كتاب عربي 21

سباق قتل النهضة التونسية!

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
جُملة الرئيس اليمني المقتول علي صالح الشهيرة بلهجته اليمنية، "فاتكم القطار"، مناسبة جدا الآن.. وهنا للرد على "سي نجيب" (أحمد  نجيب الشابي) وأضرابه في تونس؛ الذين أطلقوا سباق قتل حزب النهضة قبل أن يحل موعد الانتخابات النيابية والرئاسية سنة 2019.

لقد فتق الرجل مواهبه الاستراتيجية ليصل إلى برنامج سياسي عبقري للقضاء على حزب النهضة؛ لإنقاذ تونس من الأزمة التي تردت فيها. وعلينا، نحن الجمهور الطيب، أن نسير في ركاب "سي نجيب" ربع قرن آخر، أو على الأقل فترة كافية ليروي ظمأه من كرسي الرئاسة، ثم نعيد حساباتنا ونطرح السؤال الضروري: ما طبيعة أزمة تونس الآن؟ وما دور حزب النهضة فيها حتى يصل الجهبذ السياسي إلى هذا الحل العبقري؟

"سي نجيب" ليس ابن علي

يجب الإقرار منذ البداية أن "سي نجيب" ليس استئصاليا على طريقة ابن علي، فهو يتحدث عن القضاء على النهضة بالطرق الديمقراطية الانتخابية. ولعمري، فإن هذا مختلف عن أسلوب ابن علي 180 درجة. فالرجل لا يزال مؤمنا بالصندوق ودوره في العملية الديمقراطية. وعند هذا الحد لا يجادل "سي نجيب" في برنامجه. لكن كيف وصل إلى أن الأزمة القائمة سببها حزب النهضة؟ يذكرني "سي نجيب" هنا بحيلنا الطفولية، ونحن نعجز أمام اختبارات الرياضيات، فنسرق النتيجة النهائية من تلميذ مجد، ونضعها في ختام تسلسل غير منطقي؛ لا يؤدي إليها حتما، فنثير ضحك الأستاذ، ونحظى عنده بصفر كبير. فالنتيجة السليمة لا تكون نتيجة تشخيص خاطئ، و"سي نجيب" حصل على صفر كبير هذه المرة. والحقيقة أن أصفاره ترادفت حتى سقط في امتحان الديمقراطية؛ منذ قفز إلى حكومة محمد الغنوشي, ولكننا صبرنا عليه كما صبرنا من قبل، منتظرين دور الطبيعة في تنظيف الطريق.

الأسلوب ليس نفسه بين ابن علي و"سي نجيب"، ولكن النتيجة واحدة. بناء تونس بدون حزب النهضة؛ انطلاقا من أن النهضة هي سبب الأزمات التي يعيشها البلد.. فكيف وصل "سي نجيب" إلى هذه النتيجة؟

"سي نجيب" موافق وراض بالدستور الجديد الذي نتج عن مجلس تأسيسي؛ كان حزب النهضة فيه غالبية، حتى قيل أنه دستور النهضة. فهل أن إنتاج الدستور بمشاركة النهضة هو سبب الأزمة، أم أن الدستور هو سبب الأزمة بقطع النظر عمن أنتجه؟

"سي نجيب" مراقب لصيق للوضع الاقتصادي، والذي يحلل جميع الخبراء أن سبب أزمته هو الفساد الذي يخرب البنوك والمؤسسات والإدارات. فهل النهضة هي التي خلقت الفساد؟ أم أنها عاجزة عن مقاومته؟ أم متواطئة معه لمصلحتها؟

إن كانت النهضة قد خلقت الفساد منذ ظهورها، فلماذا حدثت ثورة قبل ظهورها إن لم يكن هناك فساد؟ كم عمر الفساد؟ ومن سببه؟ وما نتائجه على البلد الذي قفز "سي نجيب" إلى حكومته سنة 2011؛ لينقذها من الفساد، وقد كانت النهضة حينها في السجون والمنافي؟

إن كانت النهضة عاجزة عن مقاومة الفساد، وهو عجز يقاس بحجم السلطة التي بين يديها، فهي شريك في السلطة، وليست السلطة، ولذلك وجب أن يقسّم العجز على بقية الشركاء أيضا لتنسيبه. فكيف يكون الحزب الثاني، من بين أربعة أو خمسة أحزاب حاكمة، هو المسؤول الوحيد عن العجز عن مقاومة الفساد؟

وإن كانت النهضة متواطئة مع الفساد لمصلحتها، فالأمر هنا يختلف؛ لأن الحديث يصبح متعلقا بحزب فاسد لا تخاض معه الانتخابات، بل يجر إلى المحاكم. و"سي نجيب" محام قدير، ويعرف الإجراءات ولا داعي لأن يقوم بحملة انتخابية أصلا.. يكفي أن يرفع أمر الحزب إلى القضاء ليجد الطريق سالكة إلى السلطة.

"سي نجيب" لا يرى أن الفساد هو سبب خراب البلد، ويشخص الأزمة بشكل خاطئ ليصل إلى نتيجة يريدها، لذلك يُسند له صفر في التشخيص.

"سي نجيب" زعيم الأمة العربية

قضى "سي نجيب" ردحا من دهره يخطط لوحدة الأمة العربية، فقد كان صاحب سبق في الخروج عن اليسار الماركسي، ليدخل في خطابه بعدا عروبيا أجبر بقية اليسار على مماشاته فيه، ليغطي عن انبتاته وغربته الباريسية. "سي نجيب" العروبي لم يحقق شيئا للعروبة، ولكن يبدو أنه سيفعل أخيرا عندما ينجز مهمته العبقرية بالقضاء على حزب النهضة، الأداة التنفيذية لنظرية المؤامرة في تونس، وهو الوحيد المستفيد من "الربيع العبري" الذي أوصل "سي نجيب" ذات يوم إلى البرلمان، وشارك في صياغة دستور حديث.

ومن عجيب المصادفات، أن "سي نجيب" يلتقي لأول مرة مع أطراف عربية تسعى إلى وحدة الأمة، وتدفع الغالي والنفيس من أجل ذلك. فقد أنفقت على انقلاب عسكري دموي في مصر، وهي تنفق على تخريب اليمن القديم لإعادة بناء يمن جديد، وهي تخرب ليبيا من أجل بناء ليبيا.. ويبدو أنها تريد إعادة صناعة تونس بطريقة أجمل، لذلك - ويا للصدفة السعيدة - فقد صادف هواها هوى "سي نجيب"، فقال بالقضاء على حزب النهضة لتحقيق شرط التقدم في تحقيق بناء الأمة العربية..

كان "سي نجيب" أيام الدكتاتورية يبحث عن ثمن إصدار جريدته، وكان فقره أكبر سبب لاحترامه وفوزه بتقدير شعبي كبير؛ لأن أموال السلطة كانت معروضة وتعفف، ولا ينكر هذا إلا جاحد. لكن فوجئنا في انتخابات 2014 بـ"سي نجيب" ينزل بدعاية مهولة، فعرفنا أن قد وصل إلى عين الماء وشرب، وطرحنا الأسئلة: من أين لمحام شريف أن يجد المال الوفير. وسقط "سي نجيب" في الانتخابات سقوطا مدويا. وخلناه مات سياسيا، حتى عرضت عليه النهضة رئاسة الحكومة بعد الحبيب الصيد، ففرح واستبشر، لكن الرئيس الباجي حرمه من ذلك،  فغطس تحت الأرض، ليظهر الآن داعيا إلى قتل حزب النهضة؛ لأنها سبب الأزمة (وهو تشخيص يغفل فرحه بعرض النهضة لترأس الحكومة). ولا داعي لمزيد من تتبع تناقضات سي نجيب فهي تذكر بمغامرات ""Pinky and Brain (Minus et Cortex)، فأرا التجارب اللذان يسهران كل ليلة لتدبر حيل للسيطرة على العالم.

رغم ذلك احترامي "سي نجيب"

أنت رجل واضح، ولك خطة تسمح لي أنا المواطن بالاختيا،ر فإما أن أقف معك أو أن أقف ضدك، لكنك واضح كالشمس. لا يهم هنا إن كانت المعركة مبنية على تشخيص سليم، فأنت حصلت على صفر في التشخيص، بما يعني أنك حاصل مقدما على صفر في النتيجة، ولكنك واضح وضوحا يستحق الاحترام. ولا يهم إن كانت معركتك هي معركة التونسيين أو أنها معركتك الخاصة، فمتى فكر مثلك في ما يصلح للتونسيين، ومتى وزن خسارتهم إلى جانب أرباحه؟ وإلا ألم تكن شاهدا على ربع قرن من الخسارات دون النهضة لم يمكن لك فيها أن تفلح في شيء؟

آه نسيت أن أذكرك أنك لست وحدك من يخرج لصيد الوعل النهضاوي، فقد سبقك عكاشات كثر. وتلقوا أموالا لا أعتقد أنك تستطيع حسابها. وموسم الصيد الآن انطلق في أفق تخريب البلديات، فإن لم تخرب البلديات قبل منتصف السّنة الجارية، فسيفتتح موسم الصيد للتشريعيات في 2019 والرئاسية، طبعا وأنت بها زعيم. ولكن في إطار وضوحك الشمسي، نرجو أن تبين لنا كم نهضويا ستذبح لتصير رئيسا؟ فإذا كان ابن علي قد دمر حياة ثلاثين ألفا منهم مقابل ربع قرن من الحكم الفاسد، فهل ستكتفي أنت بربع العدد من أجل خمس سنوات في قرطاج مثلا؟

فاتك القطار يا "سي نجيب" مذ قاسك ابن علي بمهمة صغيرة في اليمن، فقبلتها طامعا في ما بعدها.. فما أنت إلا طالب سلطة تتخذ لها سبلا.

فاتك القطار؛ لأن معركة التونسيين لم تعد مع حزب النهضة، بل مع الفساد من أجل الديمقراطية الدائمة والقوية التي تسمح بالتصويت للنهضة والتصويت ضدها، دون دم ودون استئصال، بل على قاعدة برامج مع تونس، وليست برامج ضد جزء من تونس.. شئت أم أبيت فالنهضة، جزء من تونس يكبر ويصغر بمقدار خدمته لتونس، وتحقيق حاجات التونسيين.

آه يا "سي نجيب" ليس بعد هذا القطار قطار آخر.
التعليقات (2)
مصطفي التونسي
الأربعاء، 10-01-2018 12:03 م
شكرا لكاتب المقال .... أشعر بإرتياح وفخر حين أجد من بني وطني من له درجة من التجرد و الحكمة و قول كلمة حق دون حسابات إيديولجة ضيقة و هدامة
عبد السلام حمزة
الأربعاء، 10-01-2018 01:32 ص
تعلقه المستميت بكرسي الرئاسة أضله الطريق -حتما تلقفته الأيادي النجسة لذراري بن زايد ربما يجد ضالته -لكن هيهات قد سبقه عكاشة