قضايا وآراء

هل تعد حكومة العثماني أيامها؟

بلال التليدي
1300x600
1300x600
بعد تصريحاته في مؤتمر شبيبة حزب العدالة والتنمية، التي انتقد فيها عبد الإله بنكيران؛ الأمين العام لحزب الأحرار والكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، بدأ المراقبون يتحسسون مواقف حلفاء العدالة والتنمية في الحكومة، وما إذا كانت هذه التصريحات قد دقت إسفينا عميقا في نعش هذه الأغلبية، أم سيتم التعامل معها بالتجاهل.

والواقع أن الإشكال لا يرتبط فقط بتقدير ردود فعل الحلفاء من هذه التصريحات، وإنما يرتبط أيضا بالتوقيت الذي اختاره بنكيران لإطلاق هذه التصريحات، ودلالات ذلك.

من جهة ردود فعل الحلفاء، فقد وقع ارتباك كبير في التعاطي معها. في البدء برزت بعض ردود الفعل التي تحاول التشفي من بنكيران ومن انتهاء دوره، ثم تعييره بموقف حزبه منه، الذي أبعده اختيارا عن موقع الأمين العام للحزب، واعتبار العثماني هو المسؤول حكوميا وحزبيا عن التعبير عن موقف الأغلبية ثم موقف حزبه. والبعض أضاف لمنطق التشفي شيئا جديدا، ينسب سخرية للغة الآداب والأخلاق السياسية، كتصريح أحد قادة الأحرار (الطالبي العلمي)، الذي قال فيه بأنه ليس من عادتهم الرد على رؤساء الحكومات السابقة، وأن ذلك لا يدخل ضمن قواعد اللياقة. لكن هذه اللغة لم تصمد طويلا، إذ سرعان ما عبر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، السيد إدريس لشكر، في حوار مع قناة عمومية مغربية (ميدي 1 تي في) في "برنامج 60 دقيقة للإقناع"، أن الأغلبية لن تسكت" وأنها ستواجه مثل هذه التصريحات.

من جهة موقف الحلفاء دائما، والحديث هنا عن الرباعي الذي يقوده حزب التجمع الوطني للأحرار، تم تسجيل موقفين اثنين؛ الأول، برز في لقاء زعماء الأغلبية الحكومية الذين طالبوا سعد الدين العثماني بإصدار بلاغ يعلق فيه على هذه التصريحات. والثاني، بغياب وزراء التجمع الوطني للأحرار عن المجلس الحكومي، ثم غياب وزراء الأحرار والاتحاد الاشتراكي عن زيارة رسمية كانت مقررة لرئيس الحكومة؛ ووفد وزاري لمنطقة الشرق على خلفية احتجاجات مطلبية لساكنة مدينة جرادة. أي إن الرباعي يمضي في اتجاه الضغط على العثماني لإصدار بلاغ ضد بنكيران، بما يعني تفجير الوضع التنظيمي داخل حزب العدالة والتنمية، وإعادة الخلافات داخل هذا الحزب إلى نقطة ما قبل المجلس الوطني الذي حسم في رفض الولاية الثالثة لعبد الإله بنكيران.

أما من جهة دلالة التوقيت الذي اختاره بنكيران للتصريح، فالتقدير أن بنكيران اختار توقيته بعناية، بعد ما برزت له جملة مؤشرات على أن ساعة حكومة العثماني قد اقتربت، وأنها تعد أيامها، حتى ولو لم يكن العثماني ورفاقه في الحكومة يتحسسون دقات عقاربها. فمن جهة، صرح عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، في لقاء حزبي داخلي ثم خارجي، بأن حزبه سيتصدر المشهد السياسي في انتخابات 2021، وهو تصريح غريب لا يسمع في المغرب إلا في الحملات الانتخابية، أو على الأقل، في السنة التي تعرف الاستحقاقات الانتخابية. ومن جهة ثانية، بدأ الاتحاد الاشتراكي يلوح بمقترحات لتعديل نظام الانتخابات، والعدول عن نظام اقتراع اللائحة، والعودة للاقتراع الفردي. وهو أيضا نقاش خارج الزمن السياسي، بحكم أن الموعد المرتقب للانتخابات هو 2021، وليس قبل ذلك، إلا أن يعلن عن انتخابات سابقة لأوانها. وهو نقاش يشتم منه رائحة استعداد انتخابي في دواليب وزارة الداخلية، يتجه لضرب نمط انتخابي يرهن الصوت الانتخابي بالحزب وبرنامجه، وليس بالشخص، أي يستهدف ضرب شعبية حزب العدالة والتنمية، والإعلاء من مواقع الأعيان في الدوائر الانتخابية. ومن جهة ثالثة، بدا من الحلفاء نوع من التحلل من المسؤولية الحكومية اتجاه المناطق المشتعلة، إذ يدفع بشكل خاص بالقيادات الحكومية لحزب العدالة والتنمية لمواجهة احتجاجات هذه المناطق دون حزب التجمع الوطني للأحرار، مما يطرح أكثر من سؤال عن خلفية جعل هذا حزب العدالة والتنمية وحده تحت مدفعية النقمة الشعبية. أما القضية الرابعة، فتتمثل في تحويل الحلفاء لرئيس الحكومة إلى أداة لمواجهة الفعالية التشريعية للفريق النيابي لحزبه، والضغط عليه لحبس مبادراته البرلمانية، والالتفاف على بعض مقترحاته، بإنتاج مقترحات أخرى تسير في الاتجاه النقيض لتعريض مصداقية الحزب للاستهداف، كما حدث مع مقترح قانون يتعلق بتقاعد البرلمانيين، إذ طرح الحزب إلغاء هذا التقاعد، بحجة التناغم مع الإصلاح الهيكلي الذي تقدمت به الحكومة، وألزمت به جيوب الطبقات المتوسطة، بينما تم الدفع بمقترح آخر يرعاه رئيس الحكومة بضغط من الأغلبية بالإبقاء على هذا التقاعد، مع الاكتفاء فقط برفع سنه إلى 65 سنة.

هذه المؤشرات المتواترة، حركت الحدس السياسي لعبد الإله بنكيران، ودفعت به بعد فترة صمت طويلة، وهدوء حذر، إلى إطلاق تلكم التصريحات التي وضعت القيادات الحكومية لحزب العدالة والتنمية كما خصومه في ورطة، إذ في الوقت الذي يدفع فيه الحلفاء سعد الدين العثماني لمواجهة بنكيران وإسكاته، في الوقت أيضا الذي - إن استجاب لهذه الضغوط - يجهز فيه على الشرعية التي نالها بصعوبة في المؤتمر الذي أصبح بمقتضاه أمينا عاما للحزب. أما الحلفاء، ففي الوقت الذي يسابقون فيه الخطى من أجل الإجهاز على قوة العدالة والتنمية، والتسريع ربما في موعد الاستحقاق الانتخابي قبل أن تأتي تطورات تغير الصورة، في الوقت الذي يقوون فيه من موقع بنكيران، ويساهمون في عودته القوية لمسرح السياسة.

التقدير، وفقا لتركيب هذه الوقائع، أن يلجأ سعد الدين العثماني إلى إصدار بلاغ مرن (بين بين)، وأن يدفع ببعض القيادات الحكومية من حزبه للكلام وانتقاد بنكيران، كما فعل لحسن الدوادي في إحدى تصريحاته التي قال فيها، إذا استمر بنكيران في التصريح بهذا الشكل سيدفع وزراء العدالة والتنمية إلى حزم حقائبهم. والتقدير أيضا أن يستمر الرباعي في الضغط على العثماني من أجل إضعافه ورهنه لديه، لترتسم صورة رئيس حكومة يريد أن يرضي الجميع. لا يدخل في خصومة مع بنكيران، ولا يخلق شروط تفجر الوضع داخل حزبه، وفي الوقت ذاته، ينتج بلاغا أقرب إلى اللوم الخفيف لبنكيران دون الإشارة إليه، ويغض الطرف عن غيابات الأحرار وتخلفهم عن بعض المواعيد السياسية، وتحللهم من مسؤولياتهم الحكومية، مع البحث عن تبريرات لذلك، وجر خيوط تحالف حكومي مركب بطريقة هشة وهجينة.

المشكلة، أن عدم الوعي بتكتيكات الحلفاء، وبدورها في الاستراتيجية العامة لتكملة مسار معاكسة نتائج السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، سيدفع رئيس الحكومة والقيادات الحكومية لحزب العدالة والتنمية إلى البقاء دائما في موقع المواجه للضغوط مع فقدان المبادرة، وسيدفع بنكيران أو بعض القيادات الأخرى للكلام والتصريح إذا ظهرت موجباته من المؤشرات السياسية الدالة، وهو ما سيزيد من تأجيج الوضع، داخل الحزب وداخل الأغلبية، ويبدو أن هذا سيكون جزءا من لعبة إنهاء الأيام المعدودة لحكومة العثماني.
التعليقات (2)
محمد ايوب
الإثنين، 12-02-2018 06:52 م
حكومة العثماني أو المصباح رقم:2 يتذكر المتتبعون للشان العام المغربي الشعارات الطنانة والخطب الرنانة التي دبج بها حزب المصباح حملته لانتخابات2011 حيث والتي خدع وانخدع بها الناس فمنحوه ثقتهم مستغلا عوامل الحراك الشعبي والربيع العربي ليركب عليها فيحقق نتائج ملموسة على مستوى عدد المقاعد...وفي المرة/الجولة الثانية وظف مظلوميته تجاه حزب الدولة الجديد واستغل ما تبقى له من مظاهر التدين السياسي ليحصد نتائج عددية أكبر..وفي كلتا الجولتين لم يكن وفيا اطلاقا لما تعهد به أمام الناخبين كما أنه لم تكن له الشجاعة ليستقيل من تدبير الشأن العام بعد أن ظل يشتكي من:"العفاريت والتماسيح"لفظا وقولا بينما يجني ثمار تمسكه بالكراسي عبر الامتيازات التي تدرها تلك الكراسي..وقد قالها بنكيران نفسه أمام أتباعه:متى كنتم تحلمون بالتمتع باملايين...هاأنتم الآن تستفيدون وتتمتعون بها..لذلك قصمت بنكيران أو نطقه لن يقدم ولن يؤخر في عمر حكومة المصباح رقم:2..ببساطة لأن القرار ليس بيد العثماني ولا بيد من سيأتي بعده،كما أنه لم يكن بيد بنكيران ومن سبقوه..وعليه فاي تحليل ل:"خرجات"بنكيران الكلامية أو غيره لا تاثير لها على اصحاب القرار الفعلي..فهؤلاء يعلمون كيف ومتى يجعلونه يصمت،هو وغيره،سواء كانوا من حزبه أم لا..وأي "تحليل"و"تعليق"أو"بحث" في آليات تدبير الشأن المغربي حاليا لا يستقيم مع واقع الحال..اذ لا يمكن مقارنة تنزيل وتطبيق تلك الآليات المتعارف عليها في الديموقراطيات الحقيقية على واقع بلدنا...لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون والتأثير..و:"تبقى"خرجات بنكيران و"شطحاته" تخصه هو ومعه حزبه الذي تحول الى آلة لتفريخ نخبة انتهازية متهافتة على الكراسي: تماما كمن سبقوها..سينتهي حزب المصباح كما انتهى قبله حزب الوردة:آلية لتجاوز مرحلة فرضها الحراك..وليحلل الكاتب ما أراد وليستنتج ما يحلو له حول بنكيران وشرذمته...فأصحاب القرار الحقيقيين لهم حساباتهم الخاصة التي يظهرونها في الوقت المناسب ليواجهوا بها الجميع...لقد فطن الكثيرون الى لغو شعارات المصباح التي لم يحقق منها شيئا وخاصة فيما يتعلق بمحاربة الفساد ومواجهة اصحابه..والقادم سيؤكد ذلك...وربما ينفيه كما يريد أصحاب المصباح:ولكن هيهات...لقد تعرت ورقة التوت عن حزب المصباح وانكشفت عورته تماما سواء بصياح بنكيران أو بدونه...
محمد ايوب
الإثنين، 12-02-2018 09:43 ص
وهل لنا حكومة اصلا؟ يذهب الكاتب وكثير ممن ينحون نهجه الى الحديث عن:"الحكومة"وكأنها فاعل رئيسي في مشهدنا السياسي بالمغرب...بينما الواقع-سواء من خلال الممارسة الفعلية أو من خلال النصوص القانونية وتنزيلها-فان ما يسمى بالحكومة لا تعدو كونها مجموعة من كبار المسؤولين يتربعون على كرسي وزاري يستفيدون من خلاله من مجموعة من الامتيازات التي تدخل جلها في الريع السياسي والاقتصادي للنخبة المنتمية الى مختلف ما يمى بالأحزاب/الدكاكين السياسية..فالعثماني وقبله بنكيران وقبلهما من كان ومن سيأتي بعدهما لا يملكون من القرار الفعلي في تدبير الشأن العام الا ما يعطى اليهم من تعليمات وأوامر عليهم تنفيذها بالحرف...بمعنى أن الحكومة لاخطوط لا تتجاوزها..وان فعلت فمصيرها معروف...وما نراه مما يسميه البعض من المحللين،ومنهم السيد بلال التليدي نفسه،بالتدافع السياسي بين مكونات الأغلبية وما يسمى ب:"المعارضة"لا يعدو كونه مزايدة على نيل حصة سمينة من كعكة السلطة...وسواء تكلم بنكيران أو صمت أو أرغم على الصمت...وسواء استقالت الحكومة وتم اللجوء الى انتخابات جديدة..فان الواقع عنيد ويشهد على فشل نموذج تنموي تم الترويج له طويلا من غير نتائج ملموسة على حياة الناس في أرض الواقع...وفشل هذا النموذج التنموي اعترف به ملك البلاد شخصيا...فهل التقطت النخبة الحزبية الاشارة وانكبت على صياغة نموذج جديد يلامس واقع الناس بعيدا عن المظاهر الخادعة للتنمية البشرية التي لم تستطع الرقي بترتيب الوطن رتبا متقدمة على سلم التنمية مقارنة بدول توجد في وضعية عدم استقرار؟لنضع بين أيدينا برنامج حزب العدالة والتنمية الانتخابي ومعه برنامج الحكومة الحالية والسابقة ونقوم بتعداد ما تحقق منه على أرض الواقع وسنرى الحصيلة بكل تجرد...ان تعدد الحراك الاجتماعي وتنوعه يعكس حصيلة ذلك...الخلاصة:لا الحكومة الحالية ولا من سبقتها ولا تلك التي قد تأتي بعدها تملك القرار الفعلي ببلدنا..لهذا فحديث بنكيران أو صمته...والرد عليه أو عدم الرد...سيان...فأصحاب القرار واعون بما يعملون...