مقالات مختارة

فتاوى غلام الله تحت الطلب!

عبد الحميد عثماني
1300x600
1300x600

انجلى مؤقتا غُبار معركة المدرّسين مع وزيرتهم بن غبريط، غير أنّ زوبعة بوعبد الله غلام الله لا تزال تثير السجال الفقهي والمؤسساتي، ذلك أنّ المجلس الإسلامي الأعلى اضطرّ إلى نفي تحريم رئيسه للإضرابات ثلاث مرات في غضون 10 أيام فقط، بعدما تورّط غلام الله في إثارة الفتنة وسط الرأي العام، على خلفيّة الموقف "الشرعي" الذي تبنّاه مؤخرا تجاه احتجاجات الأساتذة والأطباء.

الوزير السابق حاول أن يستدرك سقطته الكبيرة، مؤكدا أنّه تساءل فقط عن شرعيّة الأجور التي يقبضها المضربون عن العمل، التي تدفعها الدولة من الخزينة العموميّة؟ ومثل هذا الكلام يعكس التخبُّط الواضح في موقف أسمى "هيئة إسلامية" في البلاد، لأنّ الرجل شغل الوزارة والإدارة لعقود، فهو يعلم قبل غيره، أنّ قوانين الدولة هي التي تنظم علاقات العمل والوظيفة العمومية، حيث تُعاقب المحتجّين بالاقتطاع من الرواتب، ما يعني أنّ استفهام غلام الله ليس سوى فتوى مبطّنة، نطق بها عن عمد لوضع المعنيّين في حرج أخلاقي، ولكنها لسوء الحظّ جاءت خارج السياق!

خرجة غلام الله غير الموفقة تعيد إلى واجهة النقاش أهمية المؤسسات الدينية ودورها في تكريس ما يعرف بـ"الأمني الاجتماعي" المرتبط بالهويّة الوطنيّة، ذلك أنّ ممارسات تلك الهيئات الرسميّة في الواقع لا تساعد إطلاقا على تثبيتها كمرجعية دينية لدى الجزائريين، الذين تُشير الإحصاءات الصادمة إلى أنهم الأكثر إقبالا بين سكان المعمورة على فتاوى وبرامج صفحات التواصل الاجتماعي لشيوخ الخليج والمشرق العربي عموما.

في مناسبات سابقة وعديدة، عرفت تصاعد الجدل الاجتماعي حول الموقف الفقهي من قضايا كثيرة وشائكة، لاسيما ما تعلّق منها بالسياسات العموميّة، مثل حُكم الدين في قروض الشباب والسكن الإيجاري وسندات الاكتتاب وسواها... كان المجلس الإسلامي الأعلى، وعلى غرار وزارة الشؤون الدينية، يلوذ بالصمت المُطبق، حتى لا يظهر في صورة المشوِّش على برامج الحكومة، ولو كان ذلك على حساب تبْيان الأحكام الشرعيّة للناس، حيث يبرّر مسؤولو المجلس والوصاية عدم ردّهم على انشغالات المُستفتين بالقول: إنّ الصلاحيات التنظيمية لا تخوّل لهم إبداء الآراء الشرعيّة إلا للجهات الرسميّة التي تطلبها!

لكنّ تسويغ ممثلي الهيئات الدينية في بلادنا، وعلى غرابته، لا يصمد في الواقع، لأنّ المؤسسات ذاتها تخرج في الوقت المطلوب لتُصدر فتاويها علانيّة في حقّ المواطنين، فتحرّم "الحرقة" والإضرابات مثلا، في موقف واضح للاصطفاف مع الإدارة، أمّا حينما تكون الفتوى معاكسة لتوجهات الدولة فإنّ الألسنة تخرُس!

الأمرُ ذاته ينطبق على وضعية الأئمَّة فوق المنابر؛ فهؤلاء ممنوعون من "تسييس" المساجد، عبر تناول قضايا الشأن العامّ الحسّاسة، مثل ظاهرة الفساد والحكم الراشد والإصلاح السياسي... ولكنهم مأمورون في آن واحد بالدعاية الانتخابية والتجنيد لمبادرات السلطة في كل المواعيد!

هذه الازدواجية في المعايير والأدوار هي أكبر تسييس وتحزيب لمؤسسات دستوريّة ودينيّة خطيرة، كان يُفترض أن تؤدي مهامها الأساسيّة وفق رسالتها الحضارية والاجتماعية، لتكون في خدمة الاستقرار العامّ بمفهومه السليم، وليس أداة ضمن أجهزة الحكم والسلطة!

إذا لم نحرِّر تلك المؤسسات من التوظيف السياسي الرسمي والشعبي، سيبقى الجزائريون، وفي مقدمتهم فئة الشباب، أسْرى الغزو الثقافي الديني وضحايا الأفكار المستوردَة، لأنّ الطبيعة تأبى الفراغ. 

الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل