مقالات مختارة

عام "البلوك تشين"

عاصم منصور
1300x600
1300x600

أوصاف كثيرة أطلقها الإعلام والناس على العام المنصرم وكذلك العام الجديد، تنوعت واختلفت هذه الأوصاف بحسب ما مر من أحداث، أو انصرف اليه من اهتمامات أو مقدار التساؤل لديه. كثير من العاملين في الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا الحديثة اختاروا أن يطلقوا على عامنا الجديد عام سلسلة الكتل أو "Blockchain" ، قاصدين بذلك التقنية الثورية التي ساعدت على تطبيق وتبادل العملات الافتراضية التي أشعلت الدنيا نهاية العام، حين تضاعفت قيمتها أضعافا مضاعفة في أشهر قليلة.
يقول أهل الاختصاص إنه بغض النظر عن "فقاعة العملة الافتراضية"، فإن هذه التقنية تستجيب لحاجات متعددة وحقيقية، وهي قادرة على حل مشكلات مشخصة، وتوفر الكثير من المال والوقت، وبذلك فهي مرشحة لأن تشكل ثورة جديدة، وأنها ستغير من طريقة تسجيل وحفظ وتبادل الأشياء ذات القيمة مثل الأموال والأسهم وبراءات الاختراع والسجلات الطبية وملكيات الأراضي والعقار والتصويت في الانتخابات.. وقائمة طويلة متزايدة من الخدمات والتطبيقات. ويتوقع هؤلاء أن تساهم هذه التقنية في القضاء على المزيد من خدمات الوساطة المختلفة، التي تترنح تحت مستجدات الإنترنت والتجديدات والمخترعات والتطبيقات المتلاحقة.
ويرى المختصون أن سلامة وأمن وشفافية هذه التقنية تشكل مسوغات أساسية لتعميم نشرها، ولكن الأخبار ما تزال تنقل إلينا اختراقات جديدة نتجت عنها سرقات بملايين الدولارات من العملة الإلكترونية التي تستند إلى هذه التقنية عالية التشفير والحماية، ولكن مثل هذه الاختراقات لم تمنع سابقا من انتشار تقنيات الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية كافة، والتحول الرقمي والتجارة الإلكترونية، فلماذا ستختلف الحالة هنا؟
قائمة المهتمين بهذه التقنية تمددت وشملت حكومات وبنوكا كبيرة بالإضافة إلى شركات تقنية المعلومات، وضخ هؤلاء استثمارات طائلة مما يشير إلى جدية هذه التقنية ومن يقف خلفها، وبدأت شركات جديدة تظهر بهدف الاستثمار في خدمات وتطبيقات تتصل بهذه التقنية. حكومة دبي سبقت الآخرين وأعلنت أنها بدأت بتطبيق هذه التقنية، وإن بدت هذه المحاولات غير ظاهرة الجدوى، إذ يبدو أنها من قبيل حجز مقعد بانتظار التطوير والتجويد. 
ترى كيف سنتعامل محليا مع هذه الظاهرة التقنية القادمة من عالم مترابط لن ينتظرنا لتوفيق أوضاعنا لاستيعاب هذه التغييرات الجامحة، وهل نحن مهتمون كمجتمع وحكومة بالتعامل مع سجل إلكتروني مفتوح ومشترك لكل ما له قيمة، هل نحن مهتمون بتتبع حركات المواد التي نتعامل بها من خلال قواعد بيانات مفتوحة تحمل تاريخ المادة من الوجود إلى الفناء؟ هل نحن معنيون بتوثيق وتقييم مصداقية المتعاملين في هذه المواد ذات القيمة؟
إن التعامل مع الظواهر التي تغير من طرق وأساليب العمل، والقواعد الراسخة في الإجراءات، يحتاج إلى تشريعات ملائمة، وبيئة عمل متكيفة، وبالطبع سيكون هناك مستفيدون من الداخل والخارج، ومتضررون من الداخل، ومن هؤلاء مؤسسات الدولة وشرائح ومؤسسات في المجتمع، ولنا في تجربة تطبيقات التاكسي مثال، إذ يبدو أن الحذر والتردد والانتظار هي السمات الأبرز لتعاطينا مع هذه الظواهر. وإذا كنا لا نملك رفاهية المجازفة والمغامرة، فلا أقل من ألا نتأخر كثيرا، فإذا حان الوقت نكون جاهزين لما هو ضروري من خلال الرصد المبكر والدراسة والنقاش المفتوح والمتابعة المنهجية.

 

الغد الأردنية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل