كتاب عربي 21

ترامب.. الرئيس التاجر

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
غريب هذا الرجل الذي يحمل اسم دونالد ترامب، ويتمتع بصفة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. لقد حول بكل ارتياح؛ مؤتمره الصحفي مع وليد العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مزاد علني، استعرض من خلاله القدرات التي تتمتع بها الصناعة العسكرية لبلاده. وهي المرة الأولى التي يقدم فيها رئيس دولة على الكشف بهذه الطريقة الغريبة عن صفقة أنجزها مع شريك له، بشكل مباشر ومقزز واستفزازي.

لماذا فعل هذا؟

سؤال نطرحه لكي نبحث من خلاله عن الميكانزمات التي يفكر بها الرئيس الأمريكي الحالي، والذي يختلف من حيث الشكل على الأقل في كثير من تصرفاته عن الذين سبقوه، بما في ذلك الرئيسين الشهيرين ريغان وبوش.

أراد الرئيس ترامب من خلال هذا الاستعراض أن يبين للرأي العام في بلاده؛ أنه في الوقت الذي تستمر فيه التحقيقات حول مدى تورطه أو تورط فريقه في العلاقة بالروس، خلال حملته الانتخابية التي فاز فيها بشكل عجيب ومثير للجدل على منافسته هيلاري كلنتون، فإنه لا يأبه بذلك، ويواصل جهوده لتنشيط الحركة التجارية المؤثرة إيجابيا على الاقتصاد الأمريكي. فالصفقة الراهنة مع السعودية التي تبلغ 400 مليار دولار ستوفر حوالي 30 ألف راتب لعمال أمريكيين. وكأنه بذلك يحاول أن يتدارك تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي، ويؤكد بأنه الرجل المفيد الآن للأمريكيين الذين عليهم أن يهيئوا أنفسهم لانتخابه من جديد في دورة ثانية.

كما أراد أيضا أن يبين بكونه اللاعب الرئيس في الشرق الأوسط. فجميع دول الخليج تحتاج إليه، وتستمع لنصائحه وتحتمي به وتلبي رغباته. هذا ما يعتقده، ولكي يرسخ هذه الصورة فإنه يعمد إلى أقصى درجات الاستفادة من النزاع القائم حاليا بين الدول الخليجية الثلاث وبين دولة قطر. فهذه فرصة ثمينة لكي يقوم ترامب بعملية ابتزاز باهضة الثمن، في وقت تحتاج فيه شعوب المنطقة إلى نوع من الاستقرار والتضامن وادخار ثرواتها حتى تؤمن مستقبل الأجيال القادمة.

أما رسالته الثالثة فهي موجهة إلى إيران التي يعتبرها ترامب "العدو المشترك" الذي يستند عليه، ليدفع بدول الخليج نحو الاصطفاف وراءه في معركة إقليمية تهيأ لها الشروط والأجواء، بالتعاون مع إسرائيل المتربصة بالفلسطينيين الذين يمرون بأسوأ مرحلة في تاريخهم الحديث. لقد تحولت إيران إلى ذلك الوحش المفترض الذي يستعمل في الأساطير لإرهاب الناس والشعوب؛ حتى يستسلموا لمن يدّعون بكونهم الأقدر على حمايتهم من كل المخاطر الوهمية. مع ذلك، فلإيران حسابات أخرى تخشاها دول الجوار، وتستند عليها من أجل القبول بنوع من الوصاية العسكرية والسياسية والاقتصادية الأمريكية.

أخيرا، ما لم يقدره ترامب حق قدره أن ما فعله خلال استعراضه لتفاصيل الصفة مع السعودية هو إضعاف لحليفه الأمير محمد بن سلمان؛ لأنه بدل أن يقدمه في صورة الشريك الاستراتيجي لمعركة كبرى قادمة، جعل منه مجرد تاجر عربي قادم من قلب الصحراء ليعود بمجموعة لعب خطيرة ومدمرة، عسى أن تحميه وتحمي بلاده عندما تندلع الحرب المتوقعة مع إيران. وإذا ما استحضرنا المخيال الأمريكي المحشو بكثير من الصور النمطية المقززة والمحقرة للعرب والمسلمين، فإن ما سيبقى من ذلك المؤتمر الصحفي سوى مزيد من ترسيخ هذا التراث العنصري والمتعالي على الآخر والرافض له في العمق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالخليجي والعربي والمسلم.

لا شك في أن زيارة ولي العهد الأمير سلمان لأمريكا ستكون لها تداعيات مستقبلية على أكثر من صعيد، خاصة وأن هذه الزيارة ستمتد إلى أسبوعين. وهي بدون شك ستهيئ لمستقبل السعودية والمنطقة برمتها. وستتضح الصورة تدريجيا من خلال الاتفاقيات التي ستكون شاملة، والتي تنسجم مع ما يفكر فيه الأمير سلمان، وما أعلنه وما شرع في تنفيذه خلال أشهر القليلة الماضية. فالسعودية تتجه اليوم نحو تغييرات كبرى وجذرية، ولن تكون صورتها في المستقبل امتدادا للصورة التي ورثها السعوديون والعرب عن الجيل الماضي. فالسياق أصبح مختلفا وواضحا حول أن ولي العهد السعودي يتجه ببلاده نحو تحويلها من دولة دينية إلى دولة ترتكز على هوية علمانية. ويكفي أن يتأكد هذا التوجه ويتدعم خلال  الفترة القادمة، حتى ندرك حجم المتغيرات التي ستترتب عن ذلك، ليس فقط سعوديا، ولكن أيضا عربيا وإسلاميا. إنه زمن جديد بكل تناقضاته ومعاركه وتداعياته.
التعليقات (1)
اينشتاين
الإثنين، 26-03-2018 04:37 م
الأستاذ الجورشي ، مقاربة شخصية الرئيس دونالد ترامب من خلال ما توصلت إليه الفلسفة المنغلقة التي يتميز بها الكيان الصهيوني هو الأساس الذي لا ينبغي إهماله ، اختيار هذا الإنسان بالذات على رأس الإدارة الأمريكية هو من صميم العمل الجاد الهادف للنيل من الكيان العربي خصوصا والكيان الإسلامي عموما في سبيل أمن وأمان ( دولة إسرائيل ) الوعد الذي عزموا على تجسيده على أرض الواقع ، لذلك فإن دونالد ترامب يتصرف وفق العرض الذي اتفقوا على تقديمه لعالم اليوم في شكله المسرحي الهزلي إلى أبعد الحدود ، تصرف ترامب مع ولي العهد السعودي هو جزء من المشهد المتفق عليه ، إنزال العرب منزلتهم التي صاروا يستحقونها حسب بني صهيون ، الإذلال إلى أبعد الحدود والاحتقار اللامحدود ، وسوف يستمر ترامب في إذلال العرب الخاصة من أولياء العهد على اختلاف أشكالهم ، لذلك انتضروا المزيد ، ولن تستغربوا كذلك لما يأمر دونالد ترامب أو إدارته أولياء أمر العرب بتنفيذ مخطط مهاجمة إيران في القريب العاجل إمعانا في التخلص من الفائض الذي بات يقلق إسرائيل وأولياء العهد على حد سواء ، الفائض من عامة العرب الذين انخرطوا في ثورات الربيع العربي بات مصدر القلق الأول لهؤلاء وأولئك ، لذلك وجب ألا ننظر إلى المسألة على أنها متصلة بشخص ترامب في حد ذاته وبطبيعة التجارية أو بمهارته واستعداده على ابتزاز المفلسين وهو أكبرهم . الجميع ينظر إلى إيران ويهمل العراق وتركيا ، التقارب التركي الإيراني يمكن مقاربته من موقف إيران تجاه سياسة تركيا من الملف السوري تحديدا بداية بعملية غصن الزيتون والعمليات المؤلمة التي يقودها النظام السوري بدعم من روسيا في حدود الغوطة الشرقية ، سياسة إيران غير واضحة من حيث البعد الاستراتيجي بخصوص الحاجة إلى موقف تركي عراقي إيراني سوري يمكن خلط أوراق أصحاب " صفقة القرن " تحت إشراف إسرائيل ، إن الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب اليوم ، وخصوصا بعد العملية التجميلية بعد استبعاد ريكس تيلرسون ، لا تنطلق من إرادة الأمريكيين في اتحادهم ، بقدر ما تتحرك وفق المسار الذي رسمته الفلسفة المنغلقة من وراء قناع .