مقالات مختارة

هل السلفيّة خطرٌ على الاستقرار العام؟!

عبد الحميد عثماني
1300x600
1300x600

رسالة وزير الشؤون الدينية محمد عيسى للتيّار السفلي في الجزائر، تحمل أكثر من دلالة سياسية وأمنية واجتماعية يجب الوقوف عندها بتمعّن، لأنها في تقديرنا صفّارةُ إنذار أكثر منها نصيحة أخويّة باسم الدين.

الوزير كتب لأنصار المذهب السلفي الذي يرفض التمذهب في الظاهر ويمارسه بتطرُّف في الواقع، فخطّ عبر صفحته في "الفايسبوك": "يا سلفية الجزائر هكذا كونوا أو لا تكونوا.. مسلمين جزائريين وكفى، وأما اتِّخاذ السلفيَّة منهجا خاصا ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حقٍّ، واتخاذ السلفية منهجا حزبيا، فلا شكَّ أن هذا خلاف السلفيَّة".


لماذا خرج عضو الحكومة في هذا التوقيت بالذات عن صمته، ليخاطب السلفيّين بتلك العبارات الصريحة والنبرات القويّة، بعدما وضعهم الكثير ولسنوات في خانة المؤازرين لولّاة الأمور في أوطانهم، مثلما أطلقوا هم على أنفسهم أنهم "الفرقة الناجية" دون سواهم؟


لا شكّ أن السلطات العموميّة قد انتبهت، ولو متأخرة، إلى خطورة الغلوّ في تصرفات محسوبين على التيّار، ولا نقول أبدا الفكر والمنهج السلفي الصحيح، لأنّ الأخير منزّه عن سلوكيات بعض المنتسبين عن جهل أو زور.


محمد عيسى تعمّد أن يثير البُعد الجزائري في عتابه للسلفيّين، إدراكا منه أن هذه الجماعة تضع نفسها فوق عموم المسلمين، بفهمها وتديُّنها والتزامها بنهج السلف الصالح مثلما تزعم، بينما هي في الواقع لا تعدو أن تكون فرقة كغيرها، تأخذ بأحكام الإسلام وتصوراته على مذهب فقهي ظاهري معروف وقديم، لكن لا يُقبل أن يحتكر اليوم الحقيقة المطلقة، ولا أن يعلو على باقي المذاهب والاجتهادات التي يزخر بها التراث الإسلامي، إلا فيما كان صوابا بإجماع علماء الأمة.


بيد أنّ تشبّث السلفيّين بزعمِ احتكار الفهم الديني وتطبيقاته على الوجه الصحيح يشكل انزلاقا خطيرا يهدّد النسيج الاجتماعي، ذلك أنّ بعض غلاتهم أصبحوا ينزّلون فقه "الولاء والبراء" على أفراد المجتمع قياسا إلى تصنيفاتهم الواهية، فيقاطعون "المبتدعة" في حكمهم، ولا يردّون عليهم حتّى تحيّة الإسلام، فضلا على أن يبادروا بإلقائها عليهم، مُحدثين بذلك انقساما مجتمعيّا رهيبا باسم الدين الجامع!


بمنطق هؤلاء السلفيّين الصوريّين، فإنّ كل الجزائريين الذين لا يعتنقون قناعاتهم الخاصّة ليسوا على الإسلام الأصيل، وهنا مكمنُ الخطر المُفزع الذي يضمرونه في قلوبهم العليلة وعقولهم السقيمة، في حين يُعلنون حربهم الكاذبة على الحزبيّة، لأنها حسْبهم تفرّق وحدة المسلمين وتنشر الشحناء والبغضاء بين صفوفهم، لكنهم يغضّون الطرف عن الطائفية الدينية المبطّنة، التي تحكم على الآخر بالضلال والفسق والفجور وقد تؤدي لاستباحة الدماء!


بقيت إشارة رئيسية كذلك في تحذير الوزير عيسى، وهي الإيحاء الذكيّ بارتباط هذه الجماعة بيئيّا وفكريّا وإيديولوجيّا وفقهيّا بدوائر خارجية، تتلقّى منها الفتاوى والتوجيهات، باعتبارها المرجعيّة العُليا والأولى، وهذه أيضا مسألة حسّاسة في منطق الدولة القُطريّة التي تسعى لتكريس مرجعيتها الوطنية بكل أبعادها، لأنّ القوم يرفعون شعار "طاعة وليّ الأمر" ولا يلتزمون مذهب البلد وعلمائه وأهله!   


ما سبق ليس موقفا عدائيّا ضد السلفيّة بالمطلق، لأنّنا نؤمن بحرية الأشخاص في اعتناق الأفكار والمذاهب، طالما هي داخل دائرة المشترك والجامع المانع للفتنة والانقسام، غير أنّ الواجب يقتضي محاربة الخلل في كل الاتجاهات، لأننا نحلم بها سلفيّة باديسيّة جزائريّة لا شرقية ولا غربيّة.

الشروق الجزائرية

1
التعليقات (1)
اينشتاين
الإثنين، 12-03-2018 11:07 م
السيد عثماني ، لماذا لا ندخل من الباب مباشرة ، إن السلفية اليوم نسخة طبق الأصل لما صنعته السعودية بالعالم الإسلامي كله ، هدفهم هو المحافظة على عروشهم ولو على حساب العالم كله ، والمصيبة أن نظام الإمارات كشف المستور ، ومازلتم لم تفهموا بعد ، أوربا ذاتها لم يسلم المواطن الأوروبي المسلم من هذا الداء ، أما الولاء لولي الأمر ، ليس هو رئيسكم ولا رئيس تونس ولا حتى ملك المغرب ، الولاء للسعودية هذا هو المقصود والمطلوب ، واعلم أن صفقة القرن تتجه هذا الاتجاه، المسلمون مطالبون ، أينما كانوا بالولاء ولي الأمر ، وولي الأمر هو محمد بن سلمان . القضية اخطر مما تتصور يا عثماني ز شكرا والسلام .