قضايا وآراء

‏الجاسوس والبلطجي

بهاء عفيفي
1300x600
1300x600
‏حينما تسمع هذا العنوان، غالبا ما يتجه عقلك إلى فيلم من إخراج عبقري السينما المصرية حسن الامام للأسف.. فقد شطح خيالك في الاتجاه الخطأ، حيث أنني أتحدث عن عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب.

‏وربما تتساءل: ما هي العلاقة بين "الجاسوس والبلطجي"، أو بين عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب. ‏وما هي علاقة مصر التي هي شبه دولة بأمريكا التي هي القطب الأعظم في هذا الكون.

‏وأوجه الشبه بين السيسي وترامب؛ متعددة لدرجة ‏لا يمكن إغفالها. ‏وسوف أحاول أن ألقي الضوء على نقاط التشابه التي تجمع بين الشخصيتين:

1. ‏الوصول إلى السلطة:

‏رغم الفارق الكبير في الحياة السياسية بين أمريكا ومصر، لكننا نجد قاسم مشترك في كيفية وصول الرجلين إلى السلطة.

‏فالسيسي استطاع أن يزرع نفسه في قلب النظام المصري بعد قيام ثورة 25 يناير، حتى تمكن من الوصول إلى أعلى قيادات الإخوان المسلمين ليقنعهم بأنه هو الرجل الأصلح لهم في الجيش. ‏وللأسف، فقد ابتلع الإخوان الطعم، وأوصلوا هذا الجنرال المغمور إلى منصب وزير الدفاع، وهو مسلح بثقة الجماعة ‏في ولائه لهم.

‏وبعد وصوله إلى منصب وزير الدفاع، بدأ يخطط للخطوة الثانية، وهي استغلال أخطاء الإخوان، وزرع بذور الفتنة بينهم وبين كافة القوى السياسية؛ من أجل الانقضاض على الإخوان والقفز على السلطة. وهذا ما نجح فيه السيسي في الثالث من تموز/ يوليو عام 2013.

‏ولم يكن السيسي يعمل منفرداً، ولكنه كان يعمل بدعم إسرائيلى - سعودي - إماراتي. ‏وكل هذه الأطراف كانت لها مصالح خاصة في مصر، ووجدت في السيسي الرجل المناسب لكي يكون هو رجلها في مصر.

‏اما بالنسبة لدونالد ترامب، فإن الرجل ليس له أي تاريخ سياسي، ولم يعمل في مجال السياسة الأمريكية من قبل، حتى أنه لم يترشح لأي منصب سياسي. ‏وهذا في حد ذاته أمر لم يحدث في تاريخ السياسة الأمريكية. ‏الرجل عمله الأصلي كان في مجال العقارات والفنادق وصالات القمار، كما كانت له بعض الأنشطة الإعلامية في البرامج التلفزيونية السخيفة، أو ما يسمى ببرامج تلفزيون الواقع. ولقد استغل ترامب الحالة المزرية التي كان فيها ‏الحزب الجمهوري، مستغلا فشل الحزب في المنافسة على مقعد الرئاسة الأمريكية لفترة ثماني سنوات، ‏وعدم وجود مرشحين أقوياء يمكنهم قيادة الحزب. فاستغل موارده المالية الضخمة من أجل حملة انتخابية قويه؛ استطاع من خلالها أن يحصل على ترشيح الحزب الجمهوري، بعد أن قام بالهجوم الشرس على منافسيه الجمهوريين في المناظرات، بالإضافة إلى تأييد اليمين المتطرف داخل الحزب الجمهوري.

ثم جاءت فرصته الذهبية لسحق هيلاري كليتنون، مرشحة الحزب الديمقراطي، مستغلاً كراهية الكثير من الأمريكيين لهيلاري كلينتون، وتواطؤ كبار مسؤولي الحزب الديمقراطي ضد بيرني ساندرز من أجل إيصال كلينتون، في سابقة لم تحدث من قبل في السياسة الأمريكية. وحدث هذا بتخطيط رئيسة الحزب الديمقراطي ديبرا ويزرمان شويلتز، وهي سياسية أمريكية يهودية معروفة بتعصبها الشديد للكيان الصهيوني.

وهكذا استغل ترامب كره الأمريكيين لكلينتون والنبرة العنصرية ضد كل ما هو غير أبيض، وكراهية الأسلام والمسلمين، وجهل الكثير من الأمريكيين بما يحدث خارج الولايات المتحدة، مما أدى إلى فوزه في مفاجأة مدوية للعالم اجمع.

2. التدخل الخارجي

قامت السعودية والإمارات بدعم السيسي مادياً وسياسياً من اجل إيصاله للحكم، كما لم تبخل إسرائيل بالدعم السياسي، وضغط اللوبي الصهيوني في أمريكا من أجل قبول الانقلاب العسكري في مصر.

أما ترامب، فقد قامت روسيا بدعمه بطريقة غير مباشرة في الانتخابات،ن عن طريق إثارة فضيحة البريد الالكتروني لكيلنتون حينما كانت وزيرة للخارجية، وبث إعلانات ممولة ضد هيلاري كلينتون من أجل رفع أسهم ترامب. وقد رصدت الأجهزة الأمنية الأمريكية الاتصالات بين مسؤولي حملة ترامب ومسؤولين روس.

3. التخلص من الرقابة

قام السيسي بإقالة المستشار جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بعد تصريحه بوجود إهدار وسرقات في المال العام؛ يبلغ حوالي 600 مليار جنية في فترة أربع سنوات.

قام ترامب بإقالة جيمس كومي، رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية، بعد قيامه بتضييق الخناق على مستشار الأمن القومي السابق بخصوص علاقته بروسيا، وتوسيع التحقيقات التي كادت تطول ترامب وأفراد عائلته.

4. الاستعانة بالعسكريين

يشترك السيسي وترامب في الاعتماد على العسكريين في كافة مناصب الدولة. أما في مصر، فلا داعي لذكر أمثلة، وذلك لتغلغل العسكريين في كافة مناصب الدولة. أما ترامب، فقد عين مستشارين للأمن القومي، وهما جنرالان سابقان في الجيش الأمريكي، في سابقة لم تحدث من قبل. كما قام بتعيين وزير للدفاع قبل مرور سبع سنوات على تركه للخدمة العسكرية كجنرال في الجيش الأمريكي، وذلك في مخالفة واضحة للأعراف السياسية الأمريكية.

5. فاتورة الحساب

السيسي عليه فاتورة حساب لإسرائيل والسعودية والإمارات. وقد قام السيسي بتسديد جزء من فواتيره لإسرائيل (صفقة القرن) والسعودية (تيران وصنافير)و الإمارات (السيطرة على مشاريع قناة السويس) وروسيا (المفاعل النووى المزعوم).

وفي المقابل، قام ترامب بدفع جزء من فاتورته لإسرائيل بقراره بنقل السفارة الأمريكية للقدس، والدعم غير المحدود لإسرائيل، وإصدار قوانين بمنع دخول المسلمين من بعض الدول الإسلامية، كما أنه يعمل جاهداً على إلغاء العقوبات على الشركات الروسية.

6. البلطجة والابتزاز والخداع

قام السيسي بابتزاز دول الخليج وسحب الأموال منها؛ في سبيل حمايتها من أي مخاطر محتملة. ولكن في وقت الجد، وفي حرب اليمن، رفض أن يرسل جنديا واحدا إلى اليمن؛ خوفا من انقلاب الجيش عليه.

أما ترامب، فقد قام بأكبر صفقة أسلحة في تاريخ الولايات المتحدة، بقيمة تفوق 500 مليار دولار، للجيش السعودي؛ الذي لا يملك في تاريخه العسكري الكثير، ولا يملك القدرات البشرية لاستخدام هذه الأسلحة؛ التي على الأغلب سوف ينتهى بها الأمر إلى أن تظل حبيسة صناديق الشحن الأمريكية.

وفي نفس الوقت، قام ترامب ببيع أسلحة لدولة قطر، ألد أعداء السعودية بعد ايران، في صفقة أسلحة تعدت قيمتها العشرين مليار دولار. والمقابل حماية قطر من محاولة قلب نظام الحكم فيها، ومنع أي تحرك أو تحرش عسكري بقطر من جانب الإمارات والسعودية.

7. طبقة المنتفعين

يعتمد السيسي على طبقة المنتفعين من رجال الشرطة والجيش والقضاء والإعلام ورجال الأعمال؛ لتثبيت أركان حكمه، ويفعل كل شيء لإرضائهم. ولذلك، لم يقم السيسي باتخاذ أي قرارات سياسية أو مشاريع اقتصادية تصب في مصلحة المواطن البسيط.

أما ترامب، فيعتمد على اليمين المتطرف والكنيسة الإنجيلية، وجماعات البيض العنصرية، واللوبي الصهيوني، ورجال الأعمال. والمتابع لقرارات ترامب، يجد أن كل قرارته تصب في صالح هذه المجموعات. وأصدق دليل على ذلك؛ قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقانون الضرائب الجديد المثير للجدل، والذي يخدم مصالح الأغنياء فقط.

8. الشعارات الجوفاء

السيسي يستعمل شعار "تحيا مصر" في كل شيء، وغالباً للتخلص من كل خصومه بشعار وطني.. يعني إذا كنت لا تؤيدني، فأنت عدو لمصر. كما أن تاريخ السيسي العسكري ليس فيه أي بطولات أو أعمال مشرفة؛ غير انتصاره المزعوم على الإخوان.

أما ترامب، فيستعمل شعار أمريكا أولاً، وهو أبعد الأشخاص عن الوطنية، ولا يهمه إلا جني الأموال. وحتى هذه، اللحظة هو يرفض أن يبرز سجله الضريبي، بعد اتهامات كثيرة له بالتهرب الضريبي. ولم يقم ترامب أو أبناؤه بالاتحاق بالخدمة العسكرية، على الرغم من استغلاله الشعارات الوطنية.

9. الفشل الذريع

قدم السيسي نفسه على أنه مخلص مصر من الاٍرهاب، وخلال حكمه تصاعدت العمليات الإرهابية لتغطي أنحاء مصر كلها، حتى وصل الفشل الأمني إلى تعرض وزير الدفاع والداخلية لمحاولة اغتيال؛ تحطمت على خلال الطائرة التي كانت تقلهم.

كما وعد السيسي المصريين بالسمن والعسل، ولكن لم يجد المصريون إلا مزيد من الفقر والجوع والمهانة.

أما ترامب، فقد عانى الكثير من الفضائح في عامه الأول من الحكم؛ بسبب تورط أفراد عائلته ومسؤولي حملته الانتخابية في اتصالات مع الروس.

كما أنه فشل في بناء الحائط الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك، الذي وعد به مؤيديه، وفشل في تمرير حظر دخول المسلمين إلى أمريكا بعد تدخل السلطات القضائية لوقف الأمر الرئاسي. ولكنه نجح أخيراً في تمرير التشريع الضريبي الجديد الذي قد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير، وقد تؤدى إلى غضب شعبي كبير في أمريكا.

10. نظرية المؤامرة ولوم الآخرين

لم يتوقف السيسي وإعلامه عن توجيه اللوم لقوى خارجية، مثل قطر وحماس والإخوان وتركيا، في أي مصيبة تحدث في مصر، حتى إذا حدثت سيول أو أحوال مناخية غير طبيعية؛ تجد سيلا من الاتهامات الموجهة للإخوان وحلفائهم بالوقوف خلف هذه الأحداث.. كما أن أنهيار أسعار الجنيه أمام الدولار وتراجع عائدات قناة السويس يرجع إلى مؤمراة إخوانية!

أما ترامب، فلا يتوقف عن لوم أوباما في أي شيء يحدث في أمريكا، حتى لو كان حادثاً مرورياً. وإذا استمرت الاتهامات بعلاقته بالروس، يتحول الاتهام من أوباما إلى كلينتون التي يتهمها بأنها وزوجها على اتصال وثيق بالروس. وكل هذه الاتهامات هي من أجل تشتيت الرأي العام، وتتويه المواطن الأمريكي.

ولكل ما سبق، نجد كم التشابه ما بين الجاسوس والبلطجي، ونستنتج أنهما رجلان يشتركان في الكثير، ولكنهما يختلفان في التوصيف والموقع الجغرافي.
التعليقات (0)