بورتريه

وولف.. مؤلف الكتاب الأكثر مبيعا وإزعاجا لترامب (بورتريه)

مايكل وولف بورتريه
مايكل وولف بورتريه

بين ليلة وضحاها، حقق شهرة ونجومية أكثر من أي كاتب آخر، وربما فاقت نجومية كارل برنستين وبوب وودورد من صحيفة "واشنطن بوست" صاحبا التحقيق الاستقصائي التاريخي، حول فضيحة "ووترغيت" التي أسقطت الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون.


كان كتابه "النار والغضب: داخل بيت ترامب الأبيض" الذي كشف فيه عن معلومات حساسة للرئيس دونالد ترامب وإدارته، يقبع في ذيل قائمة "أمازون" المتخصص في التسوق عبر الإنترنت، لكنه بفضل "تغريدات" وغضب الرئيس الأمريكي قفز إلى رأس قائمة اللائحة.


وحطم الكتاب الأرقام القياسية في المبيعات، فنفدت النسخة المطبوعة منه بعد ساعات من صدوره، بينما قفزت مبيعات النسخة الإلكترونية إلى أرقام كبيرة.


اعتمد المؤلف مايكل وولف لتحرير الكتاب على أكثر من مئتي حوار مع ترامب نفسه، وأقرب المقربين منه.

 

مايكل وولف المولود في عام 1953، في نيوجيرسي في الولايات المتحدة، حاصل على جائزتين تقديريتين للصحافة هما "جائزة المجلة الوطنية" و"جائزة المرآة"، وورث مهنة الصحافة من أب يعمل في الدعاية، وأم مراسلة صحفية.


درس في جامعة "كولومبيا" الأمريكية، حيث سار على درب والديه، فنشر أول مقال له عام 1974 في مجلة "نيويورك تايمز"، وفي عام 1979، نشر أول كتبه تحت عنوان "الأطفال البيض".


بعد صدور كتابه الأول، دخل وولف عالم الاستثمار والاستشارات في مجال الإعلام، فأسس شركة خاصة لإصدار الكتب، وكان من أبرز إصداراتها دليل للإنترنت، تلته إصدارات أخرى في المجال ذاته لقيت نجاحا.


حاول وولف ورفاقه توسيع مجال عمل الشركة وتنويع المساهمين، وتحقق ذلك لدرجة أن قيمة المؤسسة بلغت أكثر من مئة مليون دولار، لكن سرعان ما تحول الأمر من النقيض إلى النقيض، وتدهور كل شيء في غمضة عين، وطرد وولف في نهاية المطاف.

 

ألف وولف سبعة كتب، بما فيها كتاب "بورن ريت/Burn Rate" عام 1998، الذي تحدث فيه عن تجربته الاستثمارية، وكيف وصلت إلى سلم النجاح، ثم سرعان ما انهارت لأسباب شرحها في الكتاب.


وكان من بين الكتب التي حظيت بإقبال كبير كتابان، الأول "الرجل الذي يمتلك الأخبار: داخل العالم السري لروبرت ميردوخ" عام 2008، والثاني "التلفزيون هو التلفزيون الجديد: الفوز غير المتوقع للإعلام القديم في العصر الرقمي".


وما لبث أن عاد مجددا للعمل في الصحافة، من خلال مجلة "نيويورك"، وأصبح من كتاب أعمدتها البارزين. 
واشتهر بعمود الرأي الذي كان يحرره بمجلة "فانيتي فير"، وبتعاونه مع صحيفة "يو أس أي توداي"، ومجلة "نيوزويك" و"هوليوود ريبورتر"، والنسخة البريطانية من مجلة "جي كيو"، وكان محررا في مجلة "أدويك"، بالإضافة إلى مشاركته في تأسيس موقع "نيوزر" لجمع الأخبار.


كتابه "النار والغضب: داخل بيت ترامب الأبيض" تصدرت الطبعات الإلكترونية الأولى منه أعلى القائمة في موقع "أمازون" ومتجر "أبل آي بوكس".


وأثار الكتاب جدلا واسعا قبل إصداره، بسبب محاولات ترامب حظر صدوره، لاحتوائه على أوصاف فاضحة وفوضوية خاصة بسلوك الرئيس الأمريكي وفريقه، بالإضافة إلى تعليقات مهينة ومحرجة حول أسرة ترامب، صدرت عن الرئيس الأسبق لاستراتيجية البيت الأبيض ستيف بانون.


وتضمن الكتاب شهادات عدة يسرد فيها الكاتب الخلل في عمل الرئاسة الأمريكية وتصرفات الرئيس الذي لا يحب القراءة مطلقا، وينعزل داخل غرفته ابتداء من الساعة السادسة مساء، ويتسمر أمام ثلاثة أجهزة تلفزيونية.


وعلى صعيد ملف التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جاءت بترامب، نقل وولف عن ستيف بانون قوله إن الرئيس الأمريكي كان يعلم بلقاءات ابنه مع الروس، وهو ما يعقد الوضع أكثر بالنسبة لحاكم البيت الأبيض.


وحسبما جاء في الكتاب، كان المستشار الاستراتيجي في البيت الأبيض بانون قد أخبر الرئيس التنفيذي السابق لمحطة "فوكس نيوز" روجر إيليس، بأن ترامب كان ينوي نقل السفارة إلى القدس في اليوم الأول. 


جاء ذلك في سياق حديث صريح على مأدبة عشاء مع إيليس، في تلك الأمسية شرح بانون رؤية ترامب لإعادة تشكيل الشرق الأوسط على النحو التالي:


"دع الأردن يأخذ الضفة الغربية، ودع مصر تأخذ غزة. دعهم يتصرفون معها أو يغرقون وهم يحاولون ذلك. السعوديون على حافة الجرف، والمصريون على حافة الجرف، وكلهم يموتون خوفا من الفرس.. اليمن، سيناء، ليبيا.. هذا شيء سيئ.. ولهذا فإن روسيا مهمة.. هل روسيا بهذا السوء؟ إنهم أشخاص سيئون. ولكن العالم مليء بالأشخاص السيئين".


موجة الغضب التي اجتاحت ترامب ومحاميه استغلها رئيس دار نشر الكتاب، واعتبرها أفضل دعاية للكتاب، فعجل في طرحه في الأسواق الأمريكية، وقدم موعد إصداره بأربعة أيام عن موعده الأصلي.


ولم يكن صاحب دار النشر وحده الطامح لقطف النجاح، فالمؤلف وولف صاغ توقعات كبيرة حول كتابه "نار وغضب"، متأملا أن يضع مضمون هذا الكتاب نهاية لعهد الرئيس ترامب في سدة الرئاسة.


وأضاف وولف في تصريحات صحفية، أن الكتاب يعزز الاعتقاد السائد بـأن "ترامب غير مؤهل لمنصبه، وأن معظم الناس باتوا يشيرون إلى هذه الخلاصة".


وقال وولف: "إن كل المحيطين بترامب يتساءلون عن قدرته على الحكم". وأضاف: "يقولون عنه إنه كالطفل، وإنه لا بد من إرضائه سريعا، وإن كل الأمور يجب أن تجري حوله".


وتابع وولف بأنه "يتحرك في كل الاتجاهات مثل الكرة"، موضحا أن ترامب يروي أحيانا القصة نفسها "ثلاث مرات خلال عشر دقائق"، وهو الأمر الذي يحصل أحيانا خلال مداخلاته الصحفية.


من جانبه، نفى ترامب الاتهامات التي تضمنها الكتاب، بكون صحته العقلية تجعله غير لائق للرئاسة، وكتب في تغريدة له على "تويتر" أنه "عبقري شديد الاتزان".


وبعد لقاء بمشرعين أمريكيين في "منتجع كامب ديفيد"، اعتبر ترامب أن "نار وغضب" كتاب "خيالي"،  ونفى أن يكون مؤلف الكتاب أجرى معه أي مقابلة.


واتهم ترامب المؤلف وولف بـ"الكذب والتلفيق، وعدم الإشارة إلى مصادر واضحة تسند ما قاله في الكتاب"، وهو ما رد عليه وولف بالقول إنه اعتمد على مصادر معلومة من بينها ترامب نفسه، وعلق على اتهامات ترامب قائلا: "إن مصداقيتي تناقش من طرف شخص يعد الأقل مصداقية من كل من مشوا على الأرض حتى الآن".


لكن هل يعد كتاب وولف "نار وغضب" وثيقة سياسية أم مجرد ثرثرات ونميمة صحفية، وكتابات مبتكرة، ومخترعة من مخيلته، وليست مبنية على معرفة أو حقائق، كمات يقول خصومه.


مجلة "نيو ريبوبليك" تحدثت عن وولف في أحد إصداراتها عام 2004، وتعثرت في وصفه واعتبرته "مزيجا من كاتب صحفي عريق، ومن معالج نفسي، وعالم اجتماع، يجرّف قراءه ليكونوا كذبابة على جدار أصحاب السلطة والمال، وشخوص القمم في السياسة والمجتمع والاقتصاد".


ويضع الكاتب ديفيد هيرست في موقع "ميدل إيست آي" القراء أمام تصور يجعل الدم يجف في عروق حلفاء أمريكا "حين يقرأون مدى عطالة وانعدام قدرة الرجل الذي يدير البيت الأبيض". 


وفال: "أول ما سيخطر ببال الزعماء الأجانب الذين يعتمدون على علاقات بلادهم العسكرية أو الاقتصادية مع الولايات المتحدة هو أن ينأوا بأنفسهم قدر ما يستطيعون، وأن يبتعدوا ما وجدوا إلى ذلك سبيلا عن هذا الرجل الحارق لذاته، هذا الخاسر المتربع داخل البيت الأبيض".


وبحسب هيرست، فإن "كل من لم يقفز بعد من مركب الرئاسة الهاوي إلى حتفه، ربما بات في عداد الموتى سياسيا".


ولم تقف كرة الثلج المتدحرجة من صفحات الكتاب عند حدود غضب ترامب أو الدخول في لعبة الأرقام القياسية للمبيعات، فقد أعلن موقع "بريتبارت نيوز" الإخباري اليميني، أن ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس ترامب، تخلى عن منصبه مديرا تنفيذيا للموقع، وذلك بعد الضجة التي أثارها كتاب "نار وغضب" الذي ينقل تصريحات بانون من كواليس البيت الأبيض.


ولم ينف بانون الأقوال التي نسبت له من مايكل وولف، ناهيك عن أن بعض الحقائق التي نشرت تم تداولها مسبقا من مصادر إعلامية مرموقة.


الكتاب، الذي يعد "فضيحة على مختلف الأصعدة" بحسب صحيفة "نوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية، ظهر بعد بضعة أيام فقط من نشر ترامب لتغريدة على "تويتر" حول "زره النووي"، التي أثارت تساؤلات عدة حول صحته العقلية. وقد يؤدي الكتاب إلى تشويه صورة الرئيس، لدى البعض من الناخبين الجمهوريين.


وأخطر ما جاء في الكتاب هو تسليط مايكل وولف الضوء على تغاضي البيت الأبيض عن عيوب ترامب، وحسب ما جاء في كتابه، يعترف جميع المحيطين بترامب بأنه يتصرف "مثل الطفل"، و"يتساءلون عن مدى ذكائه وقدرته على أداء هذه الوظيفة، ويعتبر هذا الحكم في حد ذاته أمرا مهينا لترامب، وأصبح سرا معلنا للجميع".

التعليقات (0)