مقالات مختارة

سوريا ساحة للدمار

فايز سارة
1300x600
1300x600

يحار البعض في سر الالتقاء بين روسيا وإيران ونظام الأسد. وأساس الحيرة وجود تباينات أيديولوجية وسياسية، إن لم تشكل عوامل صراع وتناقض بين الأطراف الثلاثة، فهي على الأقل تمنع قيام مثل هذا الالتقاء فيما بينها بخلاف ما هو قائم واقعياً في سوريا، التي أصبحت ميداناً يجسد هذا الالتقاء في صراع على سوريا، ويجسد في مستوى آخر تحدياً ظاهراً للمجتمع الدولي بمؤسساته وقيمه المشتركة.

بالنسبة لإيران فقد شهدت ثورة شعبية واسعة على نظام الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1979، ما لبث الملالي أن استفردوا بالسلطة فيها بعد تصفية حلفائهم في تلك الثورة، قبل أن ينتقلوا إلى صراعاتهم الداخلية، فيقوم التيار الأكثر تطرفاً بتصفية شركائه من رجال البازار بالقتل أو الإبعاد أو التهميش، أو بفرض الإقامات الجبرية، والشواهد في ذلك أكثر من أن تعد أو تحصى، وقد جرت فصول التصفيات في ظل أمرين اثنين؛ العمل على تصدير الثورة الإيرانية بهدف تشييع المحيط من جهة، وحروب وتدخلات خارجية في مستوى الإقليم، تم خلالها بناء أدوات عسكرية/ أمنية ومليشيات، ترتبط مباشرة بمركز السلطة في الدولة ممثلاً بالمرشد الذي يتمتع بسلطة مطلقة، تتجاوز الهياكل المؤسسية للدولة الإيرانية بما فيها الدستور والسلطة التنفيذية القائمة حسب المعلن على أساس الانتخابات.

وبالتوازي مع خط الانتقال نحو تضييق طيف السلطة الحاكمة في طهران، تواصلت تنمية أدوات السيطرة العسكرية/ الأمنية، وجرى توسيع طيف المليشيات التابعة في الخارج، للسهر على مهمتين أساسيتين؛ أولهما القمع الوحشي لأي حراك سياسي أو اجتماعي/ ثقافي في إيران، يمكن أن يؤدي إلى تغيير النظام أو إحداث إصلاحات فيه على نحو ما حصل في ثورة عام 2009 أو في انتفاضة المدن الإيرانية 2008 اللتين تم سحقهما بمنتهى التشدد والوحشية، وهو السلوك ذاته الذي مارسته المليشيات التابعة لإيران في البلدان الموجودة فيها من العراق ومليشياته كما في مثال «الحشد الشعبي»، إلى لبنان ومثاله «حزب الله» اللبناني، وصولاً إلى اليمن ومليشيات الحوثي، وقد تكرس حضورها ودورها الإجرامي مع مليشيات أخرى في سوريا بالقتال، إلى جانب نظام الأسد طوال سنوات ماضية.

ولم تكن روسيا الاتحادية بعيدة عن نسق التطور الإيراني؛ لقد استغلت أقلية السلطة الصاعدة على الجثة السوفياتية ارتكابات الأخيرة وحاجة الروس إلى نظام وحياة جديدة، لتفرض هيمنتها وفق شعارات أيديولوجية/ دعاوية، ثم سلمت البلاد إلى أقلية أكثر قدرة وتنظيماً، تستمد تجربتها من جهاز الأمن وعلاقاته، وكان بوتين على رأس الأقلية الجديدة، وعزز بوتين سلطته بتقوية دور الجيش والأمن والشركات الأمنية في الحياة الروسية، وفرض سيطرته المطلقة على الإعلام، وكثف الجهود في تطوير الصناعات العسكرية، أما بالنسبة لنظام الأسد الذي يمكن اعتباره النموذج الأبرز في التوحش، لما كرسه طوال نحو أربعين عاماً من حكم أقلي استبدادي، قام على الوحشية في تفكيره وسياساته وأساليبه وأدواته، وقد استخدمها جميعاً على نطاق واسع في المستويين الداخلي والخارجي، ضارباً عرض الحائط بكل ما بنى السوريون من ملامح الدولة ومؤسساتها، واستبدل بها بنية عصابة النهب المنظم، التي تحكم مجتمعاً مهمشاً بالقوة العسكرية/ الأمنية، ومسيطراً عليه بأيديولوجيا/ دعاوية لا مصداقية لها.

لقد كرس نظام الأسد من الأب إلى الابن الوحشية في علاقته مع السوريين وفي حياتهم من تهميش وإقصاء وملاحقة وسجن وقتل لمعارضيه، إضافة إلى مذابح تكررت على مدى عقود حكم طويلة، آخرها ما يحصل متواصلاً ومتصاعداً منذ سبع سنوات، استدعى خلالها من يشاركه فيها من دول ومليشيات مسار توحش ليس له ما يماثله في التاريخ، ولم يقتصر المسار في تطبيقاته على السوريين، بل امتد إلى حيث استطاعت يد النظام الوصول إليه من بلدان وساحات أخرى.

وهكذا أصبحت سوريا ساحة وبخاصة للنظام الإيراني الذي يسعى للهيمنة على الدول العربية، وقد مهد له النظام السوري هذا الأمر، فها هو ذا يفتك بسوريا ويتخذها معقلا له.

الشرق الأوسط اللندنية

1
التعليقات (1)
العقيد ابو شهاب
الخميس، 22-03-2018 09:41 ص
تعقيب على مقال الأستاذ فايز سارة المحترم: في آذار عام 1963 سيطرت أمريكا على سوريا من خلال الأقلية النصيرية و لا تزال مسيطرة حتى الآن. لمدة 48 عام ، أي حتى عام 2011 ، كان النصيريون يقومون بالإجرام بحق أغلبية شعب سوريا من دون أن يدفعوا أي ثمن و تمادوا في القتل و التدمير "حماة مثالاً" و الاعتقالات و الحث على الهروب خارج سوريا ، و لقد رأيت بأم عيني آلاف المهاجرين من سوريا إلى أوروبا و رأيت آلاف بطاقات المطلوبين لأجهزة المخابرات في مطار دمشق. لم تكن ثورة شعب سوريا نتيجة مؤامرة و إنما لأنه قد طفح الكيل و بلغ السيل الزبى و لقد كانت هذه الثورة هي أكثر ثورة حقيقية في العالم على الاستبداد و الظلم . لذلك جن جنون أمريكا و طلبت من بشار تنفيذ حل أمني شرس ضد المظاهرات الشعبية السلمية التي تطورت إلى عسكرة للثورة. لم تصمد القوات النصيرية طويلاً ، مما استدعى أن تطلب أمريكا من عملاءها الحكام الفرس بضخ مقاتلين لتعويض النقص البشري في صفوف تلك القوات فأمرت إيران "حزبالة اللبناني" بالدخول إلى سوريا. ثم إن إيران ضخت أكثر من 60مليشيا فارسية "من ضمنها عراقيين" إلى سوريا ، و لكن كل هؤلاء لم يحسموا النتيجة و لقد كادت الثورة أن تنتصر في صيف عام 2015. في ذلك الوقت طلب أوباما و كيري من الروس التدخل مع ضمان دفع تكاليف عملياتهم العسكرية من الإمارات و غيرها . وافق الروس و ظنوا أن عملياتهم ستنتهي في ديسمبر 2015 و بحد أقصى في يناير 2016. لقد مر على تدخل الروس سنتين و نصف ، و مع مرور الوقت ازدادت شراسة و وحشية هجماتهم مما أدى إلى قتل كثير و دمار واسع و تهجير ، و كل ذلك بموافقة و مباركة أمريكا و نظامها الدولي. احتلال الغوطة الشرقية متفق عليه دولياً و تدعمه دويلات الإقليم من خلال تمويل قولت الاحتلال و من خلال بعض قادة الفصائل المرتبطين بدول الإقليم "و هذه الدول مرتبطة طبعاً بأمريكا". هل يوجد أمل ؟ الجواب : نعم بالتأكيد ، فالأمل بالله عظيم ثم بالثوار المخلصين . بعد انتهاء دور من تم تسمينهم لركوب موجة الثورة ، لسوف تبدأ الثورة الحقيقية التي لا ينفع معها طيران روسي يتسلى بالإجرام بسبب منع أمريكي لمضادات الطيران و بسبب محددات غرفتي الموك و الموم. الثورة "نسخة 2" هي التي ستنتصر بعون الله ، و سينال شعب سوريا الحرية و الكرامة و العدل.