ملفات وتقارير

"زيت زيتون ودقلة" في برلمان أوروبا يضع تونس في مأزق

رئيس البرلمان التونسي (يسار) ونظيره الأوروبي- أرشيفية
رئيس البرلمان التونسي (يسار) ونظيره الأوروبي- أرشيفية
فجر مقال لصحيفة "لوموند" الفرنسية حول كواليس رفض البرلمان الأوروبي التصويت على مبادرة لرفع تونس من "القائمة السوداء"، التي أعدتها لجنة الشؤون المالية بالاتحاد للدول ذات المخاطر في تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، جدلا حادا بين الأوساط السياسية في تونس، بعد كشفه عن تقديم الخارجية التونسية هدايا لنواب من البرلمان الأوروبي للتصويت ضد هذا التصنيف، تمثلت في "زيت الزيتون والدقلة (التمر التونسي)".

وقال تقرير الصحيفة الفرنسية، الذي نشر الخميس الماضي، بشكل ساخر، إن هدايا زيت الزيتون والدقلة لم تؤثر في قرار نواب الاتحاد الأوروبي حول التصويت ضد هذا التصنيف.

وأكدت الصحيفة أن تصنيف تونس في هذه القائمة تم منذ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، رغم تحرك اللوبي وجماعات الضغط المساندة لتونس، التي تمكنت سابقا من إخراجها من القائمة السوداء للملاذات الضريبة، وبأن حجّة الديمقراطية الناشئة وهدايا الدقلة التونسية وزيت الزيتون التي أرسلت لنوّاب الاتحاد الأوروبي لم يمنع تصنيف تونس من ضمن الدول "الأكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب".

وكان البرلمان الأوروبي صوت في جلسة عامة بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، الأربعاء الماضي، على تصنيف تونس ضمن القائمة السوداء لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، في حين صوت 357 نائبا ضد القرار، والحال أن المطلوب هو 375 صوتا.

فضيحة دبلوماسية

وشن سياسيون تونسيون هجوما لاذعا على وزارة الخارجية التونسية والدبلوماسية التونسية بشكل عام في الخارج، واصفين ما حصل بـ"الفضيحة" والإهانة في حق صورة تونس بالخارج، وبفشل الدبلوماسية السياسية والاقتصادية في إدارة الأزمات.

وأعلن النائب المستقل في البرلمان التونسي، ياسين العياري، في حديثه لـ"عربي21"، عن تقديمه لسؤال كتابي لوزير الخارجية التونسي، لتوضيح حقيقة ما نشر في مقال الصحيفة الفرنسية، وحول طبيعة الهدايا المقدمة لبرلمانيين أوروبيين.

وبحسب ما جاء في السؤال الكتابي للنائب، الذي تحصلت "عربي21" على نسخة منه، فقد دعا وزير الخارجية إلى مده بقائمة اسمية للنواب الأوروبيين الذين تحصلوا على هدايا من تونس ونتائج تصويتهم داخل البرلمان، كما تساءل عن قانونية هذا الإجراء، وإن كان من ركائز الدبلوماسية التونسية المتبعة منذ سنة 2014.

بدوره، عبّر الناشط السياسي ورئيس "شبكة دستورنا"، جوهر بن مبارك، في تدوينة له عبر حسابه الشخصي على فيسبوك، عن "شعوره بالخجل" من سلوك وزارة الخارجية التونسية لإقناع نواب البرلمان الأوروبي بالتصويت ضدّ قرار تصنيف تونس على قائمة تبييض الأموال.

وانتقد أستاذ علم الاجتماع السياسي، جوهر الجموسي، الدبلوماسية التونسية في تدوينة له بالقول: "حين توظّف الدبلوماسية التونسية زيت الزيتون ودقلة النور في إرشاء نواب البرلمان الأوروبي، لا نملك إلا البكاء على دولة الاستقلال، وقد أنجبت بعد عقود حكّاما يرفعون شعار محاربة الفساد في تونس، وينشرون الرشوة والفساد في العالم".

واعتبر الخبير الدولي لدى الأمم المتحدة، عبد الوهاب الهاني، أن "سياسة أطعم الفم تستحي العين قد تكون تنفع مع دكاكين تجار بيع الضمائر في سوق نخاسة الحياة السياسية التونسية وغيرها من البلدان، لكنها لن تمنع عنا الكوارث". 

واعتبر الباحث التونسي ومدير "مركز جنيف للسياسة العربية"، سامي الجلولي، في حديثه لـ"عربي21"، أن الدبلوماسية التونسية الخارجية أثبتت فشلها وتخبطها منذ سنة 2011 لمجابهة المخاطر ولتثبيت العلاقات.

وتابع بالقول: "الدبلوماسية الناجحة هي التي تستبق الأخطار المضرة بمصالحها، وتعدمها في الحين، قبل أن تتحول إلى مشروع قانون أو قرار، ولهذا فشلنا، رغم عملية إرشاء بعض البرلمانيين بالتمور والزيت".

واستدرك بالقول: "ليس عيبا أن نقدم هدايا، لكن يصبح عبثا أن نقدمها في حيّز زمني قصير الهدف منه الضغط معنويا على بعض البرلمانيين، وفي مسائل شائكة تقف وراءها لوبيات اقتصادية خارجية".

الخارجية ترد

من جانبه، وفي رده على جميع الاتهامات التي وجهت لوزارة الخارجية التونسية، أكد مدير إدارة الإعلام والاتصال في الوزارة، بوراوي الإمام، في حديثه لوسائل إعلام محلية، أن "تقديم الهدايا وتبادلها ليس بدعة، بل يعد من الأعراف الدبلوماسية، ومعمول به في أعلى المستويات بين الوزراء ورؤساء الدول والسفارات الأجنبية من باب المجاملات".

لكنه اعتبر في المقابل أن ربط الهدية بمقابل تجن على الدبلوماسية التونسية ومجهوداتها، مستغربا من ترويج صحيفة "لوموند" الفرنسية ما أسماها "الأخبار الكاذبة"؛ بهدف الاستنقاص من صورة تونس.

وأكد أن الـ357 نائبا الأوروبيين، الذين صوتوا لفائدة تونس وضد قرار تصنيفها في القائمة السوداء، كان تصويتهم عن قناعة، مستنكرا استغلال بعض الأطراف في تونس لتقرير لوموند لشيطنة الحكومة ورئاسة الجمهورية.

كما كذّبت وزارة الخارجية التونسية ما ورد في مقال صحيفة "لوموند "عبر وكالة الأنباء التونسية، معبرة عن استغرابها من "محاولة الصحيفة الانتقاص من قيمة الجهود المكثفة التي بذلتها تونس في هذا المجال، وتشكيكا في نزاهة النواب الذين صوتوا لفائدتها".
التعليقات (0)