قضايا وآراء

العراقيون بحاجة لسلسلة مؤتمرات!

جاسم الشمري
1300x600
1300x600
لا يمكن اعتبار مؤتمر الكويت لإعمار العراق؛ البطاقة الرابحة التي ستنقل حياة العراقيين إلى مرحلة وردية، وإنما هو مجرد تجمع دولي وإقليمي يمكن أن يعالج بعض المشاكل العراقية المركبة، وربما هو مناسبة لمزيد من صور الفساد المالي والإداري في بلاد صارت كارثتها الكبرى غياب رقابة الدولة على غالبية المؤسسات الحكومية المدنية والعسكرية.

مؤتمر الكويت لإعمار العراق الذي عقد في الفترة من 12 إلى 14 شباط / فبراير الحالي، خصص لتجميع بضعة مليارات أشارت لبعضها مصادر مقربة من المؤتمر إلى أنها قرابة 18 مليار دولار (الحصيلة النهائية قد ترتفع إلى 30 مليارا)، وهي مبالغ - ربما - لا تكفي لرفع أنقاض المنازل في أكثر من خمس مدن عراقية بلغت نسبة الدمار في بعضها 90 في المئة من مجموع المنازل والبنى التحتية والفوقية.

العراق اليوم يعاني من مشاكل سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، لكن المشكلة السياسية هي أُسّ المشاكل في البلاد لذلك. فالقضية لا يمكن أن تحل بمؤتمر للاستجداء، أو لجمع الهبات من هنا أو هناك، وإنما القضية الجوهرية هي كيف يمكن أن نؤسس لبناء دولة؟ أو كيف يمكن تشكيل حكومة وطنية مستعدة لانتشال البلاد من مستنقعات الخراب الإداري المستشري في مجمل مفاصل الدولة؟

الحقيقة أنه، ورغم أهمية مؤتمر الكويت على اعتبار أنه يذكر العالم بأن هنالك العديد من المدن العراقية التي دمرتها العمليات العسكرية، إلا أن العراق - برأيي -  بحاجة إلى العديد من المؤتمرات الضرورية، التي تؤسس لتفكيك المعضلة العراقية المركبة.

المؤتمرات المقترحة يفترض أن تكون مؤتمرات تأسيسية لمرحلة جديدة من حياة العراق والعراقيين، وليس مجرد فعاليات إعلامية. وعليه، ينبغي أن تكون مقررات هذه المؤتمرات ملزمة التطبيق، وإلا فهي مجرد هواء في شبك، وضياع للجهود والأموال.

عموماً المؤتمرات المقترحة لإنقاذ العراق من الحالة المزرية يمكن أن تكون على النحو الآتي:

- مؤتمر المصالحة الوطنية: ويكون برعاية عربية ودولية، ويعقد خارج العراق، ويقوم على أسس ومبادئ مؤتمري المصالحة في القاهرة للعامين 2005 و2006، وتشارك فيه كافة القوى الفاعلة في المشهد العراقي من الداخل والخارج، على أن يستثنى منهم القتلة والمجرمون. ويتم فيه تشكيل حكومة مؤقتة تدير البلاد لمدة عامين، ويؤسس لانتخابات برلمانية رقابية في عموم البلاد، ويؤسس المؤتمر  للمراحل اللاحقة.

- مؤتمر تشكيل البرلمان المؤقت: من نتائج المؤتمر السابق إجراء انتخابات برلمانية لتشكيل برلمان لمراقبة أداء الحكومة الانتقالية. والبرلمان هنا دوره رقابي، وليس لتشكيل حكومة من الكتلة الأكبر؛ لأن الحكومة ستشكل في مؤتمر المصالحة، لمدة انتقالية لعامين، ثم بعدها يتم تشكيل حكومة وفقاً للاستحقاق الانتخابي، على أن تنتهي مهام الحكومة والبرلمان بعد 24 شهراً من أول جلسة رسمية، وبعدها يتم إجراء انتخابات برلمانية يكون رئيس الحكومة من الكتلة الأكبر.

- مؤتمر قضائي: يعقد خلال الفترة الانتقالية، ويشارك فيه قضاة من العراق ودول عربية وأجنبية الهدف منه تشكيل لجان قضائية للنظر في مهازل الاتهامات التي صارت بلا أي ضابط قانوني لعشرات الآلاف من المعتقلين، لتكون بداية انتهاء مأساة الأبرياء من القابعين في السجون السرية والعلنية.

- مؤتمر اجتماعي: تتم الدعوة إليه بالتزامن مع المؤتمر القضائي، ويكون بمشاركة كبار شيوخ العشائر العراقية والحكومات المحلية، والغاية منه إعادة بناء اللحمة المجتمعية بين المواطنين والتي شابها الكثير من الشوائب، وإنهاء الفصول العشائرية في عموم البلاد، والتي هي من أكبر معوقات المصالحة، وتكون الدولة هي الضامن لدفع الديات في الفصول العشائرية.

- مؤتمر اقتصادي: لمكافحة صور الفساد المالي والإداري. ويكون بمشاركة خبراء من العراق والدول العربية والأجنبية، لاسترداد مئات المليارات المنهوبة داخل العراق وخارجه. ويعقد هذا المؤتمر في الفترة الانتقالية أيضاً.

- مؤتمر علمي تربوي: لتقييم الواقع التعليمي في المدارس الابتدائية والمتوسطة والإعدادية والمراحل الجامعية، والسعي للنهوض بالتعليم في البلاد.

- مؤتمر صحي: لدراسة الأمراض الخطيرة التي نتجت عن استخدام أسلحة محرمة من قبل قوات الاحتلال، وطلب العون الطبي من دول العالم المتقدمة لتقليل الضرر قدر الإمكان، ولإيجاد بيئة صحية في الوطن.

- مؤتمر ثقافي: تكون غايته إعادة ما نهب من آثار وقطع فنية نادرة للعراق، وهي اليوم متناثرة في العديد من دول العالم.

مع هذه المؤتمرات المتنوعة يمكن وضع القطار العراقي على السكة الصحيحة الموصلة لبناء دولة المواطنة التي لا تفرق بينهم على أساس الدين أو المذهب أو العشيرة أو القومية، وإلا فإن هذه المؤتمرات هي مناسبات جديدة أو مراحل جديدة من مراحل الفساد المالي التي سحقت حتى اليوم أكثر من 1650 مليار دولار (تريليون و650 مليار دولار) بحسب لجنة النزاهة في البرلمان العراقي.

العراق بلد الخير، وما ينقصه هو إدارة حقيقية وطنية لإنقاذه من هذه الكوارث المتنوعة والمركبة التي يمكن القضاء عليها خلال ثلاث أو أربع سنوات؛ بواسطة حكومة وطنية قوية لا يهمها إلا مصلحة الوطن والمواطن.

ليكن شعار المرحلة القادمة إعمار الإنسان قبل البنيان، لنصل جميعاً بالعراق إلى شاطئ الأمان.

@jasemj67
[email protected]
التعليقات (4)
محمد ابو سيف افجلار
السبت، 02-06-2018 12:01 م
س ع الروح الوطنيه متوافره عند الاكثريه من المواطنين ومن كل الاتجاهات الا ان نظم ا لحكم السابقه كان لها تاءثير سلبي مما اظهر الروح والنزعه ذات النظره السطحيه للواقع
محمد حميد رشيد
الأحد، 25-02-2018 02:37 م
هذا تعبير صادق عن حال العراق الممزق بالطائفية والذي يوشك على الانهيار بفعل الفساد الاصطوري والفشل المتخلف . وبلد هذا حاله فشل سياسي واقتصادي واجتماعي تعصف به الطائفية قد لا يستطيع لوحده معالجة وضعه السيء كما لا تستطيع الجهود الخارجية معالجة مأسيه ! لابد للشعب العراقي من أستعادة وعيه وتحديد مصالحه وتحديد المخاطر الذي تهدد وجوده والسعي لتجميع كل القوى الوطنية وتنشيط دورها (الايجابي) في الاصلاح والتغيير ومع هذا فأن هذا التغيير لا يمكنه ان يحقق شيئاً من دون الدعم العربي والاقليمي والدولي خصوصاً النفوذ الاجنبي يفعل فعله في كل ما يحدث من سوء فيه !
زهير - السعودية
الخميس، 15-02-2018 12:51 م
ويجب على الدول المانحة والمتعاطفة مع العراق أن تكون يقظه ، ومراقبه للمبالغ التي تقدمها للعراق ، وتتأكد أنها تصرف لصالح الدوله العراقية والشعب العراقي . - لأنه لايزال النفوذ الإيراني مسيطر ومتسلط على القرار السياسي والاستراتيجي ، والنموذج سليماني وهادي العامري وقيس الخزعلي ، والمالكي وحيدر العبادي وبصورة أكبر حزب الدعوة الخ ، وهؤلاء هم يعملوا لإيران أكثر مما يعملوا للعراق . لذا مايخشى أن هذه المساعدات الماليه وجهتها النهائية والأخيرة ستكون ايران وليس العراق . - لا يزال المتحكمين في قرار العراق السياسيوالاستراتيجي ، عرف نسبة كبيره منهم في الفساد والسرقه ، وما يخشى أن هذه المنح المالية ستذهب الى جيوب هؤلاء الفاسدين، وأعجبني أحد أعضاء مجلس النواب أمس بقوله من الكويت ،" العراق لا يحتاج منح ومساعدات ماليه من أحد لو رحمه الله من وزرائه الفاسدين" تحياتي حفظكم الله ورعاكم جميعاً
صفا
الخميس، 15-02-2018 12:48 م
فعلا، العراق القوي هو بلد العراق بلد الخير، وما ينقصه هو إدارة حقيقية وطنية لإنقاذه من هذه الكوارث المتنوعة والمركبة التي يمكن القضاء عليها خلال ثلاث أو أربع سنوات؛ بواسطة حكومة وطنية قوية لا يهمها إلا مصلحة الوطن والمواطن.

خبر عاجل