كتاب عربي 21

احتراف العداء للشريعة

محمد عمارة
1300x600
1300x600
يعترف المستشار محمد سعيد العشماوي، وهو أحد أعمدة الفكر لنظام حسني مبارك، بأن الصحوة الإسلامية التي برزت في عقد السبعينيات، والتي فرضت الاتجاه إلى تقنين الشريعة الإسلامية وتطبيقها، بدلا من القانون الوضعي ذي الأصول والفلسفة الفرنسية اللادينية. يعترف العشماوي بأن هذه التحولات الحضارية هي التي وقفت وراء تحوله للتخصص في الفكر الإسلامي كي يواجه هذه التحولات.

وفي هذا الاعتراف الخطير يقول العشماوي:

"منذ باكورة الشباب، اهتممت بالفكر الإسلامي ضمن اهتمامي بالفكر الإنساني والفكر العالمي، ثم زاد اهتمامي به حين بدأت حركة الإسلام السياسي تتزايد!

ففي السبعينيات كانت دعوى (لاحظ استخدامه لفظ "دعوى" بمعنى الإدعاء بدلا من "دعوة"!) تطبيق الشريعة قد أوشكت أن تقنع الناس - وأكثر الناس لا يعلمون - بضرورة تقنين الشريعة وإلغاء كافة القوانين القائمة، وتغيير النظام القضائي كله، ونشطت لجان لهذا الغرض. وقد نشرنا كتابنا "أصول الشريعة" في أيار/ مايو عام 1979، وتابعنا ذلك بمقالات نشرت في جريدة الأخبار من تموز/ يوليو 1979 حتى كانون الثاني/ يناير 1980، وفيها دللنا على أن أحكام القوانين المصرية لا تبعد عن أحكام الشريعة والفقه الإسلامي إلا في نقاط قليلة لا يمكن تطبيقها دون إعداد سليم وبغير اجتهاد جديد".

هكذا اعترف العشماوي بأن الصحوة الإسلامية (التي يسميها "الإسلام السياسي") ولجان تقنين الشريعة والاتجاه إلى تطبيق القانون الإسلامي بديلا لقانون نابليون.. اعترف بأن هذا التوجه الحضاري الإسلامي هو الذي استنفره ليتحول إلى التأليف في الإسلام، وليكون في طليعة القائلين إن القوانين الوضعية القائمة لا داعي إلى تغييرها؛ لأنها لا تختلف عن القانون الإسلامي إلا في نقاط قليلة لا يمكن تطبيقها دون إعداد سليم وبغير اجتهاد جديد!

ومنذ ذلك التاريخ، أصبح العشماوي صاحب مشروع فكري كبير، زادت كتبه عن العشرة، كما أصبح واحدا من المقربين إلى مؤسسة الرئاسة في عهد حكم حسني مبارك، يحمي مبارك كتبه من أن تمتد إليها أيدي مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ويرسل مبارك شخصيا كتب العشماوي إلى الملك حسين، عاهل الأردن الراحل، وتقوم مباحث أمن الدولة بحراسة العشماوي وحراسة منزله، وخاصة بعد تصاعد استفزازاته للحس الإسلامي بما كتب عن الإسلام والقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، وعن الأمة الإسلامية وحضارتها، بشكل لم يسبق له مثيل حتى من غلاة أعداء الإسلام.

لقد استفزت التوجهات الإسلامية، والسعي لتقنين الشريعة الإسلامية وإلى تطبيقها، المنصرين الأمريكيين، فعقدوا لمعالجة هذا التوجه مؤتمر "كولورادو" في أيار/ مايو عام 1978، والتقط المستشار العشماوي طرف الخيط ليتخصص في محاربة ظاهرة التحول نحو الإسلام، فبدأ بالمقالات التي نشرها له موسى صبري بصحيفة "الأخبار" بعد عام من انعقاد مؤتمر "كولورادو"، ليصبح في عهد حسني مبارك؛ أبرز المناهضين للتوجه نحو الإسلام!
التعليقات (4)
اينشتاين
الأربعاء، 28-03-2018 11:43 م
الأستاذ محمد عمارة المحترم ، تذكرون جيدا الشيخ محمد الغزالي أيام ثمانينات القرن الماضي ، كيف كان حاضرا متميزا وجادا في مسألة الوعي ، كان مؤثرا إلى أبعد الحدود بالرغم من الجو الذي كان غالبا بخصوص مسألة الحضور الجو الغالب وقتها ، كان طغيان الكلمة غير المسئولة ، بدت الصحوة في أوج قوتها ، غير أنها كانت غارقة في بحر من الشعارات في جو احتفالي لا حدود له ، لم ندرك وقتها وزن التوجيهات التي كان يدفع بها الشيخ رحمه الله، كمن يشق طريقه بصعوبة ، لا لشيء سوى لأن غالبيتنا كانوا مهتمين بالشعارات ، لا نهتم سوى بشكل ومظهر وصوت زعيم أو قائد الجماعة أو الحركة ، واليوم وبعد الهزات العنيفة التي شلت حركتنا ، أين يقف الفكر الإسلامي ، بمعنى فكر المسلمين ، من سؤال عالم الأفكار ؟ ما هي أولوياته وساحاته ؟ وفي عالم الأشخاص ، ما مدلول الصحوة وعناوينها ، هل تواصل رفع شعار الإسلامية فنقول بالصحوة الإسلامية ؟ أم أن الصحوة المطلوبة هي صحوة اجتماعية بمعنى صحوة إنسان في حدود الكيانات السياسية القائمة ، ما هي الأولويات قبل النظر في الأهداف والمقدمات ؟ هل المطلوب هو هذا الكم الهائل من المتكلمين على مستوى أدوات التواصل الاجتماعي الذين باتوا يتعاملون مع الكلمة كما يتعاملون مع موائد الأكل في أفراح و أقراح العالمين ؟ الأستاذ المحترم ، الحاجة ماسة إلى روح متجددة كمن يجلس في حضرة أولئك الذاكرين من أمثال الأستاذ محمد الغزالي رحمة الله عليه ، فنتحسس التوجيهات اللازمة التي يمكن أن تعيدنا إلى وعينا فنلتزم الخط المستقيم .
اينشتاين
الثلاثاء، 27-03-2018 11:03 م
ينشتاين ( 3 ) : الفكر السياسي الإسلامي البديل تحرك منذ البداية ، وخصوصا ستينات وسبعينات القرن العشرين ، في ساحة كلها ألغام وتمسك هذا الفكر بالحل السياسي رافعا شعار تطبيق الشريعة ، وربط ذلك بوجوب تغيير أنظمة الحكم القائمة ، واندفع إلى ساحات الأحزاب السياسية وانخدع بهتافات الجماهير ولم يأخذ في حساباته المنظور الغربي الليبرالي الرأسمالي من قريب ، وظن أن المسألة متوقفة على الانتخابات ، وبالرغم من التجربة الجزائرية أيام تسعينيات القرن الماضي ، انخدع مرة أخرى داخل حدود مصر ، فكانت المأساة . فهل سبب المأساة هو فكر سعيد العشماوي وأمثاله ؟ يقول الدكتور عمارة : " يعترف المستشار محمد سعيد العشماوي، وهو أحد أعمدة الفكر لنظام حسني مبارك، بأن الصحوة الإسلامية التي برزت في عقد السبعينيات، والتي فرضت الاتجاه إلى تقنين الشريعة الإسلامية وتطبيقها، بدلا من القانون الوضعي ذي الأصول والفلسفة الفرنسية اللادينية " . لا حظ معي عبارة " فرضت الاتجاه إلى تقنين الشريعة الإسلامية وتطبيقها " . وكأن دور الصحوة ومهمتها هو فرض تطبيق الشريعة ، بمعنى أن النظرة كانت سياسية ، كمن يسعى إلى الوصول إلى تغيير الأنظمة القائمة سياسيا واستبدال القوانين الوضعية بالشريعة الإسلامية ، هذا هو الفكر الإسلامي الذي يتحدث عنه الدكتور . يقول أيضا الدكتور : " يعترف العشماوي بأن هذه التحولات الحضارية هي التي وقفت وراء تحوله للتخصص في الفكر الإسلامي كي يواجه هذه التحولات " . لاحظ عبارة " التحولات الحضارية " ، العبارة المناسبة هي : " التحولات السياسية " ، المعركة كانت سياسية ، ومحمد سعيد العشماوي وأمثاله كانوا من بين أدوات تلك المعركة في مواجهة الفكر الإسلامي السياسي الإخواني على وجه الخصوص . ومن يتابع طرح الدكتور عمارة : " هكذا اعترف العشماوي بأن الصحوة الإسلامية التي يسميها ( الإسلام السياسي ) ولجان تقنين الشريعة والاتجاه إلى تطبيق القانون الإسلامي بديلا لقانون نابليون " . يتخيل أن الصحوة صارت متحكمة أو اقرب إلى التحكم بزمام الأمور . الحسابات من البداية ، سواء بالنسبة للأنظمة الحاكمة أو بالنسبة للصحوة أو الفكر السياسي الإسلامي ، كانت سياسية إلى أبعد الحدود ، غاب عنها البعد الحضاري ، سواء من حيث المنظور التاريخي ، أو سؤال عوامل التخلف في مقابل التحدي الغربي الصهيو ـ صليبي بمعطيات القرن الواحد بعد العشرين . وعلى هذا الأساس نتوجه بالسؤال إلى الدكتور عمارة : أين تقف الصحوة اليوم من سؤال تطبيق الشريعة الإسلامية ، والصحوة في حد ذاتها ، هل هي الشعوب التي ثارت في مصر وتونس وليبيا وسوريا أيام الربيع العربي ، أم أن الصحوة هي النخبة التي نظرت من أجل إقناع الناس بضرورة فرض تطبيق الشريعة ، من تكون الصحوة اليوم في حدود الركام المتحرك في ساحة العرب والمسلمين ؟ وما الفرق بين الحل السياسي والحل الحضاري المنشود ؟
اينشتاين
الثلاثاء، 27-03-2018 10:59 م
اينشتاين ( 2 ) : الدكتور عمارة ، اعلم أن هزيمتنا على مستوى العالم العربي خصوصا ، والعالم الإسلامي عموما ، جاءت نتيجة قابليتنا للانقسام ، الانقسام ليس وليد ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي ، فكر الانقسام ضارب في التاريخ ، يعود إلى مأساة " صفين " يوم تم الاحتيال على مسار الحكم الراشد ، ورسم له مسارا في حياة العالمين ، هزيمتنا داخل الديار المصرية لم تكن على يد العشماوي وأمثاله الذين سبقوه في العصر الحديث ، وعدم تطبيق أحكام الشريعة لم يكن سببه ذلك الفكر ، فكر العشماوي لم يتجاوز صداه وأثره حدود مصر ، بل كان حبيس إدارة مبارك كمسكن من الآلام على أكبر تقدير ، السبب هو عدم أهلية أصحاب الفكر السياسي البديل ، الفكر الإسلامي السياسي ، لم يبدأ سبعينيات القرن الماضي ، ولا حتى بداية القرن العشرين ، فكر الانقسام فعل بنا فعلته وجعلنا نعاني على مستوى الذاكرة ، الفكر السياسي الذي تستر بقناع الإسلام في حدود شبه الجزيرة العربية أو جزيرة العرب اعتمد سياسة الهدم كثيرا ، ارتبط بالفكر الوهابي ليس حبا فيه ، بل من أجل التستر وتمرير مشاريع الهدم ، اليوم توجه التهمة لمحمد بن عبد الوهاب ، أليس كذلك ؟ والصواب هو أن نوجه التهمة للفكر السياسي السعودي وهو فكر إسلامي ( يلبس قناع الإسلام ) ، آل سعود كانوا من البداية يهدفون إلى مغالطة عامة المسلمين وكان هدفهم الاحتفاظ بعروشهم ، لا حظوا كيف تحول اليوم الفكر السياسي السعودي إلى ما يشبه الضحية ، محمد بن سلمان يلصق آثار الجريمة في الوهابية ، وكأنه يريد تخليص السعوديين وكل العرب والمسلمين من تطرف الفكر الوهابي ، كما يدعي ، أليس كذلك ، النتيجة أن مشكلتنا نابعة من الفكر السياسي على خط الملك العضود ، والغريب أن التهمة طالت الفكر السياسي الإسلامي كله ، أتدرون لماذا ؟ ببساطة لأن الفكر السياسي السعودي أساسا والخليجي عامة كان متخوفا على العروش ، لذلك لم يطمئن لساحة الفكر السياسي الإسلامي البديل ، بداية بالفكر الوهابي الذي تستر به لوقت طويل ، ووصولا إلى فكر الإخوان المسلمين ، وها هو اليوم يتوجه إليه بالتهمة ويحمله أوزار ظاهرة التكفير ، لذلك استغرب الناس من موقف كل من السعودية والإمارات تجاه حركة الإخوان المسلمين ، دعموا الانقلاب عليهم ودفعوا الملايير .
اينشتاين
الثلاثاء، 27-03-2018 10:57 م
اينشتاين ( 1 ) : من أين نبدأ، الطائرة لا تقلع بأحد جناحيها حتى وإن بلغت تمنياتنا عنان السماء ، ناهيك إذا كانت معظم أجزائها معطلة من أين نبدأ إذا كانت مصادر قوتنا جدا مستهدفة ، من أين نبدأ إذا كان تركيزنا على مشاكلنا من منظور المريض الذي ينتظر وقد فقد كل الأمل، فهل نبدأ ونحن لا نستطيع أن نبدأ ، بداية البدايات أن يتغير كل واحد يريد أن يبدأ ، يبحث له عن مبدأ ، ومبدأ المبدأ أن يشهد على مكمن المبدأ ، نفسه التي بين جنبيه ، لا يوائمه فيها سوى مبدأ المبدأ الذي قامت عليه أمة الشهادة ، الأمة الوسط ، وإذن فالبداية من الوسط ، لا تنازعنا الأطراف فتأخذ بوسطنا وتأخذ منا شهادتنا ، نصلي ونحن نصلي ، نصوم ونحن نصوم ، نزكي ونحن نزكي ، نشهد ونحن نشهد ، حينها فقط يمكن أن نبدأ، عندها فقط ستبدأ رحلتنا وستقلع طائرتنا وستصطف مدارسنا ومزارعنا ومدا شرنا وريفنا ومدننا ومعاملنا ومعاهدنا وجامعاتنا ومساجدنا ، فتأخذ مكانها حدا وسطا لا ينازع بعضها بعضا ، فيعود الأمل وتتحدد معالم الرحلة في عالم الوسطية وعالم الشهادة التي رضيها لنا عالم الغيب والشهادة . من نكون في أيام الناس هذه ؟ نحن لسنا أفضل من الأقراص المضغوطة، لماذا يا ترى ؟ الأقراص يمكن أن تحمل مواضيع وصورا وتحافظ عليها ، مثل هذه المهمة ليست في متناول الإنسان ، لأن الأقراص تحافظ على المضمون والشكل دون زيادة ولا نقصان ، أما الإنسان فمن الممكن أن يضيف أو يحذف لأسباب مختلفة ، ينطبق ذلك علينا ونحن نتحدث ، أو نناقش ، أو نتحاور ، نكرر الكلام في نفس المواضيع ، يمكن أن نتناقض بين حين وآخر وأكثر من ذلك نخرج في كثير من المناسبات من دون نتيجة ، المشكلة ليست في الكلمة ، إنما في مقارباتنا لعالم الكلمة ، لذلك هلا بحثنا لنا عن بديل يقلل من هفواتنا وسقطاتنا وانحرافنا في عالم الكلمة ؟ هلا تواعدنا مثلا على أن يكون لقاءنا بعد أن نفترق هو لقاء عمل ، يقدم أحد الحضور صورة عملية ، إنجازا معينا ، نشاطا محددا ، فننظر في إيجابياته ، وفي سلبياته ، كيف يمكن تحسينه ، أو التقليل من سلبياته ، وإذا أمكن تعميم فوائده . أعطيكم مثلا : يلتقي الناس بمناسبة عزاء ، فيجلسون ويتبادلون الحديث ، كأن يبادر أحد الحضور فيذكر بأهمية تكفل الجيران ، أو الأقارب ، بعملية الإطعام ، وتحديدا إطعام القادمين من مسافات بعيدة تقتضي إطعام المعنيين بذلك ، كثيرا ما يتحدث الحاضرون في موضوع كهذا مرارا وتكرارا ، ثم ينصرف كل واحد إلى وجهته ، لنعود في مناسبة أخرى ونكرر نفس الكلام دون آبهين بخطورة ذلك ، وكان الأجدر أن ننتقل من عالم الكلمة إلى عالم الفعل ، كأن يبادر الجيران ، أو الأقارب ، فيعقدون العزم على تنظيم عملية التكفل مستقبلا فيما بينهم ، ويتفقون على الإجراءات العملية دون انتظار . الانتقال من عالم الكلمة إلى عالم الفعل يعلمنا الكثير ، فبدل أن نتكلم ونكرر الكلام ، نعمل ونتقدم في عالم الأفعال . وحتى في عالم الكلمة نجتهد قدر الإمكان في التخلص من مسايرة الناس في كلامهم ، فبدل اجترار الإشاعات ، نعلم أنفسنا ، ونجتهد في تذكير الناس بأهمية أن تكون للمرء وجهة نظر خاصة به ، فبدل أن يكون ناقلا للأخبار ، خصوصا إذا كانت مجرد إشاعات ، يحاول أن يتفكر في نتائج ذلك ، وإذن فبدل المسايرة والإتباع ، نحمل أنفسنا تدريجيا على التفكر ، حتى وإن قابلنا الحضور بنوع من الاستهزاء ، أو عدم الاهتمام واللامبالاة ، نحاول أكثر ونجتهد أكثر . تتشكل الكلمة وتتقولب وتأخذ لها صورة في دنيا الناس وتبقى كلمتك شاهدة عليك في الدنيا ويمكن أن تشهد عليك بين يدي الله . وإذن فليكن هدفنا تغيير ذهنياتنا ، فبدل أن تخترقنا الإشاعة في مجالسنا فتحدث شروخا إضافية في شخصيتنا ، وتخترقنا الدعاية المغرضة في جمعنا فنتحول إلى إمعة نسيء بدل الإحسان ، بدل ذلك ، نتعلم كيف نبطل مفعول الدعاية المغرضة ، ونحطم قيود الإشاعة العمياء ، ونفسح المجال أمام الإحسان بدل الإساءة . إذن ، نحن نحتاج إلى ثورة على مستوى ذهنياتنا شريطة أن ترتبط عملية الهدم بعملية البناء أصلا ، ولا نقبل بأن يكون البناء تابعا ، أو عنصرا من عناصر الهدم . نحن ، للأسف الشديد نتعامل مع عالم الكلمة كما نتعامل مع البضاعة المستوردة ، خصوصا منها المعلبة ، التي يصعب علينا التأكد من مكوناتها ومدة صلاحيتها ، فبدل أن نبحث لنا عن مكان في عالم الأفعال فننتج ما نأكل وما نلبس بأنفسنا ، نقطع مسافات رهيبة في عالم الانتظار ، انتظار الغذاء والملبس ، وأحيانا حتى الماء ، ماذا يمكن أن ينتظر قوم توارث مثل هذه الحالة المرضية ؟ و ماذا يمكن أن يلحق بنا ويصيبنا في عالم الكلمة جيلا بعد جيل ؟ نحن نتعلب في ذهنياتنا ، بدل أن نتغلب ، وننغلق بدل أن ننعتق ، نحن لم نسأل عن أنفسنا فنبحث عنها في عالم الحضور ، فكيف يتسنى لنا البحث عن فكرة تقينا من أوحال الثبور ؟ نعقد لأنفسنا ملتقيات فنتكلم ونقرر في مواضيع ليست بأيدينا ولا في متناولنا ، فنقطع لها مسافات من غير مدلول ، ثم تجدنا أعجز ما نكون إذا تعلق الأمر بمواضيع هي من صميم اهتمامنا ومما يتصل بمهامنا .