مقالات مختارة

حماة 1982.. وسوريا الجديدة

خير الله خير الله
1300x600
1300x600

تكشف مأساة الغوطة الشرقية حيث يقتل النظام السوري يوميا بدم بارد العشرات من مواطنيه، بدعم إيراني وروسي، أنّ هناك إصرارا على تكريس التغييرات الديموغرافية في سوريا. من الواضح أن المطلوب انطلاقا من هذه التغييرات إعادة تشكيل سوريا. هل يمكن أن ينجح النظام في البناء على ذلك مع الذين يقفون خلفه ويوفرون لبشّار الأسد الحماية التي يحتاجها للبقاء في دمشق حاكما صوريا؟ هل سوريا الجديدة ستكوّن نتيجة التحولات التي جرت على الأرض، بما في ذلك تدمير المدن السنّية الكبرى وتدجين دمشق وتغيير طبيعة تركيبتها وتركيبة المنطقة التي تحيط بها؟

ما يتبيّن كلّ يوم أكثر من أيّ وقت أنّ النظام، الذي ليس سوى بيدق يحرّكه الإيراني والروسي، ماض في حربه على شعبه. لا يدرك النظام، على الرغم من أنّه صار في مزبلة التاريخ، سوى أن الحلّ الذي اعتمده في حماة في العام 1982 سيبقيه في السلطة. هذا منتهى اللاواقعية لا أكثر. كيف يمكن للنظام والذين يفاخرون بأنّه لا يزال قائما بعد مضي سبع سنوات على بدء الثورة الشعبية تصوّر أن بشّار الأسد يمكن أن يعود رئيسا في يوم من الأيّام؟

لا يمكن لتجربة حماة في 1982 أن تتكرّر في 2018 على نطاق سوريا كلّها. كلّ ما تدلّ عليه المجزرة التي يرتكبها النظام مع الإيراني والروسي هو تمهيد لقيام سوريا الجديدة. في سوريا الجديدة، يبدو أنّ أسس التسوية لن تتبلور قبل أن يقرّر الأمريكي ما الذي يريده، بما في ذلك هل سيكون هناك وجود إيراني في الجنوب السوري، وهو وجود تعترض عليه إسرائيل شكلا ومضمونا.

كان متوقّعا أن تكون السنة 2018 سنة التسوية في سوريا. يبدو أنّها ستكون سنة بداية مرحلة جديدة من الحرب التي يخوضها النظام مع الإيراني والروسي على الشعب السوري. ما يمكن قوله الآن إنّ شمال شرق سوريا، الذي يُشكّل «سوريا المفيدة» صار تحت السيطرة الأمريكية. معظم الثروات السورية في تلك المنطقة التي أفهمت واشنطن كلّ من يعنيه الأمر أن لا مجال للاقتراب منها. تبدو أمريكا، على الرغم من عدم امتلاكها استراتيجية واضحة بالنسبة إلى مصير سوريا في المدى الطويل، جدّية في الاحتفاظ بشمال شرق سوريا، أي بالمنطقة الواقعة شرق الفرات. بات ثابتا الآن أن الأمريكيين حصدوا قبل أسابيع قليلة بواسطة طائرات هليكوبتر من نوع «أباتشي» مجموعة من المرتزقة جندتهم شركات نفطية روسية. حاول أفراد المجموعة وكان عددهم نحو 300 الاقتراب من أحد حقول الغاز في منطقة دير الزور. كانت النتيجة، استنادا إلى وسائل إعلام أمريكية محترمة مقتل ما لا يقلّ عن مئة من هؤلاء.

يعطي التصرف الأمريكي فكرة عن مدى الإصرار على البقاء في تلك المنطقة التي فيها عرب وأكراد بحجة أن الانسحاب منها قد يسمح بعودة «داعش» إليها.

يستطيع الأمريكيون الانتظار طويلا في منطقة شرق الفرات حيث معظم الثروة الزراعية والمائية ومعظم حقول النفط والغاز. لذلك، سيتوجب على من يريد التوصّل إلى تسوية نهائية الدخول في مفاوضات مع إدارة ترامب التي لا تبدو مستعجلة على شيء في سوريا. يشير إلى ذلك وقوفها موقف المتفرّج من المجزرة اليومية التي تدور في الغوطة، وهي مجزرة تذكّر بحماة 1982 مع فارق كبير يكمن في أنّ مجزرة حماة التي راح ضحيتها ما لا يقلّ عن عشرين ألف سوري نفّذت في الخفاء في غياب الإنترنت.

حصيلة الأمر أنّ كلّ ما يُقال عن حرب الغوطة ليس سوى غطاء لحقيقة ما يدور في سوريا. كان لا بدّ من انتظار السنة 2018 للتأكّد من أن الحرب على الشعب السوري لن تنتهي غدا. ما زالت هذه الحرب طويلة وذات طابع طائفي ومذهبي أوّلا وأخيرا.

كانت ندوة نظمها في بيروت في العشرين من شباط (فبراير) «بيت المستقبل» الذي أسسه الرئيس أمين الجميّل مع «مؤسسة كونراد أديناور» الألمانية تحت عنوان «حقيقة ديموغرافية جديدة في سوريا» مناسبة لسماع آراء خبراء دوليين وسوريين ولبنانيين في ما يدور في سوريا انطلاقا من الواقع الذي فرضته التغييرات التي حصلت على الأرض.

من بين ما قيل في الندوة إن العلويين هم الأكثر تعلّقا بالدولة المركزية في سوريا من منطلق أنّهم كانوا الحكام الفعليين لهذه الدولة منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة واحتكاره لها في العام 1970. في الواقع، كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع منذ العام 1966. ما لم يشر إليه أيّ من المشاركين هو دوره في تسليم الجولان إلى إسرائيل في حرب العام 1967.

ما لم يفت المشاركين أنّ إخراج أهل الغوطة الشرقية من أراضيهم يخدم مشروع إبعاد أكبر عدد من السنة عن دمشق. أشار مشارك إلى أن هناك مليون علوي في دمشق حاليا وأنّ تغييرات حصلت داخل المدينة ومحيطها عن طريق شراء الأراضي والممتلكات. ذكر آخر أن معظم أهل حمص هجروا منها وهناك هجمة علوية عليها. تشمل هذه الهجمة الاستيلاء على أملاك أهل حمص.

ذهب مشارك إلى حد القول إنّه إذا كانت هناك من دولة علوية ستقوم في سوريا، ستكون دمشق عاصمة هذه الدولة التي سيكون لها امتداد في اتجاه المناطق التي يسيطر عليها «حزب الله» في لبنان. ستضم الدولة العلوية دمشق وحمص وحماة والقسم الأكبر من الساحل السوري حيث اللاذقية وطرطوس وبانياس. ستبقى حلب خارج هذه الدولة.

كان لافتا ما ذكره مشارك آخر في الندوة عن احتمالات المواجهة بين الأكراد والعرب في شمال شرق سوريا وعن زوال الوجود المسيحي في تلك المنطقة. لم يعد في دير الزور كلّها سوى مسيحي واحد!

كشفت الندوة حقيقة لم يتحدث عنها أحد في الماضي عن الوجود المسيحي في سوريا عموما. تتمثل هذه الحقيقة أنّ نسبة المسيحيين في بداية العام 2011، أي قبل اندلاع الثورة في شهر آذار (مارس) من تلك السنة كانت 4,6 في المئة من عدد السكان وليس 10 في المئة كما هو شائع. هجّر حافظ الأسد ثمّ بشّار الأسد المسيحيين من سوريا على دفعات وذلك قبل اندلاع الثورة الشعبية التي كانت ثورة على نظام حرم المواطن السوري من كرامته.

ما كان سرّا في سوريا منذ تولّي حزب البعث السلطة في العام 1963، صار أكثر من حقيقة في السنة 2018. ما تشهده سوريا هو حرب طائفية لم تعد شعارات البعث، بكلّ تخلّفه، قادرة على تغطيتها. كلّ ما يفعله العلويون حاليا بدعم إيراني وروسي هو الخروج بسوريا جديدة من منطلق طائفي ومذهبي ليس لإيران غيره لتبرير تحولّها إلى دولة متوسطية تستخدم فيها سوريا جسرا إلى لبنان الذي لم تعد تحتاج فيه إلى الكثير من أجل الإمساك به.

تبقى علامة استفهام تتعلّق بالموقف الأمريكي وما إذا كانت هناك استراتيجية أمريكية تتجاوز الاكتفاء بالاحتفاظ بـ«سوريا المفيدة» والتفرّج على إحدى أفظع الجرائم منذ بداية هذا القرن، أي جريمة الغوطة الشرقية.. هذه الجريمة المرتبطة بالحقيقة الديموغرافية الجديدة في سوريا.

المستقبل اللبنانية

1
التعليقات (1)
ابو العبد الحلبي
الثلاثاء، 27-02-2018 10:52 ص
مع الاحترام للأستاذ خير الله خير الله ، أعود إلى التاريخ كي نفهم الحاضر . بعد الحرب العالمية الثانية، خرجت أمريكا من عزلتها و تقدمت للحلول مكان الاستعمار القديم (بريطانيا و فرنسا) في مناطق نفوذه و اتبعت في ذلك عدة أساليب منها الانقلابات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط. تعرضت سوريا لعدة انقلابات كانت فيها أمريكا تكسب و تخسر السيطرة على سوريا فقررت حسم الموقف من أجل سيطرة "دائمة" على سوريا لا ينازعها فيها منازع. نظرت أمريكا إلى الواقع في سوريا فوجدت أغلبية مسلمة و أقليات متنوعة. تبين للأمريكان أن أفضل ما يخدمهم هو استحواذ الأقلية النصيرية على السلطة مع تهميش للمسلمين و لأقليات أخرى "مثل الدروز و المسيحيين" . يمتلك النصيريون معطيات جذابة "التسخير أو الاستحمار" لكل مستعمر حاقد طامع. تسلل النصيريون للجيش و المخابرات بفضل حزب البعث العلماني الملحد و تكاثروا فيهما. في بداية الستينات ، ولد الوفاق الدولي بين أمريكا و الاتحاد السوفيتي بلقاء كينيدي –خروتشوف و جرى فيه التسليم بأن الشرق الأوسط منطقة نفوذ حصري لأمريكا و أن الاتحاد السوفيتي يتدخل في المنطقة خدمة للأمريكان و يخرج من المنطقة عند طلب الأمريكان " وهذا ما رأيناه بالضبط في مصر". في آذار "مارس" 1963 الأسود ، حصل انقلاب نتج عنه بروز النصيري "صلاح جديد" في قيادة حزب البعث و الدولة و كان الرئيس المعيَن (أمين الحافظ) مجرد واجهة مسلمة لا "يمون" على شيء. أعاد صلاح جديد المطرود من الجيش عام 1961 (حافظ الأسد) و منحه رتبة لواء و عيَنه وزيراً للدفاع. في مهزلة حرب 1967 ، قام حافظ بتسليم الجولان مما جعل الأمريكان يعطونه منصب رئيس الجمهورية أواخر عام 1970 و يرسَخون سلطته. قام حافظ بطرد العديد من ضباط الجيش بناءً على قائمة معدة سلفاً و عيَن نصيريين بدلاً منهم مما جعل النصيريين يشكلون أكثر من 95% من ضباط الجيش و المخابرات ، بقية الأقل من 5% كانت مناصب فخرية شكلية لا تعني شيئاً. امتد حكم حافظ 30 سنة . بعد وفاته مباشرة في عام 2000 أتت وزيرة خارجية أمريكا "مادلين أولبرايت" و منحت بشار منصب الرئيس قافزة عن سنه القانوني و عن نائبي الرئيس الرسميين " زهير مشارقة و عبد الحليم خدام". ها هو بشار قد أكمل 17 عاماً في منصبه و كان "عزَ الطلب" بالنسبة لكل حاقد على أمتنا طامع في ثرواتها فهو لم يوفرَ جهداً في قتل أهل سوريا و تدمير بيوتهم و تهجيرهم. بينما أمريكا حلَت الجيش و المخابرات في العراق ، يوجد لديها إصرار عنيد على بقاء الجيش و المخابرات في سوريا بتركيبتهما أي أن أمريكا لا تريد حلاً سوى ببقاء النصيريين في الحكم في سوريا مع تغيير في ديموغرافيا سوريا "هي بالضبط سوريا الجديدة". شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" معكوس في سوريا "النظام يريد إسقاط الشعب" بمباركة النظام الدولي الظالم و على رأسه أمريكا.