قضايا وآراء

هنية ليس إرهابيا يا ترامب والفلسطينيون مقاتلون من أجل الحرية

مفاز أحمد يوسف
1300x600
1300x600

أثار القرار الأمريكي بوضع إسماعيل هنية؛ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على قائمة الإرهاب الكثير من الاستهجان وعلامات الاستفهام في الشارع العربي والإسلامي، من حيث مستوى التردي والانحطاط الذي وصلت إليه السياسة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب.

 

صحيح، أن أمريكا لم تقف يوماً إلى جانب الفلسطينيين، والدفاع عن مظلوميتهم، وكانت في كل سياساتها منحازة لليهود والصهيونية العالمية، وإظهار التأييد المطلق لإسرائيل، حيث إنها ومنذ الرئيس هاري ترومان منحت الاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة عام 1948، ودفعت دولاً أخرى لتحذو حذوها، وقامت من خلال سياساتها الثابتة لعشرة من الرؤساء، الذين تعاقبوا على حكم أمريكا وإدارة شئونها الخارجية، بدعم وجود هذا الكيان وترسيخ أركانه،كما قاموا بتشجيع سياساته العدوانية أو غض الطرف عنها على مدار أكثر من ستة عقود، إلى ما شاهدناه مؤخراً باعتراف الرئيس الحالي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، متجاهلاً قدسية المدينة ومكانتها الدينية والتاريخية للمسلمين والمسيحيين، وضارباً عرض الحائط بما توافق علية المجتمع الدولي فيما يتعلق بمصير المدينة المقدسة وحلِّ الدولتين.

 

نحن الفلسطينيين ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى كنا ضحايا لهذه السياسة الاستعمارية، التي بدأتها بريطانيا منذ انتدابها على فلسطين، والتي سهلَّت من خلال "وعد بلفور"، الذي منحته لليهود عام 1917، تهيئة الأرضية للمشروع الصهيوني، والتمكين له فيما بعد برعاية أوروبية وأمريكية، وفرَّت له –للأسف- كل أسباب الغلبة والعلو، من خلال التغطية على جرائمه وانتهاكاته للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومنع اتخاذ أي إجراءات عقابية ضده في المحافل الدولية، بل والعمل على تسويقه عالمياً؛ باعتباره الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!! 

 

إن أيدي أمريكا ملطخة بدماء الفلسطينيين، وإن كراهية العرب والمسلمين المتزايدة لها مرجعها هذا الظلم التاريخي لقضيتهم، واستمرارية السياسات التي تتجاهل حق الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم السليبة،ومواجهة العدوان الإسرائيلي المتكرر عليهم لشطب وجودهم، وانتزاع ما تبقى من أرضهم.

 

لقد راهن الزعماء الفلسطينيون على إمكانية اعتدال الموقف الأمريكي بتبني سياسات غير منحازة، والعمل على تحقيق السلام الذي يعيد للفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم؛ أي دولة على حدود الرابع من حزيران 1967 والقدس عاصمة لها، مع حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين يتوافق مع القرار الأممي 194؛ والقاضي بعودتهم إلى أرضهم وديارهم والتعويض على ما لحق بهم إضرار جراء الهجرة والشتات.

 

للأسف، كانت أمريكا وما تزال هي دولة يصعب الرهان عليها حين يتعلق الأمر بالحقوق الفلسطينية، فإسرائيل وثقلها اليهودي الفاعل بما يمثلانه من ورقة انتخابية ومالية لمرشحي الرئاسة والكونجرس في أمريكا إضافة إلى ذلك العامل الديني، تجعل استحالة التعويل على نزاهة أي موقف يمكن أن يكون لصالح الطرف الفلسطيني.

 

وكما أورد د. نصير عاروري؛ أستاذ العلوم السياسية في كتابه (أمريكا الخصم والحكم)، فإن "الولايات المتحدة في احتكارها وتفردها بالمسألة الفلسطينية كانت مشغولة بإعاقة عملية السلام والدور الدولي في رعاية التسوية السياسية للنزاع العربي الإسرائيلي أكثر من أي شيء آخر.. فقد أجهضت الولايات المتحدة كل مسعى دولي للتسوية، كما أنها حمت إسرائيل من الرقابة والمحاسبة الدولية، وبذلك سمحت لها أن تكِّرس احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية".

 

نحن الفلسطينيين شعب أرضنا محتلة، وإن من حقنا أن نقاوم الغزاة، وليس هناك من أحد ينطبق عليه مصطلح الإرهاب أكثر من دولة الاحتلال بكل مكوناتها السياسية والأمنية والعسكرية وأذرعها المالية التي تمول قتل الأطفال، وهدم البيوت، والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، كما جاء في تصريحات حسام بدران؛ عضو المكتب السياسي لحركة حماس.

 

إن الإدارة الأميركية في عهد الرئيس بوش الابن اتخذت – للأسف - موقفاً صريحاً بدعم إسرائيل لسحق المقاومة الفلسطينية، باعتبارها إرهاباً!! وتحدث بوش عن أن إسرائيل تواجه موقفاً عصيباً في سعيها لاستئصال أوكار "الإرهاب"!! وأيد ديك تشيني ورامسفيلد حق إسرائيل في ملاحقة "الإرهابيين"، وقاما بتبرير المذابح التي وقعت بين المدنيين الفلسطينيين بأنها أعمال لا مفر منها!! واعتبر بوش أن إسرائيل صديق للولايات المتحدة تواجه نفس ما تواجهه أميركا من تهديدات وهي تستحق الدعم!!

 

يشير د. أحمد يوسف، مستشار هنيِّة السابق ورئيس مجلس أمناء بيت الحكمة، أنهلو كان إسماعيل هنيِّة إرهابياً بمعايير ترامب!! لكان من باب أولى النظر إلى الأمريكيين الذين ثاروا على بريطانيا والملك جورج الثالث عام 1776 أيضاً باعتبار أنهم إرهابيون!! فهل يا ترى من قاموا بتحرير أمريكا من الاحتلال البريطاني في القرن الثامن عشر كانوا إرهابيون أم مقاتلون من أجل الحرية؟ سؤال نحيله لساسة أمريكا للإجابة عليه!!

 

 لقد تعلمت- كأمريكية من أصول فلسطينية - بأن تلك الثورة وذلك النضال من أجل نيل الاستقلال كان هو أيقونة التاريخ الأمريكي، وأن ما قرأناه وشاهدناه في الأفلام السينمائية كفيلم (The patriot)، التي تحكي سردياتها سنوات تلك الملحمة، أنها كانت الأعظم من حيث البطولة والتضحيات.. ولذلك، كانت صور جورج واشنطن وكلماته يتم تلقينها للطلاب في مراحل عمرية مختلفة، أما تماثيله فتتصدر الساحات والميادين العامة في معظم الولايات والمدن الأمريكية. فهل كان جورج واشنطن إرهابياً يا سيد ترامب؟!!

 

لقد عرفت السيد إسماعيل هنية كرئيس للوزراء، والتقيته في مرات عديدة بحكم عملي في اللجنة الحكومية لكسر الحصار عن قطاع غزة، فما وجدت فيه إلا إنساناً متواضعاً يتحدث لكل الوفود العربية والإسلامية والأوروبية عن المعاناة التي يتعرض لها سكان قطاع غزة جراء الحصار والاحتلال، وما يتطلع إليه مع شعبه من أجل تحقيق الحرية والاستقلال. فهل - يا سيد ترامب - من يسعى لحق تقرير المصير، الذي كفلته الشرعية الأممية، يعتبر في شرعكم إرهابياً؟!!

 

لقد وعيت وأنا أقرأ تاريخ أمريكا؛ الدولة التي ولدت فيها، بأن الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون كان هو من أطلق بعد الحرب العالمية الأولى في عشرينيات القرن الماضي وثيقة المبادئ الأربعة عشر للسلم، والتي كان من بينها البند الذي ينص على حق الشعوب في الكفاح من أجل تقرير مصيرها، فهل كان ويلسون؛ الرئيس الثامن والعشرين لأمريكا، إرهابياً يا سيد ترامب؟!!

 

لقد أثار قراركم المتعلق بوضع إسماعيل هنية على قائمة الإرهاب استهجان مسلمي العالم، وجرَّ عليكم السخرية في كافة أرجاء العالم العربي، ووضعكم في مشهد الدول التي تمارس النفاق السياسي وتكيل بمكيالين.

 

ففي الهند، والتي لمسلميها الكثير مما يربطهم بفلسطين والمسجد الأقصى، والذين كغيرهم نددوا بقرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال الصهيوني، فإن ما صدر مؤخراً بإدراج اسم إسماعيل هنية على اللائحة الأمريكية للإرهاب قد عاظم من استيائهم لإدارة ترامب التي تستهدف الإساءة للمسلمين وتشويه صورة قياداتهم.

 

ففي سؤال لنا للباحث والمحلل السياسي الهندي أرون موثكريشنان، حول هذا القرار، أجاب قائلاً:إن هذا هو جزء من إستراتيجية الولايات المتحدة التي مولت الإرهاب في العديد من بلدان العالم وغذَّت جذوره في كل مكان!! اليوم، هناك للأسف رئيس جديد لأمريكا يريد تشويه صورة حماس وذلك بوضع اسم إسماعيل هنيِّة في قائمة الإرهاب!!

 

في عام 2010، أتيحت لي الفرصة لمقابلة إسماعيل هنية في غزة عندما كان رئيساً للوزراء، وقد وجدت فيه إنساناً مهذباً وقائداً نجح في كسب قلوب أبناء شعبه..وعندما وصلت قافلتنا إلى مكتبه، كان استقباله لنا في غاية الحميمية والتواضع والأدب، وكان عاطفياً جداً عندما أوضح لنا طبيعة المحنة التي يمر بها شعب غزة جراء الحصار.

 

وفي سؤال لنا للدكتور بدر خان صوري؛ أستاذ العلوم السياسية، والذي سبق له اللقاء أيضاً برئيس الوزراء إسماعيل هنية في غزة حول هذا القرار، أوضح قائلاً: "في الحقيقة، إن مثل هذه القرارات تثبت يوماً بعد يوم أن أمريكا كانت دائماً وسيطاً غير نزيه تجاه الصراع، حيث كانت تحابي إسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية، وهو ما يتناقض مع معايير الوساطة.

 

إن العالم يعرف بأن حماس هي حركة مقاومة، وبالتالي فهي تميل أحياناً لاستخدام العنف، والسبب في ذلك هو العدوان الإسرائيلي المتكرر على الفلسطينيين، وإذا كانت أمريكا حقاً معنيَّة بألا تكون هناك مقاومة أو عنف، فلماذا لا تضع حداً للانتهاكات الإسرائيلية، وإنهاء حالة الاحتلال غير الأخلاقي وغير القانوني للأراضي الفلسطينية؟!".

 

وأضاف د. بدر خان: "إن ما يقوم به إسماعيل هنية كقائد فلسطيني لا يختلف عما يمكن أن يقوم به أي زعيم وطني يجد شعبه وأرضه تحت الاحتلال. لقد جعلت القوى الغربية هذا الصراع مستعصياً على الحل عندما قامت ببسط السجادة الحمراء لإسرائيل!!

 

إن السيد إسماعيل هنيَّة هو أحد أبناء هذا الشعب الفلسطيني المظلوم، وإن هذا الظلم والممارسات الجائرة للاحتلال هو ما يدفع هذا الشعب للمقاومة..للأسف، ليس هناك من يتحدث عن الإرهاب الإسرائيلي وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان، التي يرتكبها ضد الفلسطينيين والعرب الآخرين!! ولذلك، فإن أمريكا في الحقيقة فقدت مصداقيتها، كما أن الأحكام التي تطلقها بحق الفلسطينيين لا تتمتع بأي تقدير أممي". 

 

إن من الجدير ذكره، إنني صرت أشعر فعلاً بالإهانة والخجل كلما ذكرت لأحد بأني أمريكية، حيث إن السياسات التي تتبناها البلاد التي أحمل جنسيتها لا تحترم أي قيمة إنسانية، ولا تقدر أي منظومة قيميِّة، وسلوكياتها في علاقاتها الدولية أشبه بسلوكيات الدول الاستعمارية،والتي سبقت إليها الإمبراطورية الرومانية، وبعدها الكولونية البريطانية والفرنسية.

 

إن من المحزن حقاً أن تستنزف أمريكا رصيدها القيادي في العالم للتغطية على جرائم إسرائيل، وتخسر بسبب هذه السياسة المنحازة لهذه الدولة المارقة مواقف شعوب أمتنا العربية والإسلامية، والتضحية بمليار ونصف المليار من المسلمين،بهدف إرضاء قلة صهيونية عنصرية لعنتها الأرض والسماء.

 

إن الفلسطينيين ليسوا إرهابيين ولكنهم طلاب حق يأبى النسيان، وإن إسماعيل هنية هو قائد سياسي كنلسون مانديلا والمهاتما غاندي وأحمد بن بيلا وياسر عرفات ومارتن لوثر كينج وفيدل كاسترو ومايكل كولنز وجيري آدم، كلهم كانوا مناضلين من أجل حرية بلادهم وكرامة شعوبهم، أما الإرهابيون الحقيقيون فهم من انتهكوا القانون الدولي وارتكبوا جرائم أمثال: شامير وبيرس ونتانياهو، التي تقوم إدارتك - يا سيد ترامب - بالتغطية عليها، والبحث عن تبريرات لها.

 

إن إسماعيل هنيَّة - يا سيد ترامب - سيبقى زعيماً لشعبه الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال الإسرائيلي، فهو مقاتل يناضل من أجل حرية شعبه واستقلاله، إنه بالنسبة لي كأمريكية مثل جورج واشنطن، فهل كان مؤسس الولايات المتحدة إرهابياً!!  سؤال نتركه للشعب الأمريكي للإجابة عليه.

0
التعليقات (0)