كتاب عربي 21

هل يصح قراءة عملية "غصن الزيتون" من منظور انتخابي؟

علي باكير
1300x600
1300x600

شكلت عملية غصن الزيتون التي أطلقتها القوات المسلحة التركية برفقة فصائل من الجيش السوري الحر لتحرير عفرين من ميليشيات "بي واي دي" الكردية مادة دسمة لوسائل الإعلام الإقليمية والدولية مؤخراً، وقد نشرت عشرات وربما مئات التقارير والمقالات منذ انطلاق العملية في الثلث الثالث من الشهر الماضي. 

ثمة بعض الملاحظات التي يمكن الحديث عنها في سياق متابعة مثل هذه التقارير أو المقالات الغربية، من بينها على سبيل المثال لا الحصر أنّ الغالبية الساحقة من منها منحاز إلى الميليشيات الكرديّة المسلّحة، وعادة ما يتم ذلك بمبررات أقل ما يقال عنها انها تفتقد الى المصداقية.

لكن كان من اللافت أيضا انتشار قراءة ترى أنّ المعركة في عفرين هي مجرّد استحقاق انتخابي داخلي في تركيا، واصفةً المعركة بأنّها معركة أردوغان. الأجندة السياسية أو الخلفية الأيديولوجية التي تقف وراء تسويق مثل هذه القراءات معروفة لدى المتخصّصين، لكن ما مدى صحّتها؟ وهل تمثّل الواقع فعلا؟

إن قراءة عملية غصن الزيتون باعتبارها معركة أردوغان الشخصية، وأنّها تأتي في سياق التحضير للانتخابات، ينطوي على الكثير من التسطيح، فضلاً عن الجهل بطبيعة الدينامية الانتخابية في الداخل التركي. 

من وجهة نظر تركيّة ليست مرتبطة حصراً بالحكومة التركيّة أو بحزب العدالة والتنمية، فإنّ حزب العمّال الكردستاني ونُسخه الإقليمية، خطر حقيقي واستراتيجي على الأمن القومي التركي وعلى وحدة الأراضي التركية. القراءة أعلاه تتجاوز هذه الحقيقة، وأي قراءة تتجاهل هذا المعطى الثابت والأكيد والطويل الأمد تعتبر تحريفا للحقائق على أقل تقدير.

ميليشيات (PYD) الكردية لم تخفِ حلمها بفصل الشمال السوري عن سوريا وطموحها بالوصل إلى شرق المتوسط في عدّة مناسبات، وهذا أيضا معطى ثابت وأكيد. مثل هذا الهدف ليس مستحيلا في ظل الفوضى الإقليمية وانهيار الانظمة وتفكك الدول، وإذا ما زيد على ذلك الانحياز الغربي والدعم المسلّح غير التقليدي، فان الجانب التركي يعتبر هذا الامر بمثابة جرس إنذار يستوجب التدخّل السريع والعاجل خوفاً من إمكانية أن تتحوّل المعطيات الى حقائق قائمة على أرض الواقع وغير قابلة للعودة الى ما كانت عليه.

اختيار المكان والزمان لعملية "غصن الزيتون" يأتي في سياق معطيات موضوعية لا ترتبط بالوضع الداخلي التركي بشكل أساسي. الزمان يرتبط في الغالب بإعلان الولايات المتّحدة عن نيّتها تشكيل جيش من 30 ألف جندي، غالبيته من الميليشيات الكرديّة وينشتر بالتحديد على الحدود مع تركيا، وهو الأمر الذي رسّخ فكرّة أنّ هذا الجيش سيكون موجهاً ضد تركيا بالدرجة الأولى.

 

أمّا فيما يتعلق بالمكان، فذلك لأنّ عفرين مرتكز أساسي في الممر الى البحر المتوسط، إذا ما تمّ طرد الميليشيات الكردية منها فهذا يعني ان جزءً كبيراً من مشروع الانفصال عن انتهى، فضلاً عن أنّ الميليشيات الكرديّة في عفرين لا تتمتع بغطاء أمريكي مباشر وهو ما يفترض أن العملية ستكون أسهل على الأقل لناحية عدم حصول اشتباك عسكري على الأرض مع الحليف الأمريكي.

النقطة الأخيرة في سياق تفنيد قراءة العملية من منظور انتخابي، أنّ المكوّن الكردي في تركيا لعب دوراً كبيراً لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية وكذلك في الاستفتاء الأخير، فإذا كانت هذه العمليّة موجّهة ضد عموم "الأكراد" كما يدّعي كثيرون، فهذا سينعكس حتماً بشكل سلبي على خيار المكون الكردي في تركيا، وهو الأمر الذي يتناقض بدوره مع الافتراض القائل انّ العملية تأتي في سياق انتخابي بحسب القراءة إيّاها!

0
التعليقات (0)