مقالات مختارة

عن استخدام المشايخ في معارك السياسة

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

يظن السياسي أنه حين يستخدم أحد رموز الدين أو التدين أو العلم الشرعي في معركة من معاركه، فإنه بذلك يكسب الجماهير لصالح المسار الذي يريد.

والحال أن هذا الاعتقاد يعكس جهلا بالتاريخ، وبمنظومة المسلمين الدينية والفكرية، وجهلا بالواقع المعاش أيضا، فالمسار السياسي الخاطئ لا يصبح صائبا في وعي الجماهير بمجرد انحياز هذا العالم أو الداعية إليه؛ لأن الوعي الإسلامي لا يؤمن بالكهنوتية، ولا ينطق فيه العالم أو الداعية باسم الله. والمقولة الراسخة في وعي المسلمين هي أن الرجال يُعرفون بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال، أي أن معيار قبول الرجال من علماء ودعاة، هو اقترابهم من الحق الذي تؤمن به الجماهير، فيما لا يتغير ذلك الحق؛ لأن العلماء أو الدعاة غيروا موقفهم منه.

لن تصبح أمريكا مثلا، صديقة للمسلمين بمجرد أن يقول عالم أو داعية ذلك، بل لن تصبح كذلك لو قال ذلك عشرات آخرون سواه، وما سيحدث أن من قالوا سيسقطون من وعي المسلمين، فيما تبقى القناعة الراسخة في وعيهم على حالها.

هنا المعضلة التي يواجهها السياسي في سياق استخدامه للمشايخ والعلماء في ترويج ما يريد، فهو حين يُسقطهم من قلوب الجماهير باستخدامهم في مسارات خاطئة، سيفقد القدرة على الاستعانة بهم في المعارك الصائبة. هذا بالنسبة للسياسي، أما بالنسبة للعلماء أو الدعاة أنفسهم، فإنهم يخسرون أنفسهم وقيمتهم وتأثيرهم في كل القضايا، بما فيها الدينية، وليس السياسية فقط.

الأسوأ بالطبع أن يجري استخدام العالم أو الداعية في ترويج مواقف دينية يريدها السياسي، وتخالف الراسخ في وعي الجماهير وآراء العلماء، وهنا تكمن المصيبة الأكبر، إذ يختلط السياسي بالديني، ويغدو العالِم متورطا في تشويه الدين لحساب السياسة، وليس فقط في ترويج موقف سياسي باسم الدين.

حين حظي الإمام أحمد بن حنبل بكل ذلك الثقل التاريخي بسبب موقف يتعلق بالدين يريده السياسي (قضية خلق القرآن)، لم يكن أغلب الناس يدركون تماما معنى القضية وفلسفتها، لكنهم وجدوا في موقف الإمام تحديا للسلطة وإرادتها الوصاية على الدين بعد سيطرتها على شؤون الدنيا. وفي هذا السياق يحكي لنا التاريخ صعود رموز دينية بسبب تحديها للظلم، مقابل غياب أخرى قبلت الخضوع لمنطق السياسة الخاطئ والسير في ركابه.

أهل العلم الشرعي، كما أهل السياسة ليسوا سواءً، ففيهم الرجال أصحاب المواقف، وفيهم الأتباع، وفيهم ما بين ذلك، لكن بيع الدين بعرض من الدنيا، كان ولا يزال مقتل العلماء والدعاة على مر التاريخ، من دون أن يؤدي ذلك إلى تشويه وعي المسلمين، والسبب هو ما قلناه حول طبيعة هذا الوعي وانحيازه للقيم العليا في الحق والعدل، والرجولة والبطولة، بوجود حشد من الرموز الكبار الذي مثلوا تلك القيم، من لدن نبي البشرية عليه الصلاة والسلام، مرورا بكبار الصحابة والتابعين وكل القرون وصولا إلى زمننا هذا.

والنتيجة التي يحسن تكرارها من جديد هو أن استخدام السياسي للرمز الديني في معارك إشكالية لا يفيده في شيء، بقدر ما يؤدي إلى خسارة ذلك الرمز، وعدم إمكانية الاستفادة منه لاحقا في معارك صائبة، ويكون الوضع أسوأ بكثير حين يرى الناس آخرين في السجون، لا لشيء، إلا لأنهم رفضوا أن يكونوا أبواقا تنطق بما يريده السياسي.

الدستور الأردنية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل