كتاب عربي 21

هذا ما قاله مستشرقون عن تفسير القرآن

محمد عمارة
1300x600
1300x600

كان المستشرق الإنجليزي "مونتجمري وات" (1909 - 2006م) قسيسا أنجليكانيا ابن قسيس، خدم في كنائس لندن وأدنبرة والقدس، لكنه التفت إلى الإسلام فدرس العربية والقرآن والإسلام، وأنجز في ذلك دراساته العليا، وأخرج العديد من المؤلفات.


وبعد دراساته للإسلام عبر أكثر من ثلث قرن، أخرج كتابه "الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر" عام 1965م، وفيه شهد للقرآن فقال، "إن القرآن هو وحي الله المباشر إلى محمد، وإن هذا الوحي عندما كتب قد مثل النص الموجود بين أيدينا الآن، لم يصبه أي تغيير أو تبديل أو تحريف.. ولقد ظل القرآن طوال التاريخ يحتل مكان المركز والقطب والمحور في الثقافة الإسلامية".

ولهذه المكانة التي تبوأها القرآن - مكانة النص المؤسس للدين والدولة والثقافة والمدنية والحضارة والتاريخ - كان تفسير القرآن فنا من أوسع فنون التأليف في تراثنا، كما أبدع المسلمون لخدمته ما عرف بعلوم القرآن الكريم.

وفي العصر الحديث، وعلى يد الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (1266 - 1327هـ، 1849 - 1905م) أصبح تفسير القرآن دعوة لإصلاح الأمة، ولتجديد الدين والدنيا جميعا، وذلك للخروج من التخلف الموروث، ومواجهة تحديات الهيمنة الغربية.

ومع أن الإمام محمد عبده لم يكمل تفسير القرآن، إلا أن منهاجه في التفسير الذي حملته مجلة "المنار" إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي على امتداد أربعين عاما، قد تحول إلى مدرسة في التفسير الحديث للقرآن الكريم؛ ضمت العديد من علماء اليقظة الإسلامية الحديثة.

ومن الشهادات النفيسة لهذا المنهاج الجديد في تفسير القرآن الكريم شهادة الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1306 - 1385 هـ، 1889 - 1965م) الذي زامل الإمام عبد الحميد بن باديس (1307 - 1359 هـ، 1889 - 1940 م) في الجهاد لإعادة الجزائر إلى العروبة والإسلام، التي يقول فيها عن تفسير محمد عبده للقرآن: "ثم جاء إمام النهضة بلا منازع، وفارس الحلبة بلا مدافع، الأستاذ محمد عبده، فجلا بدروسه في تفسير كتاب الله عن حقائقه التي حام حولها من سبقه ولم يقع عليها، وكانت تلك الدروس آية على أن القرآن لا يفسر إلا بلسانين، لسان العرب ولسان الزمان، لقد فسر كتاب الله بأسلوب حكيم لم يسبقه إليه سابق، وهو من هو في استقلال الفكر واستنكار الطرائق الجامدة، ولقد كانت تلك الدروس فيضا من إلهام الله أجراه على قلب ذلك الإمام وعلى لسانه، وإنها مما لم تنطو عليها حنايا عالم ولا صحائف كتاب.

لقد كان تفسير الأستاذ الإمام المنهاج المعجزة في التفسير، المنبئ بظهور إمام المفسرين بلا منازع، أبلغ من تكلم في التفسير بيانا لهديه وفهما لأسراره وتوفيقا بين آيات الله في القرآن وبين آياته في الأكوان، فبوجود هذا الإمام وجد علم التفسير وتم، ولم ينقصه إلا أنه لم يكتبه بقلمه كما بينه بلسانه، ولو فعل لأبقى للمسلمين تفسيرا لا للقرآن بل لمعجزات القرآن" (انتهى الاقتباس).

ولقد تحول منهاج محمد عبده في تفسير القرآن إلى مدرسة؛ ضمت أعلام المفسرين في العصر الحديث، مثل رشيد رضا وابن باديس وابن عاشور وحسن البنا ومحمد عبد الله دراز وأبو زهرة وشلتوت والغزالي، وغيرهم من الذين خرجوا بالتفسير عن إطاره القديم؛ إلى حيث أصبح منهاجا لتجديد الدين والدنيا جميعا.

بل لقد اجتذب تفسير محمد عبده للقرآن المسيحيين في بيروت، عندما كان يلقيه دروسا بالجامع العمري إبان نفيه بعد هزيمة الثورة العرابية، فذهب وجوه المسيحيين واجتمعوا على باب المسجد لسماع هذه الدروس. وللخلاص من ضوضاء الشارع، استأذنوا الأستاذ الإمام في دخول المسجد لسماع دروسه، فأذن لهم! وبذلك اجتذب هذا التفسير غير المسلمين إلى جانب المسلمين!

التعليقات (1)
انشتاين
الأربعاء، 21-02-2018 02:24 م
أهم ما جاء في الاقتباس من شهادة الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله : " وكانت تلك الدروس آية على أن القرآن لا يفسر إلا بلسانين، لسان العرب ولسان الزمان " . تميز النص القرآني عن كل نص آخر ، مهما كان قراؤه والمهتمون به ، ومهما بلغ إشهاره والتشهير له والجوائز والمكافآت التي نالها صاحبه ، إن دوائر مالية وسياسية وإيديولوجية عجزت رغم دهائها ومكرها وإصرارها ، من أن تنال من قريب أو من بعيد من هذا النص في شكله ومضمونه ، بقي خالدا في الزمان والمكان وغالبا قراءة وحفظا من دون ملل ولا كلل . لم يتمكن المفسرون من الإحاطة بحلاوته وأسراره ، كلما اقتربوا أو تباعدوا لم يختلفوا حول قدسيته وعظمته ، مهما حاولوا أن ينزلوه من منازل كانت منازله أفسح وأرحم وأروع وأجمل . من الذي يفسر ، الإنسان يفسر القرآن ، أم أن القرآن هو الذي يفسر الإنسان ، من يدل على الآخر ، الإنسان أم القرآن ؟ أمرنا الله في القرآن أن نقرأ : " اقرأ باسم ربك ... " سورة العلق . وبدل القراءة التي أمرنا بها الله ، سلكنا طريقا غير الطريق ، فاستبدلنا مهمة بمهمة ، بدل أن نعرف أنفسنا وأغوارنا بقراءة القرآن في ذواتنا وأسرنا وشوارعنا ومدارسنا ومزارعنا وجامعاتنا وكل فضاءات محيطنا الحيوي ، رحنا نبحث عن أنفسنا وذواتنا داخل النص القرآني ففسرنا النص القرآني بعيدا عن ساحات القراءة التي أمرنا الله بها . هل فسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القرآن ؟ هل كان يجلس للناس قي بيت الله فيفسر لهم القرآن آية بآية ؟ لو كان المطلوب كذلك لأحاط به آية بآية وكلمة بكلمة ومعنى بمعنى ومثالا بمثال وعبر عن ذلك أحسن تعبير ، ولدل عليه في حدود الكون شبرا بشير ، ولترك لنا تفسيرا جامعا يكفينا شر كل تأويل . ولما كان المطلوب هو القراءة فقد قرأ صلى الله عليه وسلم القرآن وصلى بالقرآن وزكى بالقرآن وصام بالقرآن وحج بالقرآن وتخلق بخلق القرآن وتمثل القرآن وعامل الناس بالقرآن ، وقاد الناس وساسهم بالقرآن ، فكان قرآنا يمشي بين الناس . أما نحن فلم نقرأ القرآن ، لم نقرأه مع آبائنا وإخواننا وأخواتنا ، ونسائنا وأبنائنا وبناتنا ، لم نقرأه مع جوارنا ، ولا في مزارعنا ولا في مدارسنا ، ولا في أي فضاء من فضاءات محيطنا الحيوي ، لذلك ولذلك فقط لم نعرف القرآن ولم يعرفنا ، فرغم المجلدات التي ألفناها وسميناها تفسيرا وترجمناها فصارت تفاسير بأكثر اللغات انتشارا ، إلا أن الذين عرفوا القرآن وعرفهم القرآن هم الذين عرفتهم ودلت على أثرهم أمم لم تطأ أرضها جيوش المسلمين يوما واحدا ولم تصلهم مجلدات المفسرين على مر آلاف السنين ، وهم إلى اليوم يقرأون القرآن كما أمرهم الله ، ويتعرفون إلى الناس بالقرآن ويعرفهم الناس بالقرآن ، وسعتهم مجتمعاتهم وأعراقهم وألسنتهم من دون الحاجة إلى رفع سيف أو إنزال تكفير أو استباحة دم ، فلم يضرب بعضهم رقاب بعض ، وحتى لما غدروا بهم في ميانمار لم تسعهم مجتمعات المسلمين من ألفها إلى يائها التي وسعت ملايين النسخ من مختلف التفاسير . نسينا أو تناسينا أن نقرأ القرآن في تأليف القلوب ، أفرغنا جامعاتنا ومعاهدنا من القراء وفيهم العلماء والباحثون ، ففرغت المكتبات من القراء رغم تخمتها بالمدونات والدواوين . وحتى الذين جمعوا للعلامة ابن باديس ، ماذا فعلوا ؟ لو اشتغل الشيخ بالتأليف في مجال التفسير لسجل رقما قياسيا ، إن كل ما جمعه هؤلاء وأولئك هو قراءته للقرآن رفقة تلاميذه ومريديه ، فكان يدلهم على أنفسهم ، ويذكرهم بحقيقتهم وواقعهم ، فكانوا جميعا يقرأون قراءته وقتا بعد وقت وساحة بعد ساحة ، ولم ينشغل عنهم أبدا ، فكان قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . واليوم فقد زادت بيوت الله عددا ، وزاد عدد الخطباء الذين لا يؤمون الناس إلا حين يخطبون فيهم ، فبدل أن يكفوهم قراءة القرآن ، أشبعوهم تفسيرا ، وبدل أن يبحثوا عن القرآن في أنفسهم وواقعهم القريب تاهوا في البحث عن أنفسهم وذواتهم وصورهم في نص القرآن الكريم لأن الإمام ببساطة لايخطب فيهم اجتماعهم ولحمتهم بقدر ما يخطب فيهم فرقتهم وأنانيتهم . الواقع يشهد والميدان هو الكاشف . الراقي الذي يرقي الناس ويأخذ منهم المال مرارا و تكرارا ، هل قرأ القرآن ؟ لو قرأ القرآن ما أخذ منهم دينارا واحدا ، وحينما نطلب منه قراءة قوله تعالى : " يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ... " نجده بدل الدخول من باب القراءة ، يهرب من باب التفسير . إن كل مظاهر العجز الذي نئن تحت وطأته آتية من غياب القرآة التي أمرنا بها الله ، كلنا يفسر ويؤول ويحرف ، ولا واحدا منا يقرأ إلا من رحم ربك . قل القراء وكثر المتكلمون . تفسير القرآن مهمة نبيلة و خطيرة ، هلا أنزلناها منزلتها التي تستحق ضمن القراءة التي أمرنا بها الله ؟ شكرا و السلام .