قضايا وآراء

وقف عقوبة الإعدام الجنائي في مصر

عصام تليمة
1300x600
1300x600

تكلمنا في مقالنا السابق عن ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام السياسي في مصر، لما يمارسه النظام المصري العسكري من تجبر وبطش خارج إطار القانون والعدالة، التي لا تتوافر أدنى درجاتها، ولا أدنى مستوى منها، وممارسة القتل خارج القانون، وفي كثير من ممارسته لهذه العقوبة والتنكيل، يظهر للعالم أنها عقوبة جنائية وليست سياسية، ومع ذلك فالمطالبة بوقف الإعدام الجنائي أيضا في ظل حكم العسكر، هو مطلب مهم، ومطلب شرعي من جهة الشرع، إضافة لما ذكرناه من قبل، من عدم توافر حقوق للمتهم، وصلت إلى حد الحرمان من لقاء أهله، ولقاء محاميه، وتلفيق التهم، بما صار مفضوحا لهذا النظام، ولمن يؤيدونه إقليميا ودوليا.

إن معظم حالات الإعدام الجنائي في مصر بعد الانقلاب، جلها بلا استثناء تسقط وواجبة الإلغاء، لأن بها شبهات تدرأ الحد كما أمر الشرع في قواعده ونصوصه: "ادرأوا الحدود بالشبهات"، وقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: (لأن أخطئ في العفو خير من أن أخطئ في العقوبة). وهذا في الحدود مثل السرقة والزنا، فمن باب أولى الحد الذي يتعلق بالدم، وقتل إنسان بريء، لا نملك التراجع بعد تنفيذ حكم الإعدام فيه، وهو ما ثبت في معظم من أعدموا، أن قبلت محكمة النقض قضاياهم، بما يعني أن عوارا كبيرا كان في التقاضي والحكم!! 

 

كما أن قتل النفس بالنفس في الإسلام، رغم أنه حق، وقصاص عادل، في حالات التقاضي العادلة، إلا أنه ليس هو الخيار الوحيد، بل فيه خيارات أخرى، يجب أن توضع نصب العدالة، ويسقط هذا الحق في حالات كذلك، منها:

 

1- العفو: فقد أجمع الفقهاء على جواز العفو عن القصاص، وأن العفو عنه أفضل من استيفائه، والأصل في جواز العفو: الكتاب، والسنة، والإجماع، أما الكتاب فقد أقر العفو في سياق قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى: الحر بالحر، والعبد بالعبد) البقرة: 178، إلى أن قال: (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) البقرة: 178، وفي سياق قوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) إلى أن قال: (فمن تصدق فهو كفارة له) المائدة: 45، وأما السنة فإن أنس بن مالك قال: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء في قصاص إلا أمر فيه بالعفو".

 

2- الصلح: ويسقط القصاص أيضا بالصلح، فلا خلاف بين الفقهاء في جواز الصلح على القصاص، وأن القصاص يسقط بالصلح، ويصح أن يكون الصلح عن القصاص بأكثر من الدية، وبقدرها، وبأقل منها، والأصل فيه: السنة والإجماع. فقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل عمدا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة، وما صولحوا عليه: فهو لهم". ويملك الصلح من يملك حق القصاص، وحق العفو. انظر: التشريع الجنائي الإسلامي (2/168،167). وبالطبع مرد ذلك كله لأولياء الدم. وهو ما لم يحدث في حالات الإعدام الجنائي والسياسي في مصر في ظل حكم العسكر.

 

والعجيب أن معظم هذه الأحكام التي صدرت من خلال القضاء مرت على دار الإفتاء المصرية وأقرتها، رغم أن تاريخ الدار في قضايا مثيلة وأخطر كان متماسكا دينيا، ومعليا لنصوص الشرع عن الضغط السياسي، فعندما قتل بطرس غالي رئيس وزراء مصر سنة 1910م، وكان المتهم في قتله شاب مصري مسلم، وعندما صدر تقرير الطب الشرعي، وأرسلت المحكمة لدار الإفتاء لاستطلاع رأيها، رفض المفتي أن يحكم بالإعدام على الشاب القاتل، لأن تقرير الطب خرج من ثلاثة أطباء، وبطرس غالي لم يمت بعد قتله مباشرة، بل ظل لبضع أيام، ولم يكن وقتها قد اكتشف المضاد الحيوي، فاختلف رأي الأطباء هل مات بسبب قتله بالرصاص، أم مات بسبب عدم المداواة الطبية؟ واختلف الأطباء في ذلك، واعتبرت دار الإفتاء هذا الاختلاف شبهة تدرأ حد القتل عن القاتل، وأنه يعاقب بعقوبة أخرى غير القتل. لأن حكم الإعدام حتى يقره المفتي لا بد أن يكون قرار الطب الشرعي وما سواه لا بد أن يكون بالإجماع، ولا يوجد موضع للبراءة في التقرير، لكن دار الإفتاء في حكم العسكر لا تملك إلا التأمين على ما يرسل لها، ولا وظيفة للمفتي فيها سوى الإقرار! 

 

بل كان موقف دار الإفتاء عجيبا، في حالات قتل المتظاهرين في مصر في ثورة يناير، فقد كانت تصريحات الدار: أن حالات القتل كانت على المشاع، ولا يعرف من القاتل، والعدد كبير، بينما في حالات الثوار الذين اتهموا بالقتل زورا، يحكم بالإعدام على العشرات، في قتل شخص واحد، لا يثبت العقل ولا القضاء التهمة عليهم، بل أدلة مهترئة ومتهافتة لا تقنع قاضيا يخشى الله بأن يصدر أي عقوبة على المتهم. 

 

ولذا فكما نطالب بإلغاء الإعدام السياسي في ظل حكم العسكر، نطالب كذلك بإلغاء الإعدام الجنائي باسم الشرع الإسلامي الثابت الذي يرعى الحرمات وأولها حرمة الدماء، ويسعى لحقنها إلا بحقها، خاصة في ظل غياب كل ضمانات التحاكم الطبيعي، والعادل، وفي ظل سياسية التلفيق للتهم، والكيد لكل معارض لهذا النظام العسكري.

 

[email protected]

1
التعليقات (1)
أحمد
الجمعة، 09-03-2018 04:34 ص
الله يرضي عنك ويباركللك يا شيخ عصام