مقالات مختارة

أسئلة مطروحة على الإسلام السياسي

علي محمد فخرو
1300x600
1300x600

منذ عدة سنوات والمجتمعات العربية تشاهد بروز ظاهرة متنامية ولافتة للنظر. إنها ظاهرة تحليل ونقد مصادر الفقه الإسلامي التاريخية الشهيرة من مثل: صحيح البخاري ومسلم وكتاب الكافي، وظاهرة تحليل ونقد منهجية الإسناد ومكونات المتن التي قام عليها علم الحديث، وأخيراً ظاهرة محاولات عدة لإعادة قراءة النص القرآني بأشكال تختلف عما سبقها من قراءات في أزمنة عربية قديمة ومختلفة عن حاضرنا.


إن ذلك النشاط الديني والفكري والسجالي يجري في أوساط المفكرين والكتاب وعدد من علماء الدين عن طريق مئات الإصدارات من الكتب وألوف المقالات في الصحف وفي أوساط المثقفين والإعلاميين، عن طريق المناقشات والتبادلات العالية النبرة في وسائل الإعلام الإذاعية والتلفزيونية وعن طريق وسائل التواصل الإلكتروني الاجتماعي العالمية الكثيرة.


لكن ما يلفت النظر هو غياب الأصوات والمواقف الرسمية، غير الفردية الشخصية، لقوى الإسلام السياسي التاريخي المنظم بشأن ما يثار. وهو أمر يحتاج لطرح الأسئلة بشأن الكثير من التفاصيل وبشأن مواقف تلك القوى المستقبلية. 


فإذا كانت قوى الإسلام السياسي تطرح شعار «الإسلام هو الحل» فإن من حق الناس والمجتمعات أن يتساءلوا عن المصادر المعتمدة والمكونات المنتقاة والتجديدات المقترحة التي ستدخلها مختلف القوى الإسلامية السياسية على تفاصيل شعار«الإسلام هو الحل»، وذلك على ضوء نتائج المناقشات الجادة التي تجري، كما ذكرنا، في أوساط المفكرين والكتاب والمثقفين وبعض علماء الدين وجمهور وسائل التواصل الإلكتروني الاجتماعي.


سنطرح هنا بعضاً من الأسئلة الكبرى التي تحتاج لإجابات واضحة وصريحة من الذين يؤكدون أنهم سيقومون بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية إذا استلموا الحكم في هذه الدولة العربية أو تلك.


السؤال الأول يتعلق بموضوع الخلافة الإسلامية في مقابل الدولة المدنية الحديثة. لقد تأسست الخلافة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) على أنها سلطة دعوة ونشر لدين، وبالتالي فإن ولاء رعاياها، من المؤمنين على الأخص، يجب أن يكون في الأساس للدين وحده. 


أما اليوم فإن العالم كله يتحدث عن كيان دولة تهيمن على أرض وشعب، وتعتمد دستوراً (أي عقداً اجتماعياً) قوامه المواطنة المتساوية أمام الفرص والقانون، دون أي تفريق بسبب الدين أو المذهب أو الجنس أو العرق، أو الانتماء الاجتماعي. وبالتالي فإن ولاء المواطنين، المهيمن على كل ولاء فرعي آخر، هو للدولة الوطنية.


نحن هنا نتحدث عن الدولة المدنية الديمقراطية، القائمة على الحريات والمساواة والمواطنة والقوانين واستقلالية السلطات الثلاث، والتي لا تستطيع التعايش مع مفاهيم وشعارات من مثل كلمة الذميين، ودفع الجزية، والتكفير، والحاكمية، واشتراط موافقة جهات دينية على كل قرارات المجالس النيابية، وولاية الإمام الفقيه، وحصر بعض مناصب الدولة العليا في أتباع هذا الدين أو ذاك المذهب، وحجب بعض المناصب عن المرأة المواطنة، وغيرها من مفاهيم فقهية تتعلق بنظامي التعزير، والتي ما عادت صالحة لمجتمعات العصر الذي نعيش، أو من أحاديث مدسوسة على نبي الإسلام، أو من قراءات للنصوص القرآنية التي خضعت في الماضي للأهواء السياسية وصراعات الحكم.


والسؤال، إذن، هو إن كانت أحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي تتابع تلك الكتابات والمداولات، وإن كانت لها آراء ومواقف علنية واضحة بشأن ما تقبل وما ترفض، وذلك على أسس عقلانية وأخذاً بالمقاصد الكبرى للدين المتفاعلة مع واقع البشر من جهة والمبنية على أسس العدالة والحق والقسط والميزان والرحمة من جهة ثانية، وكذلك بشأن انعكاس ما تقبل على دساتيرها وبرامجها وشعاراتها الانتخابية ومقدار ممارستها عند استلامها الحكم.ولنا في تجارب دول من مثل: مصر وتونس والمغرب والعراق دروس وعبر.

 

السؤال الثاني، يتعلق بموضوع النظام الاقتصادي في الإسلام الذي يحتوي على ملابسات واختلافات كثيرة. فالبعض يعتقد أن الربا المحرم في القرآن الكريم يقتصر على علاقة بين فردين، يستغل فيها الدائن ظروف المدين. بينما يرى آخرون أنه يشمل أيضاً تعاملات المصارف حتى ولو أنها قائمة على أسس قانونية وتعاقدية مختلفة عما كان يجري في الماضي.


وهناك من يحرم أي فائدة يحصل عليها الفرد مقابل شرائه لأسهم أو سندات بنكية، ويقترح عقود المضاربة. وليس هنا مجال لبحث هذا الموضوع الشائك، وخصوصاً محاولة التمييز بين المضاربة والاستثمار وبين عقود الأشخاص وعقود المال وتجاذبات موضوع التأمين.


ويلاحظ أن الإسلام السياسي، وبصورة عامة، يعطي اهتماماً أكبر للمواضيع المالية، من مثل الزكاة والصدقة والجزية والخراج والغنائم، بينما يعطي اهتماماً أقل لما تأسس عليه النظام الاقتصادي الحديث من إنتاج واستهلاك وأسعار وعمالة وتطوير تكنولوجي ونظم إدارية إلخ.. 


ولا ننسى بالطبع السجالات حول النظام الاشتراكي الإسلامي في مقابل النظام الرأسمالي الذي يتماشى مع أسس الرأسمالية. ما يهمنا، في المحصلة، هو معرفة ما وصلت إليه الإيديولوجيات السياسية الإسلامية من قبول أو رفض لأهم موضوع في الحياة العصرية، موضوع الاقتصاد والمال.


السؤال الثالث، هو ما يتعلق بموضوع مسائل الأحوال الشخصية التي تحتاج إلى اجتهادات مستمرة تأخذ بعين الاعتبار، المبادئ الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة من جهة، وتأخذ بعين الاعتبار التغيرات الكبرى في ظروف وعلاقات الزواج وحضانة وتربية الأطفال، وتعقيدات عمل الوالدين وغيرها من عشرات التغيرات من جهة أخرى.


لا يستطيع الإسلام السياسي أن يعزل نفسه في قوقعة ويتجاهل ما يجري في ساحات الواقع الثقافي والسياسي والاقتصادي العربي المتشابك مع الساحات العولمية المماثلة.


آن أن يكون لديه مفكروه ومنظروه ومثقفوه، الذين يتفاعلون بحيوية وعلنية وسجالية موضوعية مع نظرائهم الآخرين، وليطوروا دساتير ومشاريع وأهداف ووسائل أحزابهم وتنظيماتهم. هذا موضوع يمس صميم الحياة السياسية والاجتماعية العربية في الحاضر والمستقبل المنظور، وعدم الدخول في لججه لن يوصل إلى بر الأمان.

 

(الخليج الإماراتية)

4
التعليقات (4)
mm
الخميس، 22-02-2018 10:09 م
يقول الله تعالي(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) سورة الجاثية.
د علي
الخميس، 22-02-2018 06:11 م
أولا: محاولات نقد أسانيد السنة النبوية ومحاولة قراءة النص القرآني. بشكل مختلف عن الموروث لا هي بالظاهرة ولا هي بالابتكار فليست إلا محاولات تتردد لدى بعض ببغاوات الفكر الاستشراقي وليس لها أي قيمة من النقد العلمي ولا صلة لها بأي منهجية وليس لها وزن عند عامة الناس ولا عند الباحثين المتخصصين ثانيا: جوابك على ما طرحته فيما يتعلق بالإسلام وشرائعه يجيبك عنه ألوف من علماء الإسلام المتخصصين تخصصات علمية دقيقة في فرورع الإسلام المختلفة والذين لهم ألوف البحوث العلمية الصادرة عن المؤسسات الإسلامية العريقة كالأزهر وغيره وليس منوطا بالإسلام السياسي ولا غيره أن يجيبوك عليها ثالثا: أقام اليهود دولتهم على أساس الدين ويدين لها بالولاء والدعم كل يهود العالم وأقام الشيعة دولتهم على أساس الدين وفقا لمذهبهم ويدين لها بالولاء كل الشيعة على اختلاف طوائفهم وكليهما لهما من النفوذ والقوة ما يفوق دولنا البائسة التي تطالب الإسلاميين فيها بنبذ الإسلام أو تغيير قراءته بما يتوافق والقيم العلمانية ثالثا: إن النظم التي تروج لها أنت وأمثالك في بلادنا ليس فيها ولاء للوطن ولا فيها حقوق لعموم الناس ولا حريات ولا سلطات ثلاث ولا أربع، ليس فيها إلا دكتاتور خائن وحاشية منتفعة، تتاجر بهذه الشعارات تحت زعم أن البديل لهم لا يؤمن بها وأنه يبحث عن حكم ديني رابعا: هناك فرق بين الديمقراطية والعلمانية ولا تعني الأولى الثانية بالضرورة، فالديمقرطية تعني حكم الأغلبية مع ضمان حق الأقلية في الوجود دون الحكم وإتاحة الفرصة لها للحكم عندما تتحول إلى أغلبية، والشعب حر في أن يختار العلمانية أو الإسلامية أو اليهودية أو غيرها منهجا له أم لا
عارف صابر
الخميس، 22-02-2018 05:06 م
الإسلام السياسي ليس موجوداً حالياً على أرض الواقع ، و لذلك يقتضي العقل و المنطق توجيه الأسئلة إليه عندما يأتي و ينتقل من الحيَز النظري إلى حيَز التطبيق. كنت أتمنى على الأستاذ علي محمد فخرو المحترم أن يقوم بتوجيه الأسئلة إلى الكاثوليكية السياسية القائمة بالفعل أو إلى الجناح الأنجليكاني المتصهين (من البروتستانتية السياسية) و هذا له رموز أشهرهم ترامب أو إلى الارثوذوكسية السياسية التي يمر عليها الجنود الروس لتباركهم قبل ذهابهم لقتل أهل سوريا و تدمير بيوتهم و تهجيرهم. المرجو من الأستاذ الكريم أن يتساءل عن دور الدين في السياسة أو دور السياسة في الدين لدى أعداءنا ، حيث نريد أن نفهم سبب التفافهم القوي حول دينهم مع أنهم محكومون من علمانيين أغلبهم ملحدين.
د.محمد رمضان
الخميس، 22-02-2018 03:05 م
الإسلام هو الإسلام شريعة الله التى تحكم حياة الإنسان دينا ودنيا. ولايوجد اسلام سياسى وآخر إجتماعى وآخر إقتصادى. وإنما الإسلام السياسى هو مصطلح تم اختلاقه بخبث لتنحية الاسلام عن إدارة شئون المسلم وغير المسلم فى محيطه. وهذه أسئلة افتراضية إسألها لنفسك وأجب بما يناقضها من الاسلام ان استطعت.