قضايا وآراء

هل ما زال سعد الحريري ابن السعودية المدلّل؟!

أواب المصري
1300x600
1300x600
عند سؤال أي محلل سياسي أو متابع في لبنان عن مستوى العلاقة التي تربط حزب الله بالنظام الإيراني، يجيبك دون تردد بأن العلاقة في أفضل حالاتها ويربطهما تحالف استراتيجي. حين تسأل عن مستوى العلاقة التي تربط القوات اللبنانية بالنظام السوري، يجيبك دون تردد أيضا؛ بأنه لا توجد علاقة، وأن حالا من الخصومة قائمة بين الجانبين. لكن حين تسأل أي محلل أو متابع عن توصيفه للعلاقة التي تربط الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل بالمملكة العربية السعودية، يتلعثم ويفكر ويتأمل، ويبدأ بصفّ كلمات غير مفهومة، ويحتار في الإجابة.

سبب التلعثم هو أن العلاقة بين الحريري والمملكة يشوبها الكثير من الغموض. فإذا كان توصيف العلاقة سيتم استنادا إلى تصريحات ومواقف الحريري من المملكة، فإن ذلك يعني أن العلاقة "عال العال" ولا تشوبها شائبة، وأن كل ما يقال عن جفاء وبرود هو تصيد بالماء العكر. وتصديقا لذلك، أكدت كتلة المستقبل التي يرأسها الحريري، في اجتماعها الأخير، العلاقة المميزة مع المملكة، واتهمت من يشكك في هذه العلاقة بأنه يقوم بحملة تشويه وتحريض تعمل على بث تقارير ومعلومات مفبركة لا وظيفة لها سوى الإساءة للمملكة. وجددت الكتلة تأكيد أن "تيار المستقبل أمين على العلاقة التي أسسها مع المملكة العربية السعودية وأرسى دعائمها الرئيس الشهيد رفيق الحريري".

حِرْص الحريري وتياره على أفضل العلاقات وأمتنها مع السعودية؛ دفعه لمطالبة النائب وليد جنبلاط بالاعتذار من المملكة، بعدما ارتكب "جريمة" انتقادها في مقابلة تلفزيونية، حين عبّر عن معارضته تخصيص السلطات السعودية لشركة "أرامكو" النفطية، ووصَفَ الحرب على اليمن بالعبثية، وانتقدَ الأزمة مع قطر.

إذن، الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل يكنّ كل الودّ والتقدير والاحترام للمملكة العربية السعودية، وهما حريصان على أفضل العلاقات معها. في المقابل، تبرز معطيات وقرائن تشير إلى أن الرياض ليست راضية عن سعد الحريري، وهي ما زالت لم "تبلع" ما حصل حين خالف قرارها بالتراجع عن استقالته وعودته إلى بيروت، والاستمرار في ترؤس الحكومة والتعامل مع حزب الله، وكأن شيئا لم يكن. فالمملكة لم تعد تتصرف مع سعد الحريري على أنه ابنها المدلل، وصار نَفَس التعامل معه أقرب إلى الخصومة، وربما باتت علاقة الرياض ببعض القوى اللبنانية أقوى من علاقتها بالحريري. وبعدما كان سعد الحريري يتوسط لآخرين لزيارة الرياض، باتت زيارته تتطلب تحضيرا وتمهيدا مع المسؤولين السعوديين. وفي هذا الإطار، يمكن فهم إبراز قناة العربية (التابعة للمملكة) تظاهرة صغيرة قام بها بضعة أشخاص احتجاجا على عدم دفع الحريري لرواتبهم المستحقة لقاء عملهم في شركة سعودي أوجيه بالرياض، ويمكن فهم أنه منذ خروج الحريري من الرياض لم تصدر عن الأخيرة أي إشارة إيجابية تجاهه، رغم العديد من رسائل الودّ التي بعث بها الحريري.

الأكيد هو أن ما قبل استقالة الحريري في الرياض لن يكون كما بعدها، وإذا كان الحريري تجاوز ما حصل ويريد استعادة وضعه السابق لدى الرياض. فمن الواضح أن الأخيرة ليست في هذا الوارد، والثقة المطلقة التي كانت الرياض تمنحها للحريري باتت من الماضي، ولم تعد للحريري أي ميزة يتفوق بها عن بقية الشخصيات السياسية اللبنانية.

خرج سعد الحريري من الرياض، لكنه لم يكن يدرك أنه يخرج كذلك من العباءة السعودية التي طالما تنعّم بدفئها.. هذه العباءة التي بذل والده رفيق الحريري جهودا مضنية حتى حجز مكانا له في جنباتها.
التعليقات (0)