يمكن أن تصبح أسيرة لإسرائيل هو بعينه زعم يرقى إلى نظرية المؤامرة.

أزمة عميقة

توجد مشكلة إسرائيل في الصلب من كثير من القضايا والأزمات في الشرق الأوسط. إلا أن مشكلة الولايات المتحدة تكاد في الوقت الراهن تغطي على مشكلة إسرائيل. فنحن نمر بأزمة عميقة في المنطقة شكلتها سلسلة من الاحتلالات والهجمات الأمريكية والإسرائيلية على مدى عقود.

الاحتلال الإسرائيلي، الحروب التي شنت ضد غزة وضد لبنان، والاحتلالات الأمريكية لأفغانستان والعراق، كانت المصادر الأساسية للأزمات في المنطقة منذ سبعة عقود. ومن هذا المنطلق، لا يختلف إعلان ترامب بشأن القدس عن الخطوات التي كانت تتخذها الإدارات الأمريكية السابقة للتدخل، والتي لم تكن تقوم على استراتيجية مفهومة ولم تقدم خارطة طريق مقنعة فيما يتعلق بالسياسات الأمنية أو بالسياسات التخطيطية بشكل عام.

ولذلك ينبغي ألا ينظر إلى قرار ترامب في معزل عن القانون الذي شرعه الكونغرس الأمريكي أثناء إدارة كلينتون في عام 1995 والقاضي بنقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

ومن هنا يصعب ألا يتفق المرء مع الرأي القائل بأن سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط يكتنفها الغموض والتناقض. إذا تذكرنا التسونامي الذي سببته عائلة بوش في العراق، والذي ما لبث أن تبعته كوارث سببتها سياسات أوباما في مصر والعراق وسوريا، فإن بإمكاننا القول إن ترامب يسير على خطى من سبقوه خطوة خطوة.

ولربما كانت الذهنية الأمريكية وسياسات التدخل التي انتهجتها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط هي أساس المشكلة. وسيلاحظ الإنسان الواقعي أنه لا يوجد تفسير منطقي للكيفية التي تخدم بها هذه السياسات، وبشكل رئيسي المحور الإسرائيلي بلا منازع، المصالح الأمريكية.

عند هذه النقطة، ليس صعباً التنبؤ بما يمكن أن يحدث فيما بعد. فالديمقراطيون والجمهوريون الذي صوتوا في شهر يونيو/ حزيران الماضي بالإجماع التام (90 إلى صفر) على نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، سوف يقفون صفاً واحداً خلف هذا القرار لسببين لا علاقة لهما إطلاقاً بترامب نفسه: الأول هو اللامبالاة، كما كان الحال مع مسألة غزو العراق، والثاني المأساة الإنسانية في سوريا.

إلا أنه ما من جدوى من مشروع إيجاد وإنشاء عاصمة لإسرائيل التي توجد بدنياً في الشرق الأوسط ولكنها موجودة ذهنياً في واشنطن. فالدولة التي تتطلع إلى مصادرة القدس، العاصمة المشتركة للأديان الإبراهيمية جميعاً، لابد أنها فاقدة للمنطق السليم.

لعلنا نخطئ حينما نتحرى المنطق السليم في طموحات إسرائيل، ذلك الكيان الذي يصر على التعلق بوضعه كسلطة محتلة ولم يلبث يحلم منذ نصف قرن في الأراضي المحررة.

كل ما تبقى في إسرائيل هو رد الفعل السريع والآني على الرغبة الجامحة في البقاء قوة احتلال والحرص على حماية هذا الوضع بكل ثمن ممكن. ما فعلته إسرائيل من خلال خطوة ترامب الأخيرة هي أنها وضعت ثقتها فيه ليوفر لها الحماية على المدى القصير. إلا أن إسرائيل قد لا تنعم بمستقبل باهر مع ترامب، الرئيس الأقل شعبية في تاريخ الولايات المتحدة، إذا اعتبرته "شبكة أمانها" الوحيدة.

أمريكا أولاً، ولا شيء آخر

تلقت استراتيجية ترامب "أمريكا أولاً" ضربة مدمرة هذه الأيام لأنه لم يبق داخل فريقه أحد ممن "يعمل لصالح أمريكا". فزوج ابنته ورئيس حملته ومستشاره السابق للأمن القومي كلهم متهمون بالعمل لصالح بلدان أخرى. وفي الحطام الذي خلفه قرار ترامب لا ندري إن كان هو الآخر سيواجه تهماً مشابهة.

بإمكاننا اعتبار هذه الحماقات "استماتة أمريكية" ونراقب ما الذي سيأتي من بعد. ولعله يحسن بنا القول إن قرار ترامب تجاه القدس، والذي يحتمل أن يكون له تداعيات متلاحقة كالدومينو، لم يكشف فقط عن انعدام المنطق في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ولكنه أيضاً يرينا كيف يملي اللوبي الإسرائيلي سياسة الولايات المتحدة.

ما لم يواجه المعسكر المعادي بقوة لترامب في داخل الولايات المتحدة هذا الواقع فسوف نستمر في سماع تصريحات تفيد بأن ترامب وحده هو الذي اتخذ القرار تجاه القدس.

إلا أن الذين عانوا الكثير، وبما فيه الكفاية، في الشرق الأوسط لن يمسكوا أنفسهم عن الضحك، وقسمات وجوههم تدل على السخرية، إزاء وجود مثل هذا الوحش الكاره للإسلام والمسلمين في واشنطن والذي يظن أن بإمكانه تقرير مصير القدس. 
0
التعليقات (0)